الى الأخوة والأخوات، الأصدقاء والصديقات.. أكتب إليكم هذه التغريدات من خندق مشترك معكم وهو خندق العمل من أجل نقل الثورة الى المرحلة التالية..
إن الثورة التي أطاحت بمبارك لم تبدأ بعد. فهي قد أطاحت برأس نظام لايزال فاعلا، بل وقادرا على التطور وإقامة التحالفات مع قوى غير ثورية..
إن المعني الحقيقي للثورة هو فهم المجتمع الذي نتحرك على أرضه وبين أهله. أننا يجب أن ندرك جيدا طبيعة هذا المجتمع الزراعي قبل أي تحرك سياسي على الأرض.
إنني أخشى أن العديد من الصادقين في نضالهم من أجل الثورة، قد حصروا هذا النضال في تويتر وتجاهلوا أن وحده الفعل على الأرض هو الذي يحسم المعركة الثورية.
إنكم يا رفاق تويتر قد قمتم بعمل جليل وهو إشعال الفتيل وتوثيق الحدث عندما كان النظام غاشما في فرض حجاب كثيف خلال أيام الثورة الأولى. لكني أخشى أن هذا قد جعل وهما كبيرا يسيطر عليكم.
إن القارئ الجيد لتاريخ مجتمعنا يدرك أن هذا المجتمع غير ميال الى مفهوم الثورة الدائمة، وأن انتفاضاته دائما محسوبة وقصيرة المدى ولها هدف واضح.
إن هذا المجتمع أيها الرفاق غير مؤدلج ولا راغب في أن يسير وراء طليعة ثورية الى ما لا نهاية، وأنه يحصر سقف تطلعاته في تحسين الظروف لا تغييرها.
لهذا فإن السبيل الوحيد كي تصل الثورة الى مستحقيها من الفقراء، وهم الأغلبية في مجتمعنا، هو بالعمل الدائم على الأرض والتواصل معهم عبر الحوار والنقاش والتوعية التي لا تفترض أننا نعلم وهم لا يعلمون.
أننا يجب أن ندرك أيها الرفاق أن عدد الفولورز (المتابعين لحساباتكم على تويتر) لا يؤهلنا كي نتفرغ للتنظير على تويتر وترك الأرض لقوى غير ثورية نجحت في أن تستميل عقول الجماهير.
أنني أعلم أن البعض منكم، قيل له: اذهب وانشر الثورة على الأرض، لكنه استهول المهمة، ورأى أن الظهور مع الإعلامي اللامع يسري فودة بانتظام قد يحقق الهدف بمجهود أقل.
أنكم أيها الرفاق تتجاهلون أن الثورات الانسانية العظيمة التي غيرت مسارات أمم، قد تركت الفعل الثوري الحركي وشرعت في بناء دولتها التي تضمن بقاء رسالتها.
أنكم تحصرون أنفسكم في قطعة صغيرة من الأرض ثم تقفون عكس التيار السائد في مجتمعكم، قبل أن تقنعوه بنبل رسالتكم. أن هذا يجعلكم محاصرين بإرادتكم داخل ميادين صغيرة أو على تقاطعات شوارع مظلمة.
إن السبيل الوحيد لنقل الثورة الى المرحلة التالية هو التفكير جيدا قبل تنفيذ أي فعل على الأرض والاندماج في كيان سياسي أكبر له قدرة الفعل المنظم.
إن مصر تمر الآن بمرحلة انتقال بين دولة محمد علي باشا التي ولدت مع مذبحة القلعة وسقطت في عصر 28 يناير وبين دولة جديدة لاتزال معالمها تتشكل وتحتاج الى المبادرة الخلاقة.
إننا أيها الرفاق في لحظة استثنائية من تاريخنا، قد نستطيع فيه لأول مرة، كقوى شعبية، أن نصيغ عقدا اجتماعيا جديدا يحترم حق الفقراء في الحياة والكرامة الإنسانية، والتي إن تحققت لهم، تحققت للجميع.
لكن قبل أن نشرع في صياغة هذا العقد، علينا أن نحصل على تفويض شعبي من أهلنا في القرى والنجوع والريف والحضر، علينا أن نخرج من المركز ونتوجه الى الأطراف في الشمال والجنوب والشرق والغرب من وطننا الكبير والممتد.
إن الحصول على التفويض الشعبي الواسع أيها الرفاق، هو السبيل الوحيد لكي تدرك السلطة الحاكمة ومن تحالفوا معها، أنكم قادرون على التغيير الحقيقي الجذري والدائم، بعيدا عن حسابات سياسية مؤقتة، قد لا تترجم إلا في دورة أو دورتين برلمانيتين.
إن كل ما يقدم من مبادرات سياسية وانتخابات رئاسية ووثائق لحلول توافقية، هي من سبيل "التلصيم" لا الحل الدائم لمشاكل هذا المجتمع وأولها الاستبداد والطبقية والتمييز ضد الفئات الأقل حظا في الحصول على نصيبها من ثروات هذه الأرض.
إن التاريخ لا يحب من استسهلوا الطريق واستهولوا المهمة وآثروا نشر الثورة عبر الإعلان عن مواقفهم عبر الأثير المرئي. لا بد من النزول الى الأرض.
إننا لا نريد أن ننتهي الى ما انتهى إليه عرابي أو سعد باشا من نضال، أدى الى إطالة أمد ظروف كان يجب أن تسقط، ولم تقدم لنا سوى تحسن طفيف على مسار تجربة كانت تتعطش لتغيير دائم وحقيقي.
إننا يجب أن ندرك جيدا أن الزعيم الشعبي القادر على التفاوض مع أي سلطة للوصول الى تسوية سياسية هو زعيم أنجبته ظروف هذه الأرض وحصل على تفويضها بعد أن سار في حواريها وجلس مع فلاحيها ومن ارتضوا أن يزرعوا أنفسهم بجوار أرضهم.
إننا قد استهلكنا جزءا كبيرا من الطاقة الثورية في السير وراء أسماء محترمة وبراقة مثل السيد محمد البرادعي والسيد نبيل العربي دون أن نعي أنهم تحسين مبتكر لدولة ماتت منذ عام ولا سبيل لإعادة إحيائها وفق الشروط القديمة التي أدت الى وفاتها، فضلا عن أن الراحل عن عالم الأحياء لا يعود عادة من عالم الأموات إلا في أفلام الرعب.
إننا يجب أن نتوقف لنصارح أنفسنا بالحقيقة المرة. هذا الطريق لم يعد مجديا وعلينا أن نبحث عن طريق جديد يستطيع الوصول الى الناس والحصول على ثقتهم.
إننا ننسى أن أهل هذا البلد قد تشكل وعيهم الجمعي عبر عشرة آلاف سنة من التعامل مع حكام أكثر دهاءً ممن يحكموننا الآن، وأن هؤلاء الحكام رحلوا وبقي الشعب يذهب في الصباح الى الحقول ويعود في المساء للتسامر حول النار وتبادل النكات حول حكامه.
علينا أن نتحلى بالشجاعة وندرك أن بعض أفعالنا التي تبالغ في السير يساراً لا تخدم سوى اليمين المتطرف في هذا البلد والذي فاز بالآلة التشريعية!
أفيقوا يرحمكم الله واهبطوا الى الأرض واعلموا أن ما تزرعوه من ثورة سيؤتي أكله بعد عشر سنين، وما ذلك بالكثير في عمر شعب لم يمت منذ آلاف السنين.
المجد لمصر وشهدائها وفقرائها ومن عمل لأجلهم دون أن يتعالى عليهم أو يسع لمنصب أو جاه.. وكل من عليها فان إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام..
وقبل أن أستودعكم الله من أرض بعيدة عن أرضكم، فإن من لا يذكر الفضل لا يستحق الشكر، وأنا مدين بالفضل بعد الله، الى الصديقة الأكرم والأعز والرفيقة الأجمل شيماء خليل، على إلهامي الدائم @shaimaakhalil
وفقكم الله وأصلح لكم ثورتكم..
العبد الفقير لله والراغب في فضله،
أحمد
لندن – حرر في مساء التاسع عشر من فبراير في العام الثاني عشر بعد الألفية الثانية.
No comments:
Post a Comment