Friday, 20 September 2013

الصراع على سورية.. رؤية روسية


أحياناً تبدو بعض الأسئلة البديهية مهمة لفهم ما يجري. وأحياناً تحمل هذه الأسئلة البديهية إجابات غير متوقعة، تساعد على فهم ما يجري.

أحد الأمثلة على فكرة طرح أسئلة "بديهية" وتلقي إجابات "غير متوقعة"، هو هذا الحوار الذي أجريته مع باحثة روسية، كتبت رسالة ماجستير عنوانها: "السياسة الروسية حول مسألة التدخل لأسباب إنسانية: ليبيا وسورية".

بالإضافة الى متابعتها اليومية والدقيقة لتفاصيل التحركات الدولية المتعلقة بالحرب في سورية، فإن هذه الباحثة لديها وجهات نظر قريبة من رؤية الإدارة الروسية.

السؤال الأول: لماذا تصر روسيا على دعم الأسد؟

في الحقيقة روسيا ليست مهتمة بدعم الأسد وإنما بدعم نظامه. والسبب لا يتعلق بالقاعدة البحرية الروسية كما هو شائع في العديد من وسائل الإعلام. فالقاعدة البحرية هناك هي مجرد ميناء بحري متواضع، لا يسمح بأن يكون لروسيا وجود بحري مؤثر في البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت الحالي فإن روسيا تجري مفاوضات من أجل استئجار قاعدة بحرية في قبرص. كما لا تدعم روسيا الأسد لأنه يشتري منها أسلحة روسية. على العكس من ذلك، الأسد الابن والأسد الأب لم يدفعوا ثمن السلاح الذي أخذوه من روسيا على مدى عقود. إنما السبب يتعلق برؤية روسيا للصراع في سورية، والتي تفترض أن انهيار نظام الأسد يعني بالضرورة مجيء نظام حليف للغرب. وبالتالي اقتراب الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، من المجال الحيوي للأمن القومي الروسي.

السؤال الثاني: هل روسيا قادرة على التدخل العسكري بشكل مباشر في سورية؟

بالطبع لا. الإمكانيات العسكرية الروسية تدهورت للغاية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. كل ما تستطيع روسيا فعله هو إطالة أمد الصراع في سورية عبر إمداد دمشق بالأسلحة التقليدية التي تمكن نظام الأسد من تحقيق انتصارات على المعارضة المسلحة، ولكن ليس إمداده بأسلحة تمكنه من تغيير موازين القوى مع إسرائيل. والسبب أن بوتين يرتبط بعلاقات جيدة للغاية مع إسرائيل وهو لا يريد أن يغضبها عبر إمداد الأسد بصواريخ متطورة أو بعيدة المدى أو إمداده بأحدث ما لدى الترسانة الروسية من أنظمة دفاع جوي. وهذا ينطبق أيضاً على باقي زبائن السلاح الروسي في الشرق الأوسط. لكن ما تملكه روسيا هي تلك العقلية الدفاعية التي تنتمي الى عصر الحرب الباردة والتي تعتقد أن الولايات المتحدة تسعى للاقتراب من الحدود الروسية ونصب صواريخ بعيدة المدى هناك. وهذا هو سر المعركة بين موسكو وواشنطن حول مسألة "الدرع الصاروخي" الذي تريد واشنطن نصبه في بعض الدول الأوروبية.

السؤال الثالث: كيف يمكن أن تساعد روسيا الأسد؟

بالإضافة الى إمداده بالسلاح التقليدي، فإن أكبر مساعدة روسية للأسد هي داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. فالشيء الوحيد الباقي لروسيا من إرث أوراق لعب الاتحاد السوفيتي على الساحة الدولية هو حق النقض "الڤيتو" في مجلس الأمن. ولذلك تحاول روسيا أن تجعل قرارات الولايات المتحدة بالتدخل في الصراعات الدولية تمر من خلال مجلس الأمن، وذلك من أجل أن يكون لموسكو القدرة على المناورة أو التفاوض في ملفات أخرى. لكن في حال ضربت الولايات المتحدة سورية، لا يمكن لروسيا أن تحرك قطع أسطولها البحري وتشارك في القتال دفاعاً عن الأسد. والأسد يعلم ذلك، وواشنطن تعلم ذلك وموسكو بالطبع تعلم أنهم يعلمون ذلك! أكبر حلفاء الأسد على الأرض هما إيران وحزب الله. والأسد يعلم أن موسكو على استعداد للتضحية به كفرد، لو حصلت على ضمانات بأن النظام بتركيبته وتحالفاته الحالية سيبقى في الحكم.

بعد أن استمعت لإجابات الباحثة الروسية، دار في ذهني أنه ربما كانت سيناريوهات الإعلام المحلي في مصر حول "ضرورة عودة القاهرة لإقامة حلف سياسي وعسكري مع موسكو كبديل للعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة"، تنتمي الى عصر الحرب الباردة، وأن هذه السيناريوهات ربما ذهبت أبعد كثيراً من قدرات موسكو الفعلية!
  

No comments:

Post a Comment