شاهدت
الحلقات الست التي أجرتها الإعلامية لميس
الحديدي مع الكاتب والصحفي، الأستاذ محمد
حسنين هيكل.
وبالرغم
من طول الحلقات واستطراد هيكل في المعلومات
والتحليل والحكايات التاريخية، إلا أن
الاستماع إليه كان متعة عقلية كبيرة.
فالرجل
يعتبر الصحفي الأكثر إثارة للجدل والإعجاب
في تاريخ الصحافة العربية.
وهو
لديه من المعلومات والتجارب الشخصية ما
يجعله أحد الأسماء البارزة في عالم الصحافة
والسياسة في مصر أو في العالم العربي خلال
الخمسين سنة الماضية.
وبالرغم
من إعجابي بالرجل وبتجربته وذاكرته الحية
وعقله النشط، إلا أنني كنت آمل أن أقرأ
نقداً موضوعياً وحقيقياً عنه.
نقد
نستطيع من خلاله تقييم هيكل بعيداً عن
مراتب التقدير أو موشحات الشتيمة واللعن.
على
سبيل المثال لا الحصر فإن النقد الأكثر
شهرة لهيكل والذي من فرط تكراره أصبح
مملاً هو "أن
هذا الرجل لا يتحدث إلا عن الأموات".
ربما
المثال الأبرز هو ما كتبه في أعقاب وفاة
الملك حسين، وما كشفه في مقالاته الثلاثة
وقتذاك من أن ملك الأردن الراحل ارتبط
بعلاقات سرية مع مسؤولين إسرائيليين منذ أوائل
الستينيات.
أذكر
وقتها أن الإعلام الأردني هاج وماج دفاعاً
عن الملك الراحل وهجوماً على هيكل.
وخلال
تلك الفترة قام أستاذ تاريخ عراقي مقيم
في الأردن بإصدار كتاب يحمل عنوان "تفكيك
هيكل".
قمت
بشراء الكتاب على أمل أن أقرأ تفكيكاً
موضوعياً للصحفي الذي أثار هذه الزوبعة
من الجدل.
لم
يحمل الكتاب أي جديد سوى أن "هذا
الرجل لا يحكي سوى قصص مختلقة عن الأموات".
مرت
سنوات وقام الأكاديمي الإسرائيلي المعروف
آڤي شلايم بإصدار كتاب عن حياة الحسين
يحمل اسم "أسد
الأردن".
في
هذا الكتاب يحكي شلايم تاريخ علاقة الملك
حسين مع إسرائيل بالتفصيل ويورد صورة تم
التقاطها خلسة للملك الراحل مع ياكوف
هيرتزوغ عام ١٩٦٨.
وفي
الكتاب يتقدم شلايم بالشكر لكل الشخصيات
الأردنية التي التقاها والتي عرفت الحسين
عن قرب سواء ممن عملوا معه أو من أسرته.
بالإضافة
إلى شكره لمن التقاهم من المصادر
الإسرائيلية.
وفي
الكتاب ذكر لوثائق أردنية وإسرائيلية
اطلع عليها شلايم واستشهد بها.
ومن
المدهش أن الأردنيين لم يجدوا مشكلةً مع
كتاب شلايم.
بل
أن صحيفة عربية واسعة الانتشار نشرت مقتطفات من الكتاب على حلقات.
ومن
يقرأ الكتاب الصادر عن دار نشر "ألين
لين"
عام
٢٠٠٧، يجد أنه يؤكد المعلومات التي أوردها
هيكل في مقاله عام ١٩٩٩.
لكننا
اعتدنا أن نغضب مما هو مكتوب باللغة
العربية لأننا نشعر حينها بالفضيحة، أما
لو كان المكتوب باللغة الانجليزية فإننا
نتجاهل الأمر، وكأن الشعوب العربية لا
تعرف لغةً غير لغة الضاد!
وبما
أنني لم أجد بعد نقداً موضوعياً لهيكل،
فقد قررت أن اختار طريقاً أسهل وهو ذكر
ملاحظات على هامش حوار مستطرد، ممتع،
ولكنه غير مفيد لمن يريد أن يحصل على إجابة
واضحة ومحددة حول لماذا وصلنا إلى ما نحن
فيه الآن.
فهيكل
كان بارعاً في عرض صورة بانورامية للوضع.
لكنها
صورة كان هو، كما تبين من الحوار، جزءاً
منها.
فعلاقته
الشخصية بأمير قطر أثرت على قدرته عن
الحديث عن الدور القطري في الشأن المصري.
كما
أن علاقاته بطنطاوي أو بمرسي ظهر أثرها
وبدا أنه يتحفظ على ذكر جزء مما يعرفه.
لكن
المشكلة الأكبر أن لميس بدت تائهة وسط
طوفان المعلومات والحكايات التي أمطرها
بها هيكل.
وخلال
توهانها، تهنا كمشاهدين معها.
نسمع
حكاية ظريفة عن أم كلثوم، يعقبها حكاية
طريفة عن القذافي، وبيتين من الشعر،
وحكاية عن كمال الشناوي وحكومات ما قبل
١٩٥٢، ثم وساطة تاريخية لهيكل، وزيارة
جديدة للتاريخ، وعرض لوثائق هامة عن موضوع
لا نعلمه، وهكذا..
حتى
لم نعد نعلم ما هو السؤال وما الغرض من
الإجابة.
ومن
يدقق في كلام هيكل يجد أنه قد رسم صورة
سوداوية للوضع الحالي.
وقد
يكون محقاً فيها.
ولكن
السؤال الأبرز للميس كان:
ما
الحل؟ ما العمل؟ وهنا كان الإخفاق الأكبر
لهيكل.
فهو
لم يقدم أي حلول وبدا أنه لم يتعود على
ذلك.
علاقته
مع جمال عبد الناصر كانت مبنية على معادلة:
صحفي
يقدم معلومات، رئيس يستفيد منها في صنع
قراره، صحفي يحصل في المقابل على معلومات
غير متاحة للآخرين.
علاقته
مع السادات كانت أعمق، إذ أن المعادلة
كانت:
صحفي
يقدم معلومات ونصائح للرئيس، الرئيس يأخذ
ببعضها ويكلف الصحفي بكتابة خطاباته أو
تكليفاته للقوات المسلحة، والصحفي يحصل
في المقابل على معلومات غير متاحة للآخرين.
خلال
كل هذه الأدوار كان هيكل، كما يقول عن
نفسه، جورنالجي.
والجورنالجي
يركض وراء الخبر ولكنه لا يصنع قراراً
سياسياً.
هذه
ليست وظيفته.
لذا
فإن هيكل قد يكون بارعاً في سرد التاريخ
وفي قراءة الحاضر ولكنه يخفق دائماً عندما
يتعلق الأمر بإيجاد طريق واضح للخروج من
المأزق.
ما قلته عن هيكل ينطبق على كل الصحفيين وكتابي المقالات فهم
ReplyDeleteيعترضون على النظام الحالي ولكنهم يعجزون عن ايجاد طريق للخروج من المأزق ولو وجدوا هذا الطريق فلا أعتقد أن هناك أحد سيستمع لهم