الصورة التقطتها لصحيفة ماليزية كانت ملقاة على الأرض في مطار جزيرة لانكاوي في ماليزيا - سبتمبر ٢٠١٢ |
الصحفي
الجيد يصلح أن يكون رجل استخبارات
متميز. قدرته
على جمع المعلومات وغربلتها وبناء سياق
منها هي التي تؤهله كي يضيف إلى المتلقي
شيئاً جديداً.
لذا
ليس غريباً أن تستعين أجهزة الاستخبارات
بمصادرها الصحفية كي تحصل على
المعلومات. بالطبع
هذا في الغرب له ضوابطه القانونية
والأخلاقية، بينما لا يبدو الأمر كذلك
في العالم العربي أو في الدول التي تتمتع
بأنظمة حكم شمولية.
الصحفي
الجيد هو الذي يستطيع أن: ١. يصل
إلى المعلومة ٢. يحدد
مدى دقتها/صحتها
عبر مصادره ٣. يضع
هذه المعلومة في السياق الصحيح للقصة
الخبرية.
في
المؤسسات الإعلامية في الغرب، يستثمرون
بكثافة في مجالات تدريب الصحفيين. فهم
رأس المال الحقيقي لهذه المؤسسات وهم
الذين يحددون مدى نجاحها وتميزها.
أن
تكون صحفياً جيداً ليس سراً حربياً. فقط
عليك أن: ١. تقرأ
بغزارة حول ما تريد أن تتخصص فيه. ٢. تهضم
ما قرأته جيداً. ٣. تتفاعل
معه خلال عملك الصحفي. ٤. تعيد
إنتاجه عبر كتابته ببساطة وسلاسة.
أحمد
بهاء الدين، أحد أمهر كتاب الأعمدة الصحفية
في الصحافة العربية خلال النصف الثاني
من القرن العشرين، كان يقول: فكر
بعمق، واكتب ببساطة.
قدرتك
على أن تبقى في مهنة الصحافة لفترة طويلة
مرهونة بأمرين: ١. تمسكك
بالأطر الأخلاقية للمهنة ٢. قدرتك
على إتقان أنواع مختلفة من العمل الصحفي.
الصحافة
الجيدة تحتاج إلى قدر هائل من الحرية في
المجتمع الذي تصدر منه. في
المجتمعات المنغلقة تتحول الصحف إلى
نشرات إعلانية أو مراسيم دعائية.
مارست
الصحافة في عاصمة عربية خليجية وعاصمة
غربية. الفرق
هائل بين التجربتين. في
الأولى اصطدمت بسقف التطور المهني بعد
ثلاث سنوات فقط من العمل!
من
المدهش أنني وجدت تتطابقاً بين الصحافة
الخليجية والصحافة الماليزية. كلاهما
نشرات إعلانية فاخرة. أدركت
حينها أن الحرية في المكانين منعدمة!
من
الصعب أن تصنع صحافة حرة وحقيقية في مجتمع
يمجد شخصاً واحداً فقط أو عائلةً حاكمة
أو جماعةً دينية. كما
من الصعب أن تصنع صحافة في مجتمع يعتمد
على الاقتصاد الريعي. كلها
عوامل تجعل الصحافة مرهونة لرأسمال ولرضا
صاحب القرار السياسي.
مارست
الصحافة في مصر كمراسل لفترات قصيرة. بدا
لي المجتمع متأثرا بمسلسل للجاسوسية! الناس
يفترضون أنك عميل استخبارات تريد ما
بحوذتهم من أسرار!
من
المدهش أن رجال الأعمال قد ينجحون في صنع
صحافة شبه مستقلة وقادرة على التأثير
والتفاعل مع الرأي العام ولكن الجماعات
الأيدلوجية أو الدينية تفشل في ذلك.
لي
أصدقاء من التيار الإسلامي يسألونني عن
علاقة المخابرات بالصحافة في مصر. في
الحقيقة فإن أكثر المطلعين على هذه العلاقة
هم قيادات الجماعة الآن. فهم
الذين ورثوا ملفات الأمن من النظام السابق
وأهمها علاقات الأمن المتشابكة بالصحافة.
إذا
كان هناك تخوف من اختراق استخباراتي لمصر
عبر الصحافة، فأول المخترقين وأكثرهم
تغلغلاً داخل المجتمع المصري هم حلفاء
جماعة الاخوان الإقليميين من خلال إعلامهم
الموجه إلى المجتمع المصري.
الغرب
لن يخترق مصر استخباراتياً عبر
الصحافة. السفارة
الأمريكية في القاهرة تعد من أكبر أجهزة
جمع المعلومات في الشرق الأوسط منذ سقوط
الشاه في إيران وانتهاء دور السفارة
الأمريكية في طهران. وهذا
ليس سراً وقد ذكر أكثر من مرة في كتب غربية.
لا
توجد وسيلة إعلامية في العالم مستقلة
تماماً سوى وسائل الإعلام التي تمول بشكل
مباشر من دافع الضرائب. طبيعة
ملكية الصحف هي التي تحدد توجهاتها.
في
ظل غياب المعايير المهنية، يعتقد البعض
أن ما يصنعونه هو صحافة. في
الحقيقة هم ليسوا صحفيين وفق معايير
المهنة وإنما موظفو علاقات عامة لدى ممول
أو مالك الصحيفة.
هذا
النموذج يمكن أن تجده في مصر أو في دول
الخليج. فبالرغم
من أن الصحافة المصرية تتمتع بسقف حرية
أعلى من نظيراتها في دول الخليج، إلا أن
الصحافة المصرية تبقى مرهونة لتوجهات
السلطة الحاكمة بالنسبة للصحف الرسمية
أو التي تعرف بالقومية، أو بالتوجهات
السياسية لناشري هذه الصحف من الجماعات
والأحزاب السياسية.
يكفي
لمعرفة إلى أين تتجه حرية الصحافة المصرية
أن تتأمل في تصريح الرئيس محمد مرسي والذي
نشر كعنوان عريض في صحيفة الأهرام، حيث
يقول فيه:
"الإعلام
يجب ألا يتعارض مع مؤسسات الحكم ما لم يكن
هناك فساد"..!
أما
في دول الخليج فالصحافة الوحيدة المعترف
بها هي الصحافة الرياضية. فيما
عدا ذلك، ينظر إلى الصحف باعتبارها ملاحق
إعلانية مطبوعة على ورق فاخر!
No comments:
Post a Comment