الصورة من داخل المركز الدولي للمؤتمرات في الدوحة حيث عقدت قمة الابتكار في التعليم |
خلال سنوات الدراسة في المرحلة الابتدائية، والتي قضيتها في دولة
الإمارات، لم أكن من الثلاثة الأوائل في أي صف دراسي انضممت إليه. لكن كانت
المدرسة (وهي كاثوليكية لبنانية) لديها تقليد بتكريم العشرة الأوائل في كل صف،
وكنت أجد نفسي إما في المركز التاسع أو العاشر!
خلال السنوات الثلاث من المرحلة الإعدادية والتي قضيتها بين الإمارات
وقطر، قفزت الى احتلال المركز الأول على مستوى المدارس التي انضممت إليها. واستمر
التفوق خلال السنة الأولى والثانية من المرحلة الثانوية والتي انتهت بكارثة مروعة
في السنة الثالثة والأخيرة من الثانوية العامة! من ٩٩٪ و٩٤٪ الى ٧٤٪.. درجة لا
تسمح بدخول أي كلية من تلك التي يطلقون عليها كليات القمة!
لكن الكارثة الأكبر أن النظام التعليمي الذي سمح لي بالتفوق في مراحله
المختلفة لم يسمح لي بمعرفة ما أريد أن أدرسه في الجامعة وما أريد أن أمارسه في
حياتي العملية. لذا دخلت الى الجامعة دون معرفة ما الذي يستهويني. تصورت لعام كامل
أن برمجة الكمبيوتر هي الحل، لكن وجدت أنني لست مغرماً بالرياضيات. نجحت في الانضمام
الى كلية الاقتصاد واستطعت أن انهيها بتفوق خلال ثلاث سنوات فقط (الجامعة التي
درست بها في قطر تعمل وفق نظام الساعات الأمريكي)، لأتخرج منها وأعمل في
الصحافة..! كلها حلقات ليست لها نهايات منطقية.
مر شريط ذكرياتي مع التعليم في عقلي وأنا لا أزال على مدرج الإقلاع في
مطار هيثرو، متوجهاً الى الدوحة لحضور القمة الخامسة للابتكار في التعليم. حضرت
قبل ذلك قمماً سياسية واقتصادية بل وسياحية، ولكن هذه كانت المرة الأولى التي
سأحضر فيها قمةً دولية عن التعليم، والذي يعد أحد المواضيع المفضلة لأي مرشح
سياسي، دون أن يقدم خطة واضحة لإصلاح التعليم. وإذا وصل هذا السياسي الى الحكم يظل
التعليم كما هو دون أي تغيير أو إصلاح. حلقة مفرغة من الفشل الذي توارثته الأجيال
جيلاً بعد جيل!
وصلت الى الدوحة وبدأت في حضور جلسات القمة التي روعي فيها أن تكون
مصممة مثل الجلسات النقاشية. مجموعة من الضيوف الذين يتحاورون مع جمهور محدود. هنا
بدأت في معرفة تجارب دول لم أكن أتخيل أنها قطعت شوطاً كبيراً في عملية تطوير
التعليم. دول مثل فنلندا وكوريا الجنوبية. تجارب بها قدر من الابتكار والتميز من
الأرجنتين وتشيلي وماليزيا. كان واضحاً أن الدول التي تمتلك مشروعاً صناعياً
واقتصادياً كبيراً تسعى لتطوير أنظمة تعليمها من أجل مواكبة هذه المشاريع.
لكن بالطبع كانت دول المنطقة العربية في المؤخرة في هذا المجال. فمعظم
دول المنطقة العربية فشلت في التنمية الاقتصادية أو الصناعية بسبب فشلها في
التنمية البشرية. ولم يكن غريباً اكتشاف أنه لا توجد أي رؤية واضحة لإصلاح التعليم
في العالم العربي.
حتى تجارب التعليم الجيدة في العالم العربي ظلت مقترنة بالجامعات
والمدارس الخاصة، والتي لا يستطيع التعلم فيها سوى أبناء الطبقة المقتدرة مالياً.
وهو ما يعني إبقاء فرص الصعود الاجتماعي والاقتصادي محصورة بين أبناء الطبقة
المقتدرة مالياً وحرمان الفقراء من أي فرص للصعود الاجتماعي. وحتى بعد أن يحصل
أبناء الطبقة المقتدرة مالياً على فرص جيدة في التعليم، فإنهم يسارعون للخروج من
العالم العربي بسبب الاضطرابات السياسية.
الحوارات التي جرت على هامش القمة مع خبراء أتوا من كل مكان في العالم
للحديث عن التعليم وكيفية تطويره، كشفت بشكل مفزع عن حجم الفجوة بين العالم العربي
وبين بقية أنحاء العالم في مجال التعليم، وأجابت لي عن سؤال ظل يراودني لفترة
طويلة: لماذا فشل النظام التعليمي في أكثر من دولة في اكتشاف ما الذي كنت أريد
دراسته!
No comments:
Post a Comment