|
الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي |
لا
أستطيع أن أتذكر بالتحديد كيف بدأت علاقتي
بموقع التواصل الاجتماعي تويتر.
لكني
أتذكر كيف كنت كثير التفاعل على موقع
فيسبوك، والذي باتت زيارته الأسبوعية
ضرورية من أجل القيام بالواجبات الاجتماعية.
أستطيع
أن أتذكر أيامي الأولى في تويتر.
كنت،
كما فعل الكثيرون من قبلي، قد أوجدت حساباً
على تويتر ثم هجرته لأكثر من عام.
ثم
عدت إلى الحساب فجأة وأنا أقوم بتصوير
فيلمي الأول والوحيد في مصر وتونس والولايات
المتحدة.
وهو
فيلمٌ يحمل الكثير من الذكريات الطيبة
خلال التصوير والكثير من الذكريات السيئة
خلال مرحلة التحرير والمونتاج، ولا أحمل
له أي مودة على الرغم من التقدير الذي حصل
عليه، ولهذا قصةٌ أخرى!.
أتذكر
أن تغريداتي على موقع تويتر في تلك الفترة
كانت عن موضوعين رئيسيين:
الأول
هو الأكل التونسي والكلمات التونسية التي
بدت لي شديدة الغرابة.
والموضوع
الثاني هو وصف وضع اللاجئين الهاربين من
الحرب في ليبيا عندما كنت مرابطاً على
الحدود الليبية التونسية، ووصف تجربة
مرافقة مجموعة تونسية متطوعة تقوم بتهريب
المواد الطبية إلى الثوار الليبيين عبر
ممرات جبلية بين البلدين.
في
تلك الفترة بدأ عددٌ من المتابعين في تلقي
تلك التغريدات والتفاعل معها.
كانوا
كلهم من أصحاب الأعداد القليلة من المتابعين
(الفولورز
وفق لغة أهل تويتر).
الصعود
الطبقي في تويتر
من
يبدأ في المواظبة على استخدام تويتر،
سيدرك في الأيام الأولى أن النقود في هذا
العالم الافتراضي هي أعداد الفولورز.
مثلاً
يتم النظر والتعامل مع أصحاب الأرقام
الكبيرة من المتابعين بنفس الطريقة التي
يتم التعامل بها مع الأغنياء في الواقع!
بل
ويتم افتراض نفس الأشياء التي يتم افتراضها
مع هؤلاء الأغنياء، مثل افتراض أنهم
متعجرفون بالفطرة وطبقيون وشديدو الغرور
والتكبر!
وهي
كلها أشياء لها نصيبٌ من الحقيقة.
لكن
أولاد الأصول في تويتر لا يضحون بصداقات
الأيام الأولى مهما كبرت الفجوة في أعداد
المتابعين بينهم وبين رفاق تلك الفترة.
أذكر
أن أحدهم كتب تغريدة يشتكي فيها من أن
فلاناً لم يعد يتواصل معه بعد أن تعدى عدد
متابعيه العشرة آلاف متابع وأنه قام
بإلغاء متابعته لأنه لم يعد "على
أد المقام"..!
ورغم
أن تويتر لا يعدو كونه مجموعة من الجمل
القصيرة في الهواء، وشبكة افتراضية مرتبطة
بعدم انقطاع التيار الكهربائي، إلا أن
مرتادي هذا الموقع من العرب، وخصوصاً
المصريين، يتعاملون مع تويتر بجدية شديدة،
بل ويأخذون سلوك الآخرين في هذه الشبكة
على محمل الجد.
فتجد
فلاناً قد غضب من علاناً لأنه ألغى متابعته
أو لم يعره الاهتمام الذي يستحقه.
|
الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي - الحدود التونسية الليبية مارس ٢٠١١ |
|
ومما
أجده مثيراً للاهتمام هو تغير سلوك الناس
خلال رحلة صعودهم الطبقي في تويتر!
تجد
الشخص شديد التواضع عندما لا يزيد عدد
متابعيه عن بضع مئات.
حريصٌ
على التفاعل مع أي تغريدة تصله.
ثم
يصبح من أصحاب الآلاف، فيحرص على التواصل
مع أقرانه من أصحاب الآلاف فقط.
وهنا
تنشأ الجماعات الضيقة من أصحاب عشرات
الآلاف والذين يتواصلون مع بعضهم فقط،
ويتعمدون تجاهل الآخرين.
وعندما
تتابع سلوك هذه الجماعات عن قرب تجد أن
عدداً كبيراً من الناس مهتمة بأخبارهم،
تماماً مثل اهتمامهم بأخبار النجوم في
الواقع.
وهنا
تجد أن فلاناً قد أصبح نجماً من نجوم مجتمع
تويتر.
له
حاشيته من المعجبين ودائرته الصغيرة التي
يتواصل معها ولا يريد أن تتسع، كي يحافظ
على موقعه الاجتماعي.
إنها
طبقية مجتمع تويتر التي لا تختلف عن طبقية
المجتمع في الواقع!
ومن
المدهش أن الكثيرين يقررون متابعة هذا
الشخص فقط لأن عدد متابعيه تخطى رقماً
معيناً، لا بسبب ما يقوله أو يضيفه إليهم.
ومن
هنا تجد أن رقم المتابعين يتضاعف دون أي
مجهود منك، إذا تخطى عدد متابعيك العشرة
آلاف.
إنها
ظاهرة تشبه المقولة الشهيرة التي تقول
إن أصعب مليون هو المليون الأول..
بعد
ذلك تتوالد الأموال (المتابعين)
كما
الأرانب!
وكما
يحدث في الواقع أيضاً، فإن نهماً شديداً
يصيب الإنسان في البداية كي يجمع أكبر
عدد ممكن من المتابعين، ثم بعد أن يكسر
رقماً معيناً، يفقد هذه الشهوة وتتحول
اهتماماته إلى هوية النجوم الذين يتابعونه!
إنها
الطبيعة الإنسانية التي تتصرف في الحياة
الافتراضية بنفس الطريقة التي تتصرف فيها
في الحياة الواقعية.
لكن
ذلك لا يمنع من التعثر في الحكماء، وهم
هؤلاء الأشخاص الذين ينيرون منطقة ما في
خيالك من خلال تغريداتهم التي تعبر عن
ثقافةٍ واسعة وحس فني مرهف.
كيمياء
تويتر
أعتبر
نفسي من المحظوظين الذين قادتهم الظروف
وتعثروا في مجموعة من الناس الذين يملكون
ثقافةً موسوعية وقدرةً مدهشة على النقد
الفكري.
ومن
المثير للإحباط أن هؤلاء الناس هم من
المجهولين في مجتمع تويتر أو في المجتمع
الحقيقي.
أنهم
مثل المفكرين والمثقفين الحقيقيين الذين
تجدهم يتأملون الكتب على أرفف مكتبة
مدبولي في وسط البلد، دون أن يكترث لوجودهم
أحد أو يهتم بما يقولونه أو يفكرون فيه.
وهذا
منطقي في مجتمع يمجد لاعب الكرة ورجل
الأعمال والداعية الذي يظهر في التلفزيون!
وفي
تويتر تنشأ قصص الحب وتموت بعد أن تأخذ
دورتها.
تماماً
مثلما يحدث في الحياة.
تغريدة
تلو التغريدة.
ردٌ
على التغريدة.
إعادة
تغريد.
اهتمامٌ
زائد عن الحد، فتواصلٌ على الرسائل الخاصة،
ثم مكالمات هاتفية، فلقاء، وكوكتيل من
الكيمياء غير المفهومة، يتبعه تواصلٌ
أقل على تويتر، ثم إحباط، فانفصال، وإلغاءٌ
مشترك للمتابعة من الطرفين، وقد يتطور
الأمر إلى الحجب أو ما يعرف بالبلوك!
وكما
يفعل البشر في الحياة من تنافس وتشاحن،
ثم غضبٌ وانفجارٌ تتبعه خناقة، يحدث ذلك
في تويتر بشكلٍ يومي.
وتبلغ
الدراما ذروتها عندما يكون المتخاصمين
من كبار أثرياء تويتر.
هنا
تجد أن الفولورز قد انقسموا إلى ثلاثة
فرق.
فريقٌ
يؤيد فلاناً وفريقٌ يؤيد علاناً، وحشدٌ
من الناس يتابع "الخناقة"
باهتمام
ويدخل في حواراتٍ جانبية حول من بدأ وكيف
ولماذا.
وإذا
تأملت أكثر في تلك الحوارات، ربما تلمح
مصمصةً للشفاه ودهشةً تتبعها جملة:
شوفت
إزاي!
وخلال رحلتك في تويتر ستقابل الأفاق والحرامي والمنافق
والباحث عن دور والمدعي والكاذب والمخادع،
كما ستقابل الصادق والمحترم والمرهف الحس
والمثقف والرافض للزيف والمتمسك بالمبادئ
والمتأمل في عوالم الفكر والثقافة والكون
والحياة.
|
الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي - مترو لندن |
|
تويتر
من أجل الحشد والتضليل!
لكن
كل ما سبق يندرج تحت عنوان عريض هو:
آلية
التفاعل الاجتماعي في تويتر.
أما
العنوان العريض الآخر فهو:
آلية
الاستخدام السياسي لتويتر في التضليل.
فكما
هو معروف، اكتسبت مواقع التواصل الاجتماعي
على الانترنت أهميةً كبيرة في مصر بعد
ثورة يناير، وصلت إلى حد أن ينسب البعض
نجاح الثورة في خلع مبارك إلى هذه المواقع.
وهو
أمرٌ خاطئ بالتأكيد.
وكان
من آثار ذلك، أن اعتمدت وسائل الإعلام
المصرية وفي مقدمتها الصحف، على موقع
تويتر باعتباره وسيلة للأخبار، وهو ما
استغلته القوى السياسية في الترويج
لسياساتها أو لتضليل الناس على نطاقٍ
واسع.
وكان
من أشكال هذا التضليل هو إنشاء وإدارة
حسابات وهمية بأسماء فنانين وإطلاق مواقف
سياسية مؤيدة لذلك التيار الذي يدير تلك
الحسابات.
ومن
المدهش أن الصحف تتلقف تلك التغريدات
وتعيد نشرها باعتبارها موقفاً من هذا
الفنان يؤيد فيه التصويت لصالح تيارٍ
سياسي ما.
ووصل
الأمر إلى حد إنشاء حسابٍ يدعي أنه مطلع
على ملفات تآمر دولة عربية على مصر.
ومن
المثير للإعجاب هي تلك الإدارة الاحترافية
لسياسات الترويج لهذا الحساب المختلق
وصنع هالة أسطورية حوله وحول صدق توقعاته.
ومن
المدهش أن الحساب الذي يفترض أن الهدف
منه هو الترويج لنظريات تآمرية لجمهور
الداخل المصري، تحول إلى سببٍ لإثارة
أزمة في العلاقات الدبلوماسية بين دولتين!
لم
يعد تويتر مجرد موقعٍ للتسلية كما بدأ.
هو
الآن أقرب إلى صورةٍ مصغرة من المجتمع
الذي نعيش فيه.
صورة
تحمل قدراً من ملامح القبح بنفس قدر ما
تحمله من ملامح الجمال الإنساني.
هل
لا أزال حريصاً على التواصل إذن عبر تويتر؟
الإجابة بلا تردد هي نعم.
فهو
الوسيلة الأسرع لمعرفة ما يدور في مصر
لمن كان بعيداً عنها آلاف الأميال.