الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي - باريس كازينو مولان روج |
١.
(الساعة
الواحدة بعد منتصف الليل.. درجة الحرارة في الخارج -٣. درجة الحرارة داخل الحانة
٢٣ مئوية.)
مال
رأسها نحوي وابتسمت. بدت رقيقة جداً وحالمة. اتسعت عيناها الزرقاوين وقالت بكل
رقة: هل يمكن أن أسألك سؤالاً..؟
-
بالتأكيد.
- هل يمكن أن أثق
بالعرب؟
(باغتني السؤال
وبدا وقعه عليّ ثقيلاً.. ما الهدف من سؤال كهذا وسط هذه الأجواء؟!)
- عزيزتي.. سؤالك
يثير سؤالاً؟
استمرت في جلستها
المسترخية وقالت بكل عذوبة: لا شيء. فقط قال لي أحدهم أن لا أثق بالعرب. أحببت أن
أعرف رأيك؟
- أعتقد أن رأيي
ليس مهماً. بيتك في الطريق الى بيتي.
ارتبكت وقالت وهي
تتلعثم: لم أقصد. أنا آسفة. اعتذر. اعتذر لك بشدة.
- لا شيء يدعو
للأسف!
٢.
(بعد خمسة أشهر.
الدقيقة الخامسة بعد الثالثة صباحاً. غرفة فسيحة بها شاشة كبيرة أمامها أريكة
جلدية ذات حجمٍ هائل. جلست الى جانبي ومال رأسها على كتفي وبدت شديدة الجمال).
رغم هذه الأجواء
الرومانسية والإضاءة الخافتة إلا أن تركيزنا كان منصباً على الشاشة التي توسطها
المفكر الراحل إدوارد سعيد، شارحاً أفكاره حول الاستشراق ورؤية الغرب للعرب من
خلال الفن والأدب والإعلام.
لا أعلم ما الذي
دعاني للانتفاض فجأة وإيقاف الشاشة وسؤالها: هل تتذكرين سؤالك عن الثقة في العرب؟
أدهشني أنها لم
تستغرب هذا الانتفاض المفاجئ وأجابت بكل رقة: نعم أتذكره. أعتذر لك مرةً أخرى.
- لا تعتذري ولكن
من هم العرب بالنسبة لك؟
- هم من يتحدثون
العربية.. (أجابت بصيغة استفهامية).
- إذن وفق هذا
التعريف هل يمكن أن نفترض أن كل الشعوب التي تتحدث الأسبانية في أمريكا اللاتينية
هي شعوب أسبانية؟
- بالطبع لا.
- إذن لماذا
تعتبرين كل من يعيشون من مراكش الى بغداد، عرباً؟
- لأن لديهم هوية
واحدة. معظمهم مسلمون ويتحدثون نفس اللغة.
- لكن شعوب أمريكا
اللاتينية تدين غالبيتها بالكاثوليكية، ويتحدثون الأسبانية.. ما الفرق إذن؟
- ولهذا لديهم
هوية أمريكية لاتينية.
- إذن الهوية
ارتبطت هنا بالجغرافيا وليست اللغة.
الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي - قصر توبكابي بإسطنبول |
- لكن ألا تتحدثون
العربية؟
- من نحن؟ هل
صديقي المغربي الذي يعتز بهويته الأمازيغية عربي؟ هل صديقي السوري الذي يطلب من
أصدقائه المغاربة أن يحدثوه بالفرنسية لأنه لا يستطيع فهم لهجتهم المحلية، يؤمن
بأننا شعباً واحداً؟ هل صديقي العراقي الذي يعتز بأصوله الكردية عربي؟
- إذن ما هي هوية
هذه الشعوب؟
- اسمحي لي أن
أشير الى الرائحة الكولونيالية التي تفوح من السؤال.
- تبدو جذاباً
وأنت غاضب. (وضحكت)
- من قال أو قالت
لكي بأنه لا يجب الثقة بالعرب، يجهل أو تجهل من هم العرب ويتمتع أو تتمتع بتفكير
استعماري يعود الى العصر الڤيكتوري ويليق بضابط يخدم في الصحراء العربية ويشعر أنه
ينتمي الى جنس أرقى من هؤلاء العرب الحفاة..!
- بالمناسبة هو
وليست هي. وقد عاش في أكثر من بلدٍ عربي لفترات طويلة. وأخيراً هو من تركيا وليس
من الجزر البريطانية. (ضحكت مرة أخرى!).
- ضابطٌ في جيش
السلطان العثماني إذن. لا يختلف كثيراً عن نظيره الأوروبي. هو أيضاً له تاريخ
استعماري دموي حافل ولكنه يرتدي الآن بدلةً غربية تليقُ بصحفي أو أكاديمي كي تضفي
رونقاً على أفكاره الاستعمارية. لا تثقي في العرب؟! من هو مرةً أخرى؟؟
- هو..
- لا أريد أن أعلم
من هو.. ثقي فيمن يستحق الثقة. شعوب الجنوب لا تأتي بكتيب ضمان أو دليل تشغيل.
- بكل ما لديها من
رقة تفقع المرارة همست: هل يمكن أن تجلس كي نواصل التعرف على ما يقوله هذا المفكر
العربي. (ثم ضحكت وضحكت قبل أن تتوقف لتقول) : بالمناسبة ما هو موضوع أطروحتك؟
- أثر الإرث
الاستعماري في تشكيل هوية شعوب الجنوب مع تركيز خاص على: مصر، تشيلي، والهند.
- اجلس إذن ودع
كتفك لي!
No comments:
Post a Comment