Monday 27 February 2012

خربشات تويترية: في نقد المأزق الراهن للثورة


تنتاب تويتر وشبكات التواصل الاجتماعي هذه الأيام حالة تشاؤم من مأزق الثورة الراهن، أعتقد إن التشاؤم مفهوم بس مش واقعي! دي ثورة ممتدة معانا لعشر سنين من الإحلال والتجديد

الناس فاكرة إن التمنتاشر يوم اللي أسقطوا فيها مبارك هي الثورة! الثورة دي مسار فكري طويل بيبدأ على الأرض ولكن بيخوض أعنف معاركه في العقول!

لازم الناس تدرك بإن الثورة مش خلع مبارك ولا استرداد أموال أو التخلص من حكم العسكر.. الثورة هي بناء دولة تخدم الأمة بصرف النظر عن السياسيين!

بالانجليزي بنقول: our revolution's strategic aim is building a State where the civil servants are much stronger than any political party :)

لو الثورة نجحت في بناء دولتها، ضمنت إنها مش انتفاضة عابرة أو تململ مؤقت من أوضاع ضاغطة. دولة الثورة المفروض تكون أسمى من أي أيدولوجيا فكرية.

علشان كدة أنا اعتقد إننا تسرعنا في الهرولة نحو برلمان منتخب ومحاصصات سياسية ولم ندرك إن اللي بنعمله هو بناء كاراڤان خشب على أنقاض بيت تهدم!!

الثورة المفروض معناها يكون تعطيل الاستحقاقات السياسية والشروع في حفر أساسات دولة تستطيع التعبير عن أهداف هذه الثورة لمدة خمسة قرون لقدام.

للأسف إحنا استهلكنا جزء كبير من اليفوريا (حالة الزخمالثورية في مشاوير مكانش ليها لازمة زي مبادرات كان الهدف منها التلصيم مش البناء على نضافة

ويمكن لأن مكانش فيه وعي جمعي بحساسية اللحظة التاريخية دي، اللي المفروض تؤسس لحقب كاملة، شوفنا ائتلافات وانشقاقات وصدام فكري بين مجموعات هشة!

يجب أن ندرك أننا وفق عمنا ابن خلدون، نحن الآن في الطور الأول لتأسيس دولة ونحن الجيل المؤسس لها، وبالتالي عيب ننشغل بالكتاتني والمرشد والمشير

ثورتنا مش برلمان يعبر عن قوى مشغولة بمنع مواقع سكس أو شخصيات سياسية عاملة زي القرود من شجرة لشجرة. صورتنا لحظة تأسيس لعقلية جديدة لهذه الأمة

محاكمة مبارك، حتى لو سارت وفق أماني القوى الثورية، كانت فخ لإشغال هذه القوى بتفاصيل لن تهم الأجيال القادمة التي تريد أن ترث دولة تمثل الثورة

وللأسف نحن مقبلون على انتخابات رئاسية، كل المرشحين لها بدون استثناء مشغولون بإيجاد تصور لمشاكل راهنة وغير قادرين على الخروج برؤية بناء دولة.

كينيدي دخل سباق الفضاء مع السوڤيت بإنه غير مناهج علوم ابتدائي وقال بعد ١٠ سنوات ممكن نحط انسان على القمر. دي رؤية تأسيس لعقلية تستطيع البناء.

للأسف نحن أمام سياسيين لا يصلحوا حتى لإدارة مقاطعة ريفية في دولة زي اليابان او المانيا. ناس بلا مشروع قادر أنه ياخد البلد لعشرين سنة لقدام..

نحن على مدى عام أغرقنا أنفسنا في تفاصيل غير مجدية، زي كواليس الحياة الشخصية لمبارك ومبادرة إئتلاف شباب بنها، وتجاهلنا استحقاقات بناء مشروع..

يجب أن ندرك إن أي مشروع نهضة يجب أن يقوم بتلبية احتياجات الطبقة الأوسع في مجتمعنا وهم الفقراء الذين تمحورت حياتهم حول ازاي يقضوا الشهر لآخره

الحل الوحيد في رأيي وهو حل مختلف عن المطروح حاليا على الطاولة، هو في أن هذه الثورة تحكم من خلال زعيم شعبي حقيقي متصل بالواقع وعنده رؤية بناء

مشكلتنا في هذا الوطن إننا بنطلسق حاجة كبيرة زي بناء الدولة! مشغولين ببرلمان ورئاسة ومفيش دستور يؤسس لدولة ممكن تعيش وتخدم الأمة! #طلسقة_دولة

وفق الله ثورتنا وجعلها دولةَ عدلٍ وحرية، لا انتفاضة شعبية على ديكتاتور عابر، لن يتذكره أحدٌ من أحفادنا..


خربشات تويترية: في نقد العقل العربي


مؤسف كم الخرافات التي يتعامل معها العقل العربي كمسلمات! مثلا يصعد لك مرشح رئاسي كابواسماعيل ويقول: PEPSI هي pay every penny save Israel #عبث

أو يخرج لك أحدهم بمقولة منسوبة لهتلر: لو كان لدي سلاح روسي وعقل ألماني وجندي عربي لهزمت اوروبا! هذه مقولة تناقض نظرية تفوق الجنس الآري! #كذب

وما انتظره أن نقرأ تويتة تقول: "لو كان لدي عقل أحمد شفيق، وحنجرة بكري، وألاطة عمرو موسى، لفزت في انتخابات الرئاسة المصرية - أدولف سامي هتلر"

وبهذه بالمناسبة، مقولة أن الأمم المتحدة تقول أن أذكى طفل في العالم هو الطفل المصري، مقولة كاذبة كانت تسعى لتلميع جهود سوزان مبارك في الطفولة

البعض يعتقد أن هناك مؤامرة إمبريالية على العقل العربي. في الحقيقة المؤامرة مصدرها معلمو مناهج التاريخ واللغة العربية في المدارس! عقول عطنة..

بالمناسبة هذا منطقي! فالمدرس الذي يشعر بأن قوى غربية تتآمر عليه في الميكروباص، نظرا لخوفه من مواجهة السلطة، سيعمل على نقل نظرياته للتلاميذ!!

لذا فإن سبيل تقدم هذه الأمة لن يكون في أقوى جيش وأعلى برج وسارية علم وأربعة قمر صناعي باسم نايل سات، ولكن بتغيير مناهج ومدرسو مدارس ابتدائي!

وأذكر أنني أصبت بالرعب عندما كتب إعلامي شهير مقالة له في صحيفة واسعة الانتشار حول وضع علبة كوكاكولا أمام المراية لتصبح: لا محمد لا مكة! #عبث

ومما أفزعني أن هذا الإعلامي الشهير تلاعب بالألفاظ كي يقول هذا الهراء بشكل منمق، ويوحي للعقل المصري أن مؤامرة كونية تحيق به من كل جانب! #فتّة

ومما يؤلمني كثيرا ما يتمتع به العقل العربي من ازدواجية! فإذا قيلت له كذبة من مناضل ووافقت هواه، حارب من أجل أن يثبت صحتها! والعكس سليم أيضا!

في لحظات الانحطاط يصبح للجهل سطوة، ويصبح له منظرون وفلاسفة وحراسٌ على مبادئه، بل ويصبح للجهل مرشحٌ رئاسي أيضاً. يصبح للجهل دولةٌ ورجال! #جهل



رؤية غير نخبوية لتويتر المصري: البيو عنوان الحقيقة


ليه بعض الناس بتحط ديانتها في البيو بتاع تويتر؟ البيو دة مش بطاقة شخصية لإثبات حقك في الميراث أو لو أمين شرطة وقفك في كمين تطلعهولو #سو_ويرد

ليه فيه ناس بتحط في البيو بتاع تويتر حالتها الاجتماعية وإذا كانت متزوجة أم ربة منزل أم تجيد عمل محشي ورق العنب! تويتر مش فرح بنت عمك شاهينام

مش عارف ليه حاسس إن الناس فاهمة تويتر إنه ممكن يجيبلها عريس أو شغل أو وظيفة مع مرشح محتمل لو بقى رئيس وممكن تعاير بيه بنت خالتها في النادي!!

أظرف بيو في تويتر هي بتاعة المهندسين! نص اللي أعرفهم بيحطوا أول حاجة في البيو: مهندس ميكانيكي وأدعم البرادعي وإذا لم يتوفر أدعم أبو الفتوح..!

برضه باحب البيو اللي محطوط من بنات كتير وبيقول: برادعوية.. 23 سنة.. جميلة وأحب الرومانسية.. لن أرد على أي دي إم من شاب غير برادعوي.. أي لاف النادي الأهلي

باستظرف برضه البيو بتاع بعض البنات اللي بيحطوا فيه دباديب ووجوه صفرا وحمرا بتضحك وتحس إنك بتبص على الإزاز الوراني بتاع كيا كوبيه لونها أحمر!

وأكتر بيو أومليت بتاعة: بلطجي وفي الطريق كي أصبح طرف تالت! أو: بلطجية واللي حيقرب مني حاكله! تحس إنك دخلت حضانة تعيسة في شارع ضلمة آخره كشك!

وبرضه من البيو الأومليت: محلل ومفكر استراتيجي، يحلل بعمق أبعاد البحار ويفكر بالليل في القمر والنجوم! فاضل يحط رقم موبايله ويقول: للجادات فقط

برضه من البيو الأومليت البيو اللي يكون فيه ذكر لتوجه سياسي بطريقة مهينة للاتجاهات التانية، زي: سلفي وأكره البرادعي وبنو علمان يا ابن المرة!

ومن البيو اللي بتوقف عندها كتير لما ألاقي واحد كاتب بالانجليزي: engineer, astronaut, & MMD certified with FSD from USA & PHDZ member, Shobra

ومن البيو الطريفة أيضاً بيو منتشر بكثافة بيقول: photographer وحاطط صورة زلطة بالأبيض والأسود! إلا ما شوفتلك صورة واحدة عدلة على غلاف مجلة محترمة!

ومن البيو اللي بخاف منها بيو فيه أفاتار لرجل تخين وأبيضاني في الخمسين وكاتب: CEO of Bolbol investment fund & looking for a pretty assistant!

ومؤخراً انتشر بكثافة يا إخواني بدعة أن تضع كلاما بالشقلوب في البيو بتاعك أو رموزا تدل على برجك أو أشياء من هذا القبيل! لا يجوز والبيو فتنة!!

أكتر بيو أومليت هو بتاع العبد لله: نصف صحفي ونصف روائي ونصف صانع أفلام! أنا حاخليه: نصف مهندس ونصف مصوراتي ونصف برادعاوي ونصف كيلو ريش مشوية


Tuesday 21 February 2012

محاولة فهم غير نخبوية لتويتر المصري


تويتر المصري مدهش فهو تعبير عن صراع طبقي حقيقي بين أفاتار يملك آلاف الفولورز وبين متمردين عندهم نفر قليل من الفولورز ورافضين لسطوة الأغنياء!

في تويتر المصري أيضا ممكن تلاقي عناصر تنفذ تعليمات سيادة النقيب بغشومية وبتشتم ليل ونهار أي حد يكون سيادة النقيب قال عليه إنه من أعداء الوطن

وبالاضافة الى الصراع الطبقي وعناصر الأمن في تويتر المصري، فيه مجموعة حقيقية من اللي عايشين في الماضي ويفكروك بالباشوات خلال حرب السويس 1956!

ومن أكثر ما تتوقف عنده في تويتر المصري، مجموعة من اللي بيحاولوا ينفوا أي علاقة بالنظام السابق ويعملوا فيها مؤرخين مجددين على غرار المؤرخ الاسرائيلي آفي شلايم!

تلاقي مثلا إن الأفاتار اللي فيه بروفيل وجه أنثوي جميل، عنده فولورز من التقال أوي، بالرغم من إنه مفيش إسهام فكري! هنا تتقلب على قفاك من الضحك وتضرب كف بكف وتتحسر على مصير ابن رشد وعبد الله النديم!

لكن دائما يظل أفضل ما في تويتر المصري هو معارك الكر والفر في شوارعه الجانبية، خصوصا عندما تسترق السمع فيتناهى إليك شتائم نخبوية وتلقيح كلام!

من اللي باحبهم في تويتر المصري، جماعات الضغط اللي بيفكروك باللوبي اليهودي في الكونجرس! لازم تقتنع بقضيتهم بالرضا، فإذا رفضت حل عليك الأنفولو والبلوك!

وطبعا لا يخلو تويتر المصري، كما هو المجتمع، من قدر لا بأس به كلام يشبه كلام طنط سميحة مع طنط شهيرة في التليفون عن المطرب في فرح بنت طنط سامية!

ولو عملت نفسك عمر بن الخطاب ومشيت في تويتر المصري تتفقد أحوال الرعية في ساعات الليل، تلاقي شوية غزل عفيف ورومانسكيات تفكرك بعبد الحليم حافظ!

ومن الحاجات الحلوة في تويتر المصري إن البعض بيعتقد إنه فارس الفرسان ومصلح الأقوام، ورافع سيفه على طول وشغال ضرب هنا وهناك والدرع مليان دماء!

أحلى حاجة لما تلاقي في تويتر المصري أحدهم وقد نصب نفسه مؤرخا وبدأ في تغريدات ملهاش علاقة بالتاريخ، على أد ما ليها علاقة بتصفيات حسابات والده السياسية مع شخصيات تاريخية!

ومن المدهش إنك تلاقي في تويتر المصري رجل فتح الله عليه بثروة من الفولورز، وتيجي تكلمه فما يردش عليك، ويرد على أي أفاتار جميل تصادف إنه معدي!

وتبقى مصيبة لو دخلت في نقاش في تويتر المصري مع رجل نصب نفسه منظرا للثورة! فإنه سيقوم باتهامك بالجهل الثوري وإنك بتفكر خارج الإطار الحركي للفكر التنظيري!

والغريب يا أخي المؤمن إن في تويتر المصري مقدسات زي المجتمع بالضبط! فلا يمكن أن يسمح لك أن تنتقد رجال الدين أو رجال درع الوطن أو عمرو حمزاوي!

في تويتر المصري أيضا جماعة يطلق عليهم "جماعة الأمر بالفولو والحض على البلوك"، وتلاقيهم بيجاملوا الأصدقاء والمعارف في النادي وبينفضوا لكل فقير!

برضه تلاقي في تويتر المصري نسخ من محدث النعمة! فولورز كتير بعد أن كان فقيرا، وأول حاجة يعملها هو أنه يعمل أنفولو لكل من يذكره بمرحلة الفقر!

ومفيش في تويتر المصري أكتر من أنك تضرب كلمتين عاجل على مؤكد وبعدها خبر عن هروب بشار من دمشق على ضهر حمار، وتلاقي الريتويت بدون حساب أو تأكد من صدق الخبر!

ويا سلام على الريتويت لو قمت في تويتر المصري بضرب تويتة عن تصريح لمسؤول أوروبي رفيع يؤكد فيه إن مبارك سرق من مصر فلوس بحجم ميزانية مجرة كونية!

وفي تويتر المصري أيضا، لو استخدمت المنطق في الحوار تم اتهامك بإنك: فلول أو جاهل وبتدعي العلم أو ما بتعرفش انجليزي أو لك مآرب أخرى وتريد شراً مستطيرا..

وفي تويتر المصري تلاقي أيضا ظاهرة الاستشراق كما كتب عنها عمنا إدوارد سعيد، حيث الناس اللي عايشة في مصر بتكتب عن مصر وكأنها عايشة في نيويورك!

برضه في تويتر المصري تلاقي رجالة جدعان من خارج القاهرة، وعندهم حب لمصر يخليك تعيط، وعندهم إيمان حقيقي بالثورة ومعندهمش فولورز كتير بس راضيين..

وتلاقي برضه في تويتر المصري ناس داخلة عاوزة تفهم وتتعلم وتتفاعل مع الناس اللي عاملين إنهم من أصحاب العلم، ولكن للأسف لا يصيبهم إلا العجرفة والتجاهل من مدعي العلم!

وفي تويتر المصري تلاقي المجتمع المصري، فإوعى تزعل من حد أو تاخد موقف من حد وتذكر إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا وامش على الأرض هونا.

وأخيرا في تويتر المصري أناسٌ أختصهم الله بقضاء حوائج الغلابة والفقراء وبيستخدموا ما أنعم الله عليهم من قدرة على التأثير في خدمة مصابي الثورة.. فلهم مني كل التحية والاحترام :)

لماذا السياسة في مصر شبه عصير الزبادي في الخلاط؟



تغريدات تحاول أن تفسر السلوك السياسي للناخب المصري:

قعدت أفكر ولقيت إن السلوك السياسي للأمريكي يكاد يكون متطابق مع السلوك السياسي للمصري. الاتنين غير مؤدلجين ومزاجهم السياسي مرتبط بوضع اقتصادي

يعني مثلا الحزبين الكبيرين في أمريكا لا تقف ورائهم أيدولوجيا، على قدر ما هي أحزاب تمثل وجهات نظر اجتماعية واقتصادية مرتبطة بالموقع الجغرافي.

ولايات الجنوب المحافظة اجتماعيا واقتصادية تلاقي عندهم الحزب الجمهوري وتيار الشاي بينما الولايات الساحلية حيث التنوع العرقي تلاقي الديمقراطي.

ولما نمسك الحالة المصرية نلاقي إن عمر ما كان فيه تجربة حزبية أيدولوجية نجحت مع الشعب.حتى الشيوعية أستوردناها وجبنا هنري كوريل! زي جوزيه كدة!

الوفد مثلا هو تجمع إقطاعي لباشوات فكروا في الاستقلال ولكن كلهم من اتجاهات مختلفة وعلشان كدة لاحقا أصيبوا بانشقاقات وصولا الى الركن في المتحف

التجربة الحزبية الوحيدة اللي نجحت مع مصر كانت الحزب الوطني! لأنه تجمع لأفضل عناصر الانتهازية وشغل الفهلوة وحبة من اليمين على حبة من الشمال!

وعبقرية الحزب الوطني إنه مكانش عنده أي ايدولوجيا، وكان بين الاحزاب عامل زي الميكانيكي اللي مستعد يصلح أي عربية وممكن بعد الضهر يقلب جزمجي..

وعلشان كدة كنت ممكن في الحزب الوطني تلاقي يساري سابق مع إسلامي حالي وكله يعمل من أجلك أنت! وجمال اللي هو أول إنسان ألكتروني هو اللي بيقودهم!

الاخوان أدركوا اللعبة ودخلوا الساحة وفق مفهوم الحزب الوطني. حبة من اليمين والدقن والأخلاق، على حبة برضه من اليمين والرأسمالية ونعمل السليمة!

وإحساسي إن المصري داخل على الانتخابات الرئاسية بنفس منطق الأمريكي. الكاريزما حتلعب دور والمزاج المرتبط بالنشاط الاقتصادي هو اللي حيختار..!

يعني مثلا كل سواقي التاكس وطبقة الحرفيين حتختار عمرو موسى! راجل إكسلانس وفييس وبيدفع حلو وحيخلي الشعب متمنجه يا بيه والسياحة العربية حترجع!!

أما الفلاحين فحيختاروا أبوالفتوح وأبواسماعيل. ناس بتعرف ربنا وبتتقي الله فينا. وأكيد مش حينسوا يدعموا الناس اللي بتعرف ربنا زيهم، اللي هو إحنا

الجيوب الليبرالية في مصر، وهي قليلة، حتنقسم بين دعم الهوانم للفريق شفيق (عمل شغل هايل في المطار يا بهيرة هانم!) وبين دعم الأنجال للبرادعي (كوول) مان!

أما طبقة الموظفين والكادحين في الأرض،خصوصا من تعدوا الخمسين، فحيختاروا الاستمرار مع الأمان يا ابني! عاوزين نجوز أختك نهى، وماله الفريق عنان؟

ولو العربي نزل كمرشح الاخوان والمجلس مع دعم من ماسبيرو وقطاع الانتاج وبرامج التوك شو، فحتلاقي أغلبية انتخبوه ويبقى الشعب ضرب شوب الفخفخينة!




وأخيرا، الشعب المصري عنده دهاء عمره عشر تلاف سنة، علشان كدة عمره ما يورط نفسه مع أيدولوجيا أو تيار فكري واختياراته كلها تعبير عن مصالح مؤقتة

النشاط الاقتصادي لمناطق مصر المختلفة بيحدد نوع المرشح أو التيار السياسي اللي بيتم اختياره. بالتالي لا نتوقع إن اختيار القاهرة حيكون زي دمياط

ونعود الى أصل الحكاية ونلاقي إن المجتمعات الصناعية عادة بتختار يسار علشان حقوق العمال. ولكن بيبقى يسار وسط علشان دعم الرأسمالية الوطنية أيضا

المجتمعات القائمة على الملكية الزراعية الكبيرة بتختار اليمين نظرا لأنها تريد تدخلا حكوميا أقل في الاقتصاد وتريد المحافظة على امتيازات طبقية

ولأن المجتمع المصري هو مجتمع ربع صناعي على ربع إقطاعي على ربعين اقتصاد خدمات واقتصاد موازي غير محسوب قائم على السمسرة، فاختياراته تعبر عنه..

فمثلا في بعض دوائر القاهرة حيث الكتلة التصويتية هي للسماسرة والمهن الموسمية، تلاقي إن الحنجوري بياكل معاهم جامد وإن بكري هو بطل قومي عندهم!!

ولو تخيلنا إن الحالة الاقتصادية للمجتمع المصري ارتفعت بنسبة أربعين في المئة والنشاط الاقتصادي بقى أغلبه صناعي، ممكن نلاقي اكتساح للبرادعي

وبالانجليزي بنقول when you can afford buying luxury services then you can afford being maverick and liberal in your political choices :)

وعلشان كدة أي تحسن كبير في الحالة الاقتصادية للمصريين حتؤدي الى سفر أكبر واستهلاك أكبر للمعرفة وبالتالي التخلي عن اختيارهم السياسي المحافظ..

لهذا لا أعتقد أنه من المصلحة السياسية لجماعة الاخوان أو الاسلاميين تحسين الحالة الاقتصادية للمصريين لأن دة بيؤدي الى فقدان الكتلة التصويتية!

لهذا في المجتمعات الفقيرة اللي أصولها زراعية، بيكون الاختيار هو لمرشح المؤسسة الدينية أو من له صبغة دينية، دة بيتغير مع تغير الوضع الاقتصادي

مما يدهشك إن الاختيار المحافظ بالنسبة للناخب المصري يعني تحالف المؤسسة العسكرية مع المؤسسة الدينية، علشان يبقى أرضى ضميره الوطني والديني معا، لأن وفق اعتقاد المواطن المصري فإن هذا الاختيار بيخليه يركز مع استحقاقات اقتصادية ملحة زي فواتير الكهربا والبحث عن أنبوبة

وعلشان كدة لو عاوز توقع تحالف العسكر/اخوان، ابعد عن السياسة لمدة خمس سنوات وركز على التعليم ونشر استهلاك المعرفة وأنت تلاقي الناس بتبعد عنهم

ومما يدهشك أيضا إن الناخب المصري هو الناخب الوحيد في العالم اللي اختياراته روائية، علشان كدة ممكن تلاقي جزء من الاختيارات السياسية قائم على الحكاوي في القهاوي والمواصلات!

Sunday 19 February 2012

رسالة مفتوحة الى الرفاق في خندق الثورة


الى الأخوة والأخوات، الأصدقاء والصديقات.. أكتب إليكم هذه التغريدات من خندق مشترك معكم وهو خندق العمل من أجل نقل الثورة الى المرحلة التالية..

إن الثورة التي أطاحت بمبارك لم تبدأ بعد. فهي قد أطاحت برأس نظام لايزال فاعلا، بل وقادرا على التطور وإقامة التحالفات مع قوى غير ثورية..

إن المعني الحقيقي للثورة هو فهم المجتمع الذي نتحرك على أرضه وبين أهله. أننا يجب أن ندرك جيدا طبيعة هذا المجتمع الزراعي قبل أي تحرك سياسي على الأرض.

إنني أخشى أن العديد من الصادقين في نضالهم من أجل الثورة، قد حصروا هذا النضال في تويتر وتجاهلوا أن وحده الفعل على الأرض هو الذي يحسم المعركة الثورية.

إنكم يا رفاق تويتر قد قمتم بعمل جليل وهو إشعال الفتيل وتوثيق الحدث عندما كان النظام غاشما في فرض حجاب كثيف خلال أيام الثورة الأولى. لكني أخشى أن هذا قد جعل وهما كبيرا يسيطر عليكم.

إن القارئ الجيد لتاريخ مجتمعنا يدرك أن هذا المجتمع غير ميال الى مفهوم الثورة الدائمة، وأن انتفاضاته دائما محسوبة وقصيرة المدى ولها هدف واضح.

إن هذا المجتمع أيها الرفاق غير مؤدلج ولا راغب في أن يسير وراء طليعة ثورية الى ما لا نهاية، وأنه يحصر سقف تطلعاته في تحسين الظروف لا تغييرها.

لهذا فإن السبيل الوحيد كي تصل الثورة الى مستحقيها من الفقراء، وهم الأغلبية في مجتمعنا، هو بالعمل الدائم على الأرض والتواصل معهم عبر الحوار والنقاش والتوعية التي لا تفترض أننا نعلم وهم لا يعلمون.

أننا يجب أن ندرك أيها الرفاق أن عدد الفولورز (المتابعين لحساباتكم على تويتر) لا يؤهلنا كي نتفرغ للتنظير على تويتر وترك الأرض لقوى غير ثورية نجحت في أن تستميل عقول الجماهير.

أنني أعلم أن البعض منكم، قيل له: اذهب وانشر الثورة على الأرض، لكنه استهول المهمة، ورأى أن الظهور مع الإعلامي اللامع يسري فودة بانتظام قد يحقق الهدف بمجهود أقل.

أنكم أيها الرفاق تتجاهلون أن الثورات الانسانية العظيمة التي غيرت مسارات أمم، قد تركت الفعل الثوري الحركي وشرعت في بناء دولتها التي تضمن بقاء رسالتها.

أنكم تحصرون أنفسكم في قطعة صغيرة من الأرض ثم تقفون عكس التيار السائد في مجتمعكم، قبل أن تقنعوه بنبل رسالتكم. أن هذا يجعلكم محاصرين بإرادتكم داخل ميادين صغيرة أو على تقاطعات شوارع مظلمة.

إن السبيل الوحيد لنقل الثورة الى المرحلة التالية هو التفكير جيدا قبل تنفيذ أي فعل على الأرض والاندماج في كيان سياسي أكبر له قدرة الفعل المنظم.

إن مصر تمر الآن بمرحلة انتقال بين دولة محمد علي باشا التي ولدت مع مذبحة القلعة وسقطت في عصر 28 يناير وبين دولة جديدة لاتزال معالمها تتشكل وتحتاج الى المبادرة الخلاقة.

إننا أيها الرفاق في لحظة استثنائية من تاريخنا، قد نستطيع فيه لأول مرة، كقوى شعبية، أن نصيغ عقدا اجتماعيا جديدا يحترم حق الفقراء في الحياة والكرامة الإنسانية، والتي إن تحققت لهم، تحققت للجميع.

لكن قبل أن نشرع في صياغة هذا العقد، علينا أن نحصل على تفويض شعبي من أهلنا في القرى والنجوع والريف والحضر، علينا أن نخرج من المركز ونتوجه الى الأطراف في الشمال والجنوب والشرق والغرب من وطننا الكبير والممتد.

إن الحصول على التفويض الشعبي الواسع أيها الرفاق، هو السبيل الوحيد لكي تدرك السلطة الحاكمة ومن تحالفوا معها، أنكم قادرون على التغيير الحقيقي الجذري والدائم، بعيدا عن حسابات سياسية مؤقتة، قد لا تترجم إلا في دورة أو دورتين برلمانيتين.

إن كل ما يقدم من مبادرات سياسية وانتخابات رئاسية ووثائق لحلول توافقية، هي من سبيل "التلصيم" لا الحل الدائم لمشاكل هذا المجتمع وأولها الاستبداد والطبقية والتمييز ضد الفئات الأقل حظا في الحصول على نصيبها من ثروات هذه الأرض.

إن التاريخ لا يحب من استسهلوا الطريق واستهولوا المهمة وآثروا نشر الثورة عبر الإعلان عن مواقفهم عبر الأثير المرئي. لا بد من النزول الى الأرض.

إننا لا نريد أن ننتهي الى ما انتهى إليه عرابي أو سعد باشا من نضال، أدى الى إطالة أمد ظروف كان يجب أن تسقط، ولم تقدم لنا سوى تحسن طفيف على مسار تجربة كانت تتعطش لتغيير دائم وحقيقي.

إننا يجب أن ندرك جيدا أن الزعيم الشعبي القادر على التفاوض مع أي سلطة للوصول الى تسوية سياسية هو زعيم أنجبته ظروف هذه الأرض وحصل على تفويضها بعد أن سار في حواريها وجلس مع فلاحيها ومن ارتضوا أن يزرعوا أنفسهم بجوار أرضهم.

إننا قد استهلكنا جزءا كبيرا من الطاقة الثورية في السير وراء أسماء محترمة وبراقة مثل السيد محمد البرادعي والسيد نبيل العربي دون أن نعي أنهم تحسين مبتكر لدولة ماتت منذ عام ولا سبيل لإعادة إحيائها وفق الشروط القديمة التي أدت الى وفاتها، فضلا عن أن الراحل عن عالم الأحياء لا يعود عادة من عالم الأموات إلا في أفلام الرعب.

إننا يجب أن نتوقف لنصارح أنفسنا بالحقيقة المرة. هذا الطريق لم يعد مجديا وعلينا أن نبحث عن طريق جديد يستطيع الوصول الى الناس والحصول على ثقتهم.

إننا ننسى أن أهل هذا البلد قد تشكل وعيهم الجمعي عبر عشرة آلاف سنة من التعامل مع حكام أكثر دهاءً ممن يحكموننا الآن، وأن هؤلاء الحكام رحلوا وبقي الشعب يذهب في الصباح الى الحقول ويعود في المساء للتسامر حول النار وتبادل النكات حول حكامه.

علينا أن نتحلى بالشجاعة وندرك أن بعض أفعالنا التي تبالغ في السير يساراً لا تخدم سوى اليمين المتطرف في هذا البلد والذي فاز بالآلة التشريعية!

أفيقوا يرحمكم الله واهبطوا الى الأرض واعلموا أن ما تزرعوه من ثورة سيؤتي أكله بعد عشر سنين، وما ذلك بالكثير في عمر شعب لم يمت منذ آلاف السنين.

المجد لمصر وشهدائها وفقرائها ومن عمل لأجلهم دون أن يتعالى عليهم أو يسع لمنصب أو جاه.. وكل من عليها فان إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام..

وقبل أن أستودعكم الله من أرض بعيدة عن أرضكم، فإن من لا يذكر الفضل لا يستحق الشكر، وأنا مدين بالفضل بعد الله، الى الصديقة الأكرم والأعز والرفيقة الأجمل شيماء خليل، على إلهامي الدائم ‎@shaimaakhalil

وفقكم الله وأصلح لكم ثورتكم..

العبد الفقير لله والراغب في فضله، 

أحمد

لندن – حرر في مساء التاسع عشر من فبراير في العام الثاني عشر بعد الألفية الثانية.

Friday 17 February 2012

الدولة: هل حقاً كانت لدينا واحدة؟ الرئيس: هل يستحق كل هذه الضجة؟


هل مصر في أزمة؟

يفترض هذا السؤال أن مصر تعاني من أزمة سياسية حادة منذ أن نجح شبابها في إسقاط حسني مبارك، على حين غفلة من التطور الطبيعي للمسار السياسي قبل الخامس والعشرين من يناير 2011.

لكن الحقيقة هي أن هذا البلد يعيد اكتشاف نفسه من خلال فهم السلوك السياسي للمواطن المصري. وهو سلوك يتسم بالمكر والدهاء.

مثلا، بكت جموع عريضة من الشعب المصري، بصدق وحرارة لوفاة حفيد الرئيس الإنسان مبارك! وتعاطف الجميع مع الأب المكلوم، والرجل الشجاع علاء مبارك! لكن بعد أقل من عامين، خلع الشعب المصري حاكمه المستبد، وألصق به كل النقائص وأهمها أنه سرق شعبه. وبعد عامين على التأبين الشعبي للحفيد، كان الجد والأب خلف القضبان بتهمة السرقة واستغلال النفوذ، بالاضافة الى قتل المتظاهرين فيما يخص الجد!

هل نسي الشعب تعاطفه مع "الرئيس الإنسان" أو "الأب المكلوم"؟ في الحقيقة أن الشعب المصري، بما يتمتع به من دهاء، قام بما يطلق عليه شعبيا "بالواجب" وقدم التعازي، ولكنه لم ينس أن على الرئيس أن يرحل لأنه أخل بالمعادلة التي تحكم توازن هذا البلد، عندما سلم المفاتيح كلها الى ابن لا يتمتع بأي قبول شعبي، وعلى استعداد أن يبيع ما تبقى من البلد، بعد أن باع أهم أصولها لأصدقائه وحلفائه. كما لم ينس الشعب أن الأب المكلوم استفاد من وضع ابن الرئيس وساهم في تحويل عائلة حاكم بلد جمهوري، الى عائلة حاكمة ومالكة، لا يرد لها طلب ولا يقف أمامها مسؤول معترضاً على هذا الإفراط في الاستبداد.

لكننا منذ خلع مبارك، دخلنا في دوامة من التفاصيل الصغيرة، واستهلكنا أنفسنا في مسميات وأفكار وشخصيات وحكايات، تبخرت ولم يعد لها وجود! مثلا، المقلب الأكبر في التاريخ السياسي الحديث، وهو الاستفتاء على التعديلات الدستورية

فبالرغم من أن الدستور سقط بسقوط مبارك، وبعد أن فشل مبارك في إقناع الشعب بتعديلاته الدستورية، وجد الشعب المصري نفسه فجأة يقوم بالاستفتاء على هذه التعديلات، وتأخذ العملية مساراً تأسيسياً يضم لجنة تضم المستشار طارق البشري، ومجموعة من رجال القانون، من بينهم المحامي صبحي صالح (في إشارة مبكرة لعلاقة رومانسية بين المجلس العسكري وجماعة الاخوان المسلمين).

وحول معركة التعديلات الدستورية، سالت أنهار من الحبر على أوراق الصحف القومية والمستقلة، وجرى تجييش العواطف الدينية، وحشد الميول الفكرية، فيما حرص المجلس العسكري على إظهار نزاهته الكاملة، وانخرطت جموع الشعب في ممارسة حقها في الاختيار، لينتهي الاستفتاء بسبعة وسبعين في المئة ممن قالوا نعم، والبقية قالوا لا، ولكن المجلس فضل أن يتجاهل نتيجة الاستفتاء، بعد أن شكر الشعب على حسن تعاونه!

وكما بدأت المعركة فجأة، هدأت فجأة وسرعان ما نسيها الجميع وانشغلوا في تفصيلة جديدة غير ضرورية ومجموعة من الأسماء التي تطرح نفسها، بحثاً عن دور أو رغبة في الاقتراب من الحكام الجدد للبلاد. وهكذا كانت معركة وثيقة السلمي ومعركة بيان المجلس العسكري بخصوص مبايعة الأحزاب له، ومبادرات عديدة من اليسار واليمين، وكلها يدعي احتكار الحكمة والحرص على سلامة الأمة!

وأصبح المتأمل في المشهد السياسي الراهن بمصر، أمام طريقين: إما الانشغال بالتفاصيل الصغيرة والأسماء العديدة والتي قد تغرقه في تفاصيل أصغر لمعارك بين فئات ومجموعات لا تمثل قطاعات عريضة من المجتمع، وإما النظر الى الصورة من بعيد ومحاولة البحث عن جذور السلوك السياسي للمجتمع، وبالتالي تفسير سلوكه فيما مضى من أحداث، والتنبؤ بسلوكه فيما هو قادم من استحقاقات.

وفي السطور القادمة سأحاول أن أسلك الطريق الثاني في عنوانين عريضين، شغلا بال المصريين منذ انهيار حكم مبارك، وحتى اللحظة الراهنة والتي يبدو أنها ستمتد لعقد من الزمان على الأقل.



الدولة: هل حقاً كانت لدينا واحدة؟

استيقظ المصريون ذات صباح (قريب) على عناوين عريضة لصحيفتهم الرئيسية، الأهرام، وهي تحذرهم من أن ثلةً من الناس تخطط لإسقاط الدولة، وهدم أركانها. وأن هذا المخطط الشرير الخبيث هو من صنع جماعة ممن يتبنون الاشتراكية الثورية، والدليل: تسجيلٌ لجلسة يطالبون فيها بهدم الدولة المصرية! ولم أقرأ التفاصيل في الصفحات الداخلية، لأن أبي، وهو المناضل القديم خلال حقبة السبعينيات، احتفظ بنسخ من صحيفة الأهرام وهي تتحدث عن الخطر الأحمر الذي يهدد البلاد ويهدف الى إسقاط الدولة، وعن تلقي السيد الرئيس أنور السادات تسجيلات تثبت تورط خلايا شيوعية، تتلقى تمويلاً من الخارج. وبالطبع ضمت الصفحة الأولى لأهرام السادات، عناوين جانبية عن تكليفات محددة من قبل السيد الرئيس للسيد النائب حسني مبارك للتعامل مع هذا الخطر!

وبعد بضعة صباحات، استيقظ المصريون مرة أخرى على عناوين عريضة عن مخططات لهدم الدولة، ولكن هذه المرة من جماعة من الفوضويين، يلقبون بالأناركيين، ولهم قناع يخفي الوجه، وتقاليد استمدوها من فيلم أمريكي (من أجل الحبكة التآمرية وربط ذلك بمفهوم العدو الشعبي!).

وقد تم الهجوم على هذه الجماعة "المارقة" وفق الأدبيات السياسية التي تركها لنا الرئيس "المؤمن" و"كبير العيلة" أنور السادات، دون أن يتمتع القائمون على أمر إدارة شؤون البلاد أو حلفائهم من جماعة الاخوان بأي رغبة في ابتكار وسيلة جديدة لتسويق "العدو الشعبي" الذي يحذرون منه ومن مخططه في "الانقضاض" على مؤسسات الدولة في الذكرى الأولى لثورة يناير. وجرى إفراد مساحات واسعة من الصحف وماكينات الكلام التلفزيونية لسرد تفاصيل دقيقة لخطط الأناركيين في "احتلال" وزارات سيادية و"تخريب" منشآت عامة و"الوقيعة" بين الجيش والشعب!

لكن أحداً من المواطنين الذين فزعوا لقراءة عناوين الأهرام، لم يتوقف عند بعض الأشياء التي افترضوا أنها من المسلمات التي لا تقبل النقاش.

منها مثلا ما اعتادت أجهزة الإعلام المصرية الرسمية على ترديده من أن مصر هي أقدم دولة في التاريخ، بينما لم تذكر أن الدولة المصرية القديمة انهارت بعد الأسرة الثلاثين، والتي تعتبر الأسرة المصرية الأخيرة في حكم هذا البلد حتى عام 1952. 

وبالتالي حدث انقطاع في الدولة المصرية لحقب زمنية طويلة، فيما كانت كل مشاريع إقامة دولة في هذه البقعة من الأرض مسخرة لخدمة امبراطوريات أكبر، تأخذ من مصر مقاطعة لها، مثل الامبراطورية الفارسية، والرومانية، والبيزنطية.



ومما لا يفكر فيه أيضا المواطن المفزوع مما يقرأ ويسمع ويرى، أن الدولة المصرية الحديثة أنشئت لخدمة الآلة الحربية لمحمد علي ممثلة في جيش إبراهيم باشا، والذي كان الهدف الرئيس من فتوحاته في الشرق هو الوصول الى صيغة ينفرد بها محمد علي وذريته بحكم مصر.

وأن هذه الدولة الحديثة هي التي أرسلت البعثات العلمية للغرب في القرن التاسع عشر، ليعود المحظوظون من أبناء الفلاحين كأفندية، فيختار منهم الوالي موظفين وضباطاً ولاحقاًًً إقطاعيين. ومع تطور هذه النخبة تشكلت الدولة المصرية التي جاءت على مقاس مصالحهم الاقتصادية. وقبل ذلك التطور وخلاله وحتى منتصف القرن العشرين، كانت الغالبية العظمى من الشعب المصري خارج إطار الدولة المصرية التي ركزت جهودها على خدمة العاصمة والمدن المركزية. (يمكن الرجوع لأرقام التوزيع السكاني في مصر أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ومقارنتها بمثيلتها من الأرقام التي جرى جمعها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي).

وبالرغم من التباين الحاد في توجهات الأنظمة السياسية منذ بداية دولة محمد علي وحتى الخامس والعشرين من يناير، فإن الدولة لم تسقط، ولكنها انحسرت أحياناً وتمدت أحياناً أخرى، محافظةً على ضعفها وعدم قدرتها على صياغة عقد اجتماعي جامع يضم أطيافاً أوسع من المصريين.

فقد ولدت دولة محمد علي وبها عيبين خطيرين استمرا معها خلال قرنين من الزمان. الأول أنها جاءت ممثلة لشخص الحاكم وتوجهاته ولم تكن ممثلة لطائفة "خدم الدولة" أو ما يعرف باسم Civil Servants وهم من يقومون بتسيير الجهاز البيروقراطي للدولة ويحافظون على هياكلهم، بصرف النظر عن التوجهات السياسية للنظام الحاكم. فالنظام الحاكم ينحصر دوره في رسم السياسات العامة وتنفيذ أجندته الاقتصادية والاجتماعية، ولكنه وفقاً لهذا التعريف المعمول به في الديمقراطيات الغربية، لا يتدخل في آلية عمل الدولة.

أما العيب الثاني فهو أن هذه الدولة أنشئت لخدمة الآلة الحربية لجيش إبراهيم باشا، واستمرت على عهدها هذا حتى في الحقب التي تم فيها تقليص هذه الآلة. بل أن الحاكم أصبح يستمد جزءاً كبيراً من شرعيته من انتمائه لهذه الآلة الحربية.

أما من يتحدثون عن مخطط هدم الدولة، فهم لم يجانبهم الصواب كليةً! فهذا المخطط بدأ في السبعينيات وأشرف على تنفيذه رئيس الدولة بنفسه، سعياً لبناء شرعية حكم جديدة يواجه بها خصومه السياسيين، وخوفاً من صدامٍ محتمل مع آلته الحربية التي خرجت للتو من حرب 1973، ولم تكن راضية عن التسويات السياسية التي أعقبتها.

أما وريث السادات، فقد سار على دربه وفضل أن يهدم الدولة عبر الاعتماد على الأجهزة الأمنية بالكامل، بدايةً من تأمين محيط قصره وانتهاءً بمفهوم التأمين الواسع الذي امتد للتزوير في الانتخابات النيابية والمحلية وتعيين أساتذة الجامعة وموظفي الحكومة. وبالتالي تم القضاء على طبقة "خدم الدولة" The Civil Servants وتحولوا الى "خدم للنظام" Regime's Servants. ونتيجة لهذا لم يكن أحدهم ليجرؤ ويسأل عن حيثية السيد جمال مبارك، نجل الرئيس، في التوجيه لدعم القرى الفقيرة، أو الوضع الدستوري والقانوني لقرينة الرئيس السيدة سوزان، في إصدار قرارات تتعلق بالصحة والتعليم.

وفي الثامن والعشرين من يناير وتحديداً عصر هذا اليوم، خرجت شهادة وفاة دولة محمد علي التي ولدت في الأول من مارس عام 1811 مع مذبحة القلعة. لكن نظام مبارك استمر في الحكم، لأنه كان أقوى من الدولة. بل وأعاد إنتاج نفسه عبر تحالف الشيء الوحيد الباقي من دولة محمد علي، وهو جيش إبراهيم باشا، مع جماعة الاخوان المسلمين، الفصيل السياسي الأكثر تنظيماً على الأرض. أما غالبية الشعب فظلت خارج هذا التحالف، وعنصراً ينظر إليه ككتلة انتخابية تمنح تفويضاً لسياساتٍ تخدم طبقة الأفندية والباشوات ولا تخدم قاعدةً أوسع من العمال أو الفلاحين أو أبناء القبائل في الشرق والغرب والجنوب.



الرئيسهل يستحق كل هذه الضجة؟

أشعر أن الجدل المثار حول الرئيس القادم، شديد الشبه بالجدل الذي ثار حول الاستفتاء على التعديلات الدستورية! فالكل لايزال يعتقد أن الرئيس القادم سيملك من الصلاحيات والتفويض ما كان ممنوحاً للرؤساء السابقين.

بينما من يدقق في الأسماء المطروحة سيدرك أن الفارق في الأداء بين كل اسم لن يتعدى عشرة في المائة. فتسعين في المائة من أوراق اللعبة الرئاسية في مصر انتقلت من مؤسسة الرئاسة الى مكتبين: الأول مكتب رئيس الأركان والثاني مكتب المرشد العام لجماعة الاخوان.

أما الإخوان فقد حسموا أمرهم. فهم يريدون جمهورية برلمانية يسيطرون فيها على الوزارات الخدمية ويتركون فيها مهمة الدفاع عن البلاد في الداخل والخارج بالاضافة الى السياسة الخارجية في أيدي المؤسسة العسكرية، التي يمكن أن تفوض رئيس الجمهورية في بعض الخطوط العامة للسياسة الخارجية.

ويبدو من مجموعة من الشواهد أن هذه الصفقة قد جرى اعتمادها، وبقي فقط اسم رئيس العشرة في المائة، الذي تقول أنباء أنه نبيل العربي.

فهو رجل في العقد الثامن من العمر، وسيكون وزيراً جيداً للخارجية بمنصب رئيس. واجهة "توافقية" تحمل رونق الدبلوماسية المصرية في الحديث المتأنق والمظهر "المشرف" للبلد في الخارج!

ولا يبدو أن أحداً يبدي اكتراثاً بإقامة دولة ترث دولة محمد علي وتقوم على عقد اجتماعي يخدم فئةً أوسع من الطبقات الاجتماعية الأقل حظاً والأكثر فقراً. فهذه الدولة هي الوحيدة التي تكفل أن يحصل الشعب على رئيس يمثل أغلبيته الفقيرة تمثيلاً يمكنهم من الحصول على مكتسبات اجتماعية أوسع، على نحو ما جرى في البرازيل وتجربة الرئيس السابق لولا داسيلفا، والذي قدم حلولاً مركبة لمشاكل مجتمعه المعقدة، ورحل عن الحكم بعد ولايتين رئاسيتيين ناجحتين شعبياً، احتراماً لدستور الدولة، أي عقدها الاجتماعي. (بالمناسبة فشل في الوصول الى كرسي الرئاسة ثلاث مرات (1989-1994-1998) ولم ينجح إلا في انتخابات 2002).

وعند الحديث عن الرئيس في مصر، لابد أيضاً من احترام الطبيعة الخاصة لهذا الشعب والمتعلقة بثوابته مثل الدولة المركزية والحاكم القوي (تدوينة أربع نقاط كي نسبق العسكر وتدوينة أربع نقاط غائبة عن مشهد مضطرب).



كما أن الرئيس القادم لن يكون قادراً على تنفيذ برنامجه الانتخابي بسهولة، حتى في ظل جمهورية رئاسية. فالنظام السياسي في مصر بطيء في تغيير الولاءات. وقد حدث هذا في عام 1971 حين كان السادات الشخصية الأضعف بين رجال حكومته. وفي ضربة واحدة، ومساعدة قائد الحرس الجمهوري ورئيس تحرير الأهرام محمد حسنين هيكل، ألقى برجال حكومته في السجن وبدأت رحلته الفعلية مع كرسي الرئاسة بصلاحيات تنفيذية مطلقة.

وحتى بعد اغتيال السادات، فإن مبارك لم يأت الى الحكم إلا بموافقة المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع ودعم فؤاد محي الدين رئيس الوزراء، واستمر مبارك رأساً للجناح السياسي في النظام حتى إطاحته برأس الجناح العسكري أبو غزالة عام 1989. وحينها فقط بدأ انفراد مبارك بكرسي الرئاسة.

هل يسمح عامل السن بالنسبة لمرشح مثل نبيل العربي أن ينتظر ثماني سنوات لتنفيذ برنامجه الانتخابي بعيداً عن نصائح المرشد وتعليمات رئيس الأركان؟

هل سيحصل نبيل العربي على صلاحيات رئاسية تمكنه من تنفيذ أي برنامج للإصلاح الداخلي؟

كلها أسئلة لا تقود سوى الى طريق واحد: الرئيس القادم لن يكون سوى موظف في القصر الجمهوري لتلقي أوراق اعتماد سفراء الدولة الشقيقة والصديقة، وتسمية رئيس الوزراء الذي تختاره الأغلبية البرلمانية.

هل هذا أمرٌ جيد؟ من المبكر معرفة إجابة هذا السؤال!