Friday, 15 February 2013

في العام الذي قتلنا فيه بائع البطاطا



كان عاماً مجيداً.. ففي مثل هذا العام خرج علينا رئيس الوزراء الذي يحمل شهادة دكتوراه مرموقة من جامعة أمريكية عريقة، وهو يحاضر عن نظافة الثدي وأثر ذلك على صحة الطفل الرضيع! تحدث أيضاً عن مجموعة من الأشياء غير المترابطة والتي كان من بينها: عدم قيام المواطن المسحول بدفع فاتورة الكهرباء، والمآسي التي تحفل بها قرى مصر، واغتصاب السيدات في الحقول بينما الرجال في المساجد وقنوات الصرف الصحي التي لم تدخل القرى والمواطن المسحول الذي لم يدفع فاتورة الماء أيضاً..!

لكن ظلت مقولته الشهيرة عن نظافة الثدي هي العنوان الأبرز في حديثه للأمة. وهو ما يفسر لماذا ظل هذا الكوبليه، من أغنية "هاليومين" لزياد الرحباني، يتردد في عقلي لفترة طويلة: "عم بيقولوا ما في نيدو بهاليومين.. إمك صار عندا بزيّن".

في مثل هذا العام أيضاً عينوا نجل الرئيس النابه، والذي تخرج في العام الذي سبقه، عينوه في وظيفة بأجرٍ كبير. وقد صرح وزير الطيران بأن هذا الشاب تفوق على جميع المتقدمين للوظيفة في اللغة الانجليزية وعلوم الحاسب الآلي. ويبدو أنني لم أجد في هذا الخبر ما يثير غضبي. صحيح أن نصف شباب هذا البلد لا يجدون عملاً، لكن الرئيس لا يقبل الظلم ولن يسمح بالتأكيد لنجله بأن يأخذ فرصة غيره من أبناء الوطن. فالرئيس لا ينام قبل أن تبتل وسادته بدموعه، من فرط خوفه من الله.

وفي مثل هذا العام العظيم أيضاً خرج أركان النظام السابق من السجن. فبلدُ الرئيس المؤمن لا يُظلم فيها أحد. صحيح أنه أتى بشرعية ثورة أطاحت بالنظام السابق، ولكن العدل أعمى، ورئيسنا لا يريد أن يقف أمام الله وفي سجونه مظلوم! ولا يجب أن يلتفت أبناء شعبنا العظيم للإشاعات التي تتحدث عن اعتقال أطفال أو اغتصاب شباب في سجون الرئيس.. فكل هذه افتراءات وأكاذيب نسجها أعداء الدين والوطن والمقطم!

وفي مثل هذا العام أيضاً ذهب الرئيس إلى بلاد الرايخ الثالث من أجل نشر الدعوة. صحيح أنه ترك البلد وهي مشتعلة، ولكنه لم يهتم. فالمؤمن لا يخاف ولا يهاب شيئاً. والمؤمن مصاب. ورئيسنا قابضٌ على كرسيه، كالقابض على الجمر. لأن الكرسي أمانة سيسأل عنها أمام الواحد القهار.

لكن ما جعل هذا العام مجيداً أنه شهد مقتل طفل يبيع البطاطا. رصاصةٌ في الرأس ورصاصةٌ في القلب وجسد مسجى، لا يغطيه سوى قطعتي ملابس مهترئتين.

قيل أن الشرطة هي التي قتلت هذا الطفل. وقيل أنه الجيش. ثم خرج علينا فريقٌ من الناس بقولٍ ثالث: لقد قتلته الشرطة ولكن الجيش قرر أن يتحمل المسؤولية، منعاً لتدهور العلاقة بين الشرطة والشعب! جمهورية العواطف تقتل طفلاً وتبحث عن القاتل النبيل الذي حافظ عليها..!

إذن من هو القاتل؟

بعد التحقيقات المكثفة التي أجروها، توصلوا إلى أن الرجل الذي استهزأ ببائع البطاطا عندما اقترب منه ليعرض عليه بضاعته، هو الذي قتله. كما توصلوا إلى أن الرصاصة الثانية انطلقت عندما لم يهتم من رأوا بائع البطاطا في الشارع على مدار سنوات، بسؤاله عن تعليمه. وأفادت التحريات أن الرصاصة التي اخترقت الجمجمة الصغيرة لبائع البطاطا، أطلقت في اللحظة التي اعتقد فيها الناس أن طفلاً يبيع البطاطا الحلوة سوف يجذب السياحة! ووفق ما ذكر في تقرير المشرحة، فإن الرصاصة التي اخترقت القلب الصغير لهذا البائع المتجول، شقت طريقها إلى جسده النحيل عندما أدركت أن المجتمع لا يبالي بأن يعمل أطفال الفقراء خدماً لدى الأغنياء الذين يحبون طعم البطاطا المشوية!

لكن جيشنا الباسل قرر أن يفدي الشرطة، والرئيس، والشعب، والسيدة المتعجرفة التي تقطن بالطابق السادس من العمارة التي كان يبيع في شارعها هذا الطفل البطاطا.. قرر أن يفدي كل هؤلاء ويعترف بمسؤوليته عن مقتل بائعٍ مجهول للبطاطا..

إذن، لماذا كان هذا العام عظيماً؟ لأنه العام الذي قتلنا فيه بائع البطاطا..


No comments:

Post a Comment