Wednesday, 20 February 2013

مشاهدات شخصية من داخل المحفل الأعظم للماسونية


المحفل الأعظم لانجلترا - الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي
١

قبل بضع سنين، وبينما أنا أرى هذا الاستشاري المرموق للمرة الأولى، صافحني بطريقة غريبة. بعد عدة أسئلة، عرفني عن نفسه. طبيب من أصل مصري هاجر إلى بريطانيا منذ ثلاثة عقود. لاحظت علامة الماسونية محفورة بشكل بارز على قلمه الحبر الفضي. نفس العلامة الشهيرة موجودة على خاتمه. أدركت أن الرجل من "الماسونيين الأحرار"، كما يلقبون أنفسهم.

رأيت هذا الطبيب عدة مرات بعدها، لكننا لم نتصافح في أيٍ منها. قبل هذه الواقعة بسنوات كنت قد قرأت حواراً مع الممثل الراحل كمال الشناوي وهو يحكي قصة انضمامه إلى الحركة الماسونية في مصر. حكى أنه قيل له إن الماسونيين سوف يفتحون له أبواباً من الشهرة والمجد لن تفتح لغيره. حكى أيضاً أن الماسونيين لهم طريقة ما في المصافحة بحيث يستطيعون التعرف على بعضهم البعض. أرفق مع الحوار صورة لكمال الشناوي وهو يقسم على كتاب موضوع على طاولة وخلفها كرسي يجلس عليه العضو الأهم في المحفل. وفي الصورة يظهر إلى جانب كمال الشناوي، الممثل الراحل زكي طليمات.

وهناك من كتب أن من أبرز من انضموا إلى الحركة الماسونية المصرية من الفنانين كمال الشناوي وزكي طليمات ويوسف وهبي ومحمود المليجي. بينما أبرز من انضم إليها من الشخصيات السياسية كان سعد باشا زغلول ومصطفى باشا النحاس وأحمد ماهر باشا ومحمود باشا النقراشي وبطرس غالي باشا وإدريس بك راغب، مؤسس النادي الأهلي. ومن أمراء الأسرة العلوية، ولي العهد الأمير محمد علي "الصغير"، والأمير عمر طوسون، وقبلهم الخديوي توفيق. أما أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الانضمام فهم المفكر الإسلامي جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، والمرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين المستشار حسن الهضيبي، والمفكر الإسلامي سيد قطب، والذي كتب افتتاحية مجلة المحفل الماسوني "التاج المصري" لعدة سنوات. وقد كتب عن عضوية الهضيبي الشيخ محمد الغزالي في كتابه "ملامح الحق"، وقيل أن هذه العضوية كانت من أسباب تركه الجماعة.


أما عربياً فقد قيل أن ملكاً عربياً راحلاً من الأشراف كان من بين الأعضاء البارزين في الحركة الماسونية. وكتب عن انضمام ساسة عرب إلى الماسونية، من بينهم سياسي ودبلوماسي معروف بجسوره المتينة مع دوائر صنع القرار في واشنطن وتل أبيب.

وتعتبر مصر أول دولة عربية تعرف الماسونية، حيث دخلت إليها عام ١٧٩٨ مع الحملة الفرنسية، وتم حظر نشاطها رسمياً عام ١٩٦٤، وذلك عندما رفض المحفل الأعظم تقديم تقرير بنشاطه إلى الحكومة المصرية. وكتب المفكر الإسلامي محمد عمارة عن ارتباط نوادي الليونز والروتاري الاجتماعية بالحركة الماسونية، وأنها سمح لها بالعودة لممارسة نشاطها في ثمانينات القرن الماضي فقط.

٢

باقي على المحاضرة أكثر من ثلاث ساعات. ماذا نفعل إذن في هذه الساعات الثلاث؟ كان هذا هو السؤال الذي يراودنا أنا وصديقاي اللذان يدرسان معي في الجامعة التي تقع في قلب لندن، وتحديداً في منطقة ألدويتش. بما أننا الثلاثة من مصر، فقد قررنا أن نتسكع في الأحياء القريبة ونأكل فلافل في مطعمٍ صغير يقع على أطراف الشوارع المتفرعة من ساحة كوڤنت جاردن.

في طريق العودة وجدنا أنفسنا أمام مبنى مهيب وهو مبنى المحفل الأعظم للماسونيين الأحرار في انجلترا. كل أبوابه الكبيرة مغلقة. فقط باب صغير جانبي مفتوح. من باب الفضول دخلنا. حارس يرتدي بدلة حمراء أوقفنا. "ماذا تريدون؟". ارتبكنا. قال له صديقي: نبحث عن المكتبة. أجاب: خذوا إذن هذه الشارات المخصصة للزوار واصعدوا إلى الطابق الثاني حيث المكتبة والمتحف. لم نصدق أنفسنا. إذن هناك ما يمكن زيارته في هذا المحفل المهيب.


صعدنا إلى الطابق الأول ومشينا في ممرات طويلة مليئة بالأبواب المغلقة. الرموز الماسونية مزخرفة بكثافة في السقف ولكنها غير موجودة على الجدران. وصلنا إلى المكتبة. طلب مننا موظف يقف على بوابتها أن نسلم له حقائبنا. نظر إلينا بسخرية وابتسم.

المكتبة ليست كبيرة وهي مليئة بالكتب والصور التي تتحدث عن أبرز الشخصيات الماسونية في التاريخ البريطاني الحديث والقديم. رياضيون وفنانون وأمراء وسياسيون وعلماء. لم نر من بينهم صعاليك. فالماسونية ليست جماعة شعبية تسعى لنشر رسالتها، وإنما جماعة انتقائية تسعى لضم النابهين فقط. وهي لا تعترف بعضوية النساء. فقط الرجال!

بعد المكتبة دلفنا إلى المتحف. قاعاته أكبر قليلاً من قاعات المكتبة. في المدخل طاولة عليها كتاب الماسونية المقدس وهو مفتوح. وخلف الطاولة كرسي محفور عليه علامات الماسونية. والى جانب الكتاب أدوات عليها إشارات الماسونية ومن بينها مطرقة تشبه مطرقة القاضي. قرأت بضعة سطور من الكتاب. كانت تتحدث عن الملك سليمان. إلى جانب البطاقة التعريفية بهذه الطاولة علامة عليها كاميرا وإشارة إكس فوقها. ممنوع التصوير إذن!

المتحف، بالرغم من حجمه الصغير نسبياً، مليء بالملابس الخاصة التي يرتديها أصحاب الرتب المختلفة في الحركة الماسونية عندما يكونون داخل اجتماعٍ رسمي للمحفل. إلى جانب قطع القماش الموشاة بخيوط ذهبية وفضية عليها رموز تمزج شمساً مضيئة مع عين وهرم ونجمة داوود، توجد العديد من الصور المختلفة التي تظهر شخصيات تاريخية وهي ترتدي تلك الملابس خلال طقوس المحفل.


المدهش هو الكم الكبير من الرموز الدينية اليهودية الموجودة على الأواني والشمعدانات والسيوف والخناجر الفضية الموجودة في المتحف. هناك أيضاً كلمات مكتوبة بالعبرية على الكؤوس الفضية التي يشرب منها أعضاء الحركة خلال طقوسهم داخل المحفل. كما يوجد أيضا "الشوفار" المستخدم في الطقوس الدينية اليهودية ولكن منقوش عليه رموز ماسونية. و"الشوفار أو (شوفاروت) هو أحد الأدوات الطقسية التي يحتفظ بها في الكنيس. وهو قرن كبش، يُنفخ فيه في صلاة الصباح أثناء الشهر الذي يسبق عيد رأس السنة العبرية (روش هشانا) وفي يوم العيد نفسه، وفي يوم الغفران (يوم كيبور)."

بعد جولة استمرت خمسة وأربعين دقيقة قررنا الخروج من المحفل. أثناء الخروج أخذت سبع نشرات تعريفية عن الحركة الماسونية بشكل عام، وعن نشاطاتها في المملكة المتحدة بشكل خاص.

على باب المحفل وجدنا ثلاثة من أعضاء المحفل وهم يتصافحون بنفس الطريقة التي صافحني بها الاستشاري قبل عدة سنوات، وربما بنفس الطريقة التي كان يصافح بها كمال الشناوي أصدقاؤه الماسونيين الأحرار حول العالم!

فور الخروج من أجواء المحفل المريبة والقاتمة، فاتحت صديقاي، من باب السخرية، عن نيتي الاستفسار عن الانضمام إلى الحركة الماسونية في بريطانيا. كان رد صديقي بأن الانضمام إلى جماعة الإخوان سيكون أفضل لمستقبلي! وافقته الرأي. فالجماعة السرية وصلت إلى الحكم في بلدين عربيين بينما لم تصل الماسونية إلى الحكم بعد. قال لنا صديقنا الثالث إن الرئيس الأمريكي جيرالد فورد كان ماسونياً. أجبته: ولكنه لم يحاول "مسونة" الدولة!

محفل القاهرة خلال عهد الملك فاروق الأول
٣

في المساء فتحت النشرات التعريفية ووجدت أن هناك أكثر من ثلاثمئة وثلاثين ألف ماسوني في انجلترا وحدها. وتؤكد الجماعة في هذه النشرات على أنها "تدعو إلى فعل الخير وحب الأوطان والولاء إلى أنظمتها وهي تشجع أعضائها على إعلان عضويتهما للحركة الماسونية ولا توجد بها أي سرية ولكنها تفضل أن لا تطلع العامة على اجتماعات أعضائها". لكن أهم ما تؤكد عليه هذه الجماعة هو "رفضها للإلحاد وحرصها على أن يؤمن أعضائها بوجود إله والذي تسميه "المهندس الأعظم"، ورفضها لأي جماعة تدعي أنها ماسونية ولا تعترف بوجود إله. وهي ترفض الرموز الدينية وتساوي بين جميع الأديان، وتحرص على أن ينتمي إليها أناس من مختلف الديانات، على ألا يتناقشوا في الدين تحت سقف المحفل".

كما أن الجماعة "تقول لأعضائها إن الأولوية هي لواجبات الأعضاء الدينية والاجتماعية والوطنية ثم لواجبات المحفل". وترفض الجماعة "التدخل في السياسات العامة للدولة أو أن يكون لها أي ارتباط سياسي حتى حين تقوم بمهمات إغاثية في أفريقيا وآسيا. وهي ترفض التبرعات أيضاً وتعتمد في تمويلها على اشتراكات الأعضاء في محافلها البالغ عددها ٨٦٤٤ محفلاً تابعاً للمحفل الأعظم في انجلترا". وتذكر الجماعة أن هناك نحو خمسة ملايين ماسوني في العالم. وأن كل محافل الماسونية في العالم لها جذور تعود إلى محافل ماسونية أقيمت على الجزر البريطانية.

مطبوعات تعريفية بالماسونية من المحفل - الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي
وتقول الجماعة "إنها ألغت كل العقوبات البدنية التي يمكن أن يتم تنفيذها على أعضائها إذا خالفوا تعاليم المحفل، وجرى ذلك عام ١٩٨٦. وأن هذه العقوبات كانت للتعذير فقط وتعود إلى الطقوس الماسونية التي تم الاتفاق عليها بين ١٦٠٠ و١٧٠٠ ميلادية". لكنها تعترف أن على الأعضاء أن "يؤدوا قسم السرية بحيث لا يتحدثون عن الطقوس التي يقومون بتأديتها داخل اجتماعاتهم في المحفل، وأن هذا القسم يحثهم أيضاً على أن يساعدوا بعضهم البعض، على ألا تتعارض تلك المساعدة مع واجباتهم الاجتماعية والدينية والوطنية".

وتقول النشرات التعريفية إن "الكتاب الذي يؤدي عليه العضو الجديد قسم السرية هو الإنجيل، ولكن إذا كان من ديانة أخرى، فيمكن أن يؤدي القسم على كتاب ديانته المقدس". هل كان القرآن الكريم إذن هو ما يقسم عليه أعضاء المحفل الماسوني في مصر قبل حظر نشاطه في الستينات؟ الإجابة يعلمها بالتأكيد أعضاء هذا المحفل الذين لا يزال بعضهم على قيد الحياة.

ما قرأته عن الماسونية من مصادرها المسموح للعامة بالإطلاع عليها، لم يزد هذه الجماعة إلا غموضاً. تماماً مثل جماعة أخرى سرية تدعي أنها تعمل من أجل صالح الدين والوطن، ولكن لا أحد يعلم عن أهدافها الحقيقية شيئاً. الى جانب البناء التنظيمي المتطابق من الداخل، فإن المشترك الأبرز بين الجماعتين أنهما يسعيان إلى "أستاذية العالم"..!


3 comments:

  1. مقالةجميلة شكرا لك
    لم اكن اعلم بكل هذا عن الماسونية

    ReplyDelete
    Replies
    1. الماسونية ذلك العالم المجهول
      http://www.4shared.com/office/Td4gJuQq/___.html?

      Delete
  2. الا توجد مقالات من مجلة التاج المصرى
    او مقالات سيد قطب فى التاج المصرى

    ReplyDelete