في صيف عام ١٩٣٢، وبعد حشود مليونية هائلة في الشارع، اضطر الجنرالات لخلع الرئيس المنتخب استجابةً لمطالب الجماهير. في الحقيقة كان الرئيس المنتخب لجمهورية نيكاراغوا قد أخلف جميع وعوده الانتخابية وحاول أن يجعل حزبه السياسي مهيمناً على الحياة السياسية لتلك الدولة التي تقع في أمريكا الوسطى.
بل أن الرئيس المنتخب سهل مهمة خلعه عندما أصر أن يحتمي بحزبه السياسي، متوهماً أن رضا الإدارة الأمريكية يكفي كي يبقى في الحكم. لكن ما حدث لاحقاً فاق روايات العم ماركيز والعزيزة إيزابيل أليندي في جموحها!
فقد خلع الجنرالات الرئيس ووضعوه تحت الإقامة الجبرية بالرغم من غضب الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت. ثم قرر قائدهم أن يبقى وزيراً للدفاع، وأن يتصدر المشهد رئيس المحكمة العليا. وكان قرار قائد الجيش يعبر عما في نفسه من رغبةٍ حقيقية في عدم حكم البلاد. فالرجل لم يتحرك إلا من أجل مصلحة نيكاراغوا العليا فقط.
كان المقربون من الجنرال يعرفون عنه حرصه على الذهاب الى الكنيسة كل أحد. ويعرفون أنه يبكي كثيراً خلال صلواته من أجل أن يحفظ دماء النيكاراغويين. لكنه بعد فترة من القلائل التي هزت البلاد وأثرت على مسيرة انتقالها مرةً أخرى الى الحكم الديمقراطي، استجاب لنصيحة أحد مستشاريه والتي صاغها في الجملة الآتية: سيدي الجنرال.. إذا رغبت في أن تحافظ على سيارتك وتصل بها الى بيتك سليمة، فتجنب الضغط على المكابح!
خاض الجنرال حرباً لا هوادة فيها ضد حزب الرئيس المعزول. واستفاد من أن أغلبية الشعب تدعمه في حربه تلك، والتي سميت لاحقاً في كتب التاريخ المدرسية بحرب الاستقلال! وكان ممن دعموا الجنرال في حربه مجموعة من المثقفين والمنتمين الى حزب الرئيس الذي تم خلعه من قبل الجيش عام ١٩٢٩ بعد حشود مليونية هائلة أيضاً..! (من الملاحظ أن نيكاراغوا في تلك الفترة كانت تبدل رؤسائها بوتيرة أسرع من وتيرة تغيير رجل الأعمال الأمريكي هاوارد هيوز لطائراته الخاصة!).
بعد أن فرغ الجنرال من حربه وسحق حزب الرئيس المعزول بدعم من الشعب، حدث ما لم يكن متوقعاً. التفت الجنرال الى حلفائه في الحرب وقرر التخلص منهم وزجهم في السجون. كان الرجل يعتقد أن مصلحة البلاد العليا تقتضي بأن يكون للسفينة ربانٌ واحدٌ فقط. وأن حلفاؤه باتوا يطلبون ثمناً لدعمه. كما أن أحد مستشاريه همس في أذنه: حطم كل روابطك مع حلفاء حرب الاستقلال كي لا يشاركوك حكم البلاد أو يتسببوا برعونتهم في حشودٍ مليونية هائلة للمرة الثالثة!
ظل مؤرخو تلك المرحلة الأسطورية من تاريخ نيكاراغوا يتندرون في كتبهم من أن من هتفوا بسحق أعضاء حزب الرئيس المعزول، شاركوهم الزنازين لاحقاً بل والمشانق أيضاً. وتحكي الروايات حواراتٍ شديدة المرارة بين أنصار الرئيس المعزول وأنصار الرئيس المخلوع حول تلقيهم نفس الضربة من نفس الرجل!
ظل الجنرال يتمتع بدعمٍ شعبي هائل أوصله لرئاسة البلاد بشكلٍ نزيه وشفاف في انتخاباتٍ حازت على رضا الإدارة الأمريكية، والتي رأت أنه “إذا فشلت في قطع اليد التي تعاديك، فمن الأفضل أن تصافحها..”.
لكن المعضلة التي واجهت الجنرال، الرئيس لاحقاً، تمثلت في السؤال التالي: هل يستطيع الرجل أن يطرح مشروعاً اجتماعياً واقتصادياً ينقذ نيكاراغوا من الغرق؟ أم أنه سيظل أسيراً لإنجاز عزل الرئيس؟
انت شايف ايه؟؟؟؟؟؟
ReplyDelete