"للإنصاف..
ضياع البلد دي
يتحمل مسؤوليته بالتساوي:
ثوار ما بعد خلع
مبارك، الإخوان، الجيش، محبي مبارك وشفيق
وعمر سليمان، وكل النخبة".
كان هذا
ما كتبته على موقع تويتر.
الردود أتت تشجب
جمع كل هؤلاء في سلة واحدة.
دافع البعض عن
الثوار باعتبار أن نيتهم كانت سليمة.
على الرغم من أن
النوايا السليمة لا تعفي من المسؤولية.
فيما رأى أنصار
مبارك وشفيق أن جمعهم مع الثوار ليس
إنصافاً لهم.
وجدت أن
مذكرةً تفسيرية لهذه التغريدة ربما تكون
مفيدة.
ثوار
ما بعد خلع مبارك
الثورة
لا تتوقف لأن زعيماً سياسياً رأى أنها
يجب أن تتوقف. والثورة
أيضاً لا تستمر لأن جماعةً من الثائرين
قرروا استمرارها. لكن
الأهم أن الثورة لا تقوم إلا لأن الأسباب
التي أدت إلى قيامها، من ظلم واستبداد،
قد نضجت. وبالتالي
فإن الانتفاضة التي اندلعت في يناير ٢٠١١
وأدت إلى خلع الرئيس السابق، ثم تحولت
إلى ثورة تحاول التغيير الشامل، ليست
ملكاً لجماعةٍ بعينها أو ملكاً لزعيم سياسي نصب نفسه قائداً لها.
ما أعنيه
"بثوار
ما بعد خلع مبارك" هم
أولئك الذين تصدروا المشهد ونصبوا أنفسهم
وكلاء حصريين للثورة ومتحدثين باسمها،
وخاضوا معارك عبثية لا أحد يعرف حتى الآن
ما الهدف منها، وصولاً إلى الكارثة الأكبر
وهي انتخاب رئيس قبل وضع الدستور والاتفاق
عليه.
أما من
ماتوا في كل ميادين مصر فهم ضحايا لهذا
التخبط والعبث الذي ارتكب باسم الثورة.
وبالتالي فليس
من الإنصاف تحميلهم مسؤولية الحفرة
العميقة التي وقعنا فيها.
وإذا
كنت ممن يحبون العودة إلى التاريخ، فتلك تدوينات تلقي الضوء أكثر على أن هذه
الجماعة من الناس افتقدت للرؤية السياسية
السليمة، وسارت خلف "الحنجوري
الثوري". ودقق
في تاريخ كتابتها من فضلك.
اقتحام سفارة، حصار وزارة، وليلة البحث عن القيصر | لماذا كان انهيار نظام مبارك نتيجة حتمية لمقدمات منطقية | المجلس لا يدير ثورة وإنما يدير أزمة | أربع نقاط لكي نسبق العسكر.. أو هكذا أعتقد | أربع نقاط غائبة عن مشهد مضطرب | أن تكون ثورياً لا يعني أن تنتخب "بيبو" بالضرورة | محاولة عبثية للإجابة على سؤال: لماذا لا يموت ولاد الوسخة؟ | الجزء الأول: كيف ضربت الصناديق على الأرض؟ الجزء الثاني: مصر تختار بين اليمين.. واليمين أيضاً | الجزء الثالث: سيدي الجنرال.. الموجة الأولى أبيدت | مصر ومفهوم الدولة الكرتون!
الإخوان
تكالبوا
على السلطة وحصلوا عليها.
أرادوا كتابة
الدستور بدون توافق، فكان لهم ذلك.
يحاولون حالياً
اختراق الدولة ويحققون نجاحاً معقولاً.
لم يكونوا طرفاً
في الإعداد للثورة، بل كانوا يأملون في
أن يحصلوا على أي نوعٍ من الاعتراف من
نظام مبارك، وأحاديث قادتهم الإعلامية
تشهد على ذلك. بل
أن اجتماعهم مع عمر سليمان خلال أيام
الانتفاضة كاشف عن نواياهم الحقيقية تجاه الثورة.
هل مصر
كدولة تعني شيئاً للإخوان؟ المرشد السابق
الأستاذ محمد عاكف، أمد الله في عمره
وبارك فيه، قال قولةً مشهورة وهي:
طز في مصر
والمصريين.. وأردف
فضيلته: لا
توجد مشكلة أن يكون حاكم مصر شخصاً من
ماليزيا أو من المغرب، المهم أن يكون
مسلماً.
لكن ما
يعانونه من نقص في الكوادر لديهم يمثل
الخطر الأكبر الذي يتهددهم.
فعلى الرغم من
امتلاكهم الآلة الانتخابية الأكثر كفاءة
في مصر، إلا أنهم فشلوا في صنع آلة لإنتاج
الكوادر القادرة على إدارة أمور الدولة.
ويبدو ذلك الضعف
واضحاً في اختياراتهم لتولي المناصب التي
احتلوها بعد وصولهم للحكم، أو حتى في الصف
الأول من قياداتهم.
فيما
عدا تكالبهم على السلطة، وموقفهم من فكرة
الدولة القومية (Nation
State)، وضعف كوادرهم،
فإن الإخوان لا يختلفون عن نظام مبارك في
التفريط في ثروات البلاد، التعذيب في
أقسام الشرطة، غياب العدالة الاجتماعية،
غياب الممارسة الديمقراطية في اتخاذ
القرار، قهر الفقراء، الانتصار لرجال
الأعمال، عدم الدفاع عن حقوق المواطنين
في الخارج أو الداخل، ممارسة التمييز ضد
بعض طوائف المجتمع الدينية.
الجيش (المقصود به المجلس العسكري)
الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ماسبيرو،
محمد محمود، مجلس الوزراء، السحل، الضرب، الاعتقالات العشوائية،
التعذيب، أخطاء الفترة الانتقالية، عدم الشفافية.. وكأن
الانقلاب على مبارك لم يكن إلا لتسليم
البلاد إلى مبارك آخر بذقن!
محبو مبارك وشفيق
لا توجد
مشكلة في أن تحب من تختار من السياسيين
أو أن تؤيدهم. لا
يقلل ذلك من انتمائك إلى وطنك ولا يجعلك
سيئاً بالضرورة. لكن
التمسك بورقة طواها التاريخ، هو سيرٌ عكس
التطور الطبيعي للأحداث.
ولا يوجد أي هدف
من العودة إلى الوراء والإصرار على أن
شفيق هو الحل وأن مبارك تعرض لمؤامرة
أطاحت به، إلا تضييع المزيد من الوقت
وتشتيت جهود التغيير الشامل.
الملايين الذين خرجوا في الشوارع وحرقوا الأقسام ومقرات الحزب الوطني، لم يفعلوا ذلك إلا بعد وصول استبداد وفساد نظام مبارك إلى حده الأقصى. كيف يمكن أن يرد محبو مبارك وشفيق على: الفساد، نهب ثروات البلاد، التعذيب في أقسام الشرطة، غياب العدالة الاجتماعية، غياب الممارسة الديمقراطية في اتخاذ القرار، تزوير الانتخابات، قهر الفقراء، الانتصار لرجال الأعمال، تدمير التعليم، غياب أي نظام للرعاية الصحية، انحسار الدور الإقليمي، عدم الدفاع عن حقوق المواطنين في الخارج أو الداخل، التمييز والعنصرية ضد بعض طوائف المجتمع الدينية أو العرقية.
أما
رغبة الكثيرين من المصريين الآن في عودة
نظام مبارك إلى الحكم، فهذا ليس فعلاً
نابعاً من تمسكهم به كرئيس، وإنما رد فعل
على فشل من جاءوا بعده إلى الحكم.
لكن
عند إعادة قراءة وقائع التاريخ بعد عشرين
عاماً، سنجد أن مبارك هو من أوصل الإخوان
إلى الحكم من خلال ممارساته على مدى سنوات
حكمه والمتمثلة في إلغاء البديل القادر
على استلام السلطة، وتأميم الحياة
السياسية، والتضييق الأمني على الإخوان،
والذي أدى إلى صنع صورتهم كضحية.
فشل
مبارك هو الذي انتخب الإخوان.
كل
النخبة
النخبة
هنا المقصود بها الرموز السياسية التي
تصدرت المشهد خلال الانتخابات الرئاسية،
أو بعد ذلك من خلال جبهات الإنقاذ أو
الضمير أو أي جبهة أخرى!
والمقصود بها
أيضاً الكتاب والصحفيين الذين تصدروا
المشهد الإعلامي بعد خلع مبارك وانتقلوا
بخفة ودلع من تأييد الفكر الجديد للحزب
الوطني إلى إدعاء أنهم أبناء المشروع
الإسلامي، من الدفاع عن مشروع التوريث
إلى الدفاع عن مشروع النهضة، من خدمة جمال
مبارك إلى خدمة خيرت الشاطر.
هذه
النخبة هي من احترفت تضييع الفرص والتضليل
وتوجيه الرأي العام إلى حيث توجد مصالحها
الشخصية. كما
أنها تصارعت على السلطة وكانت سبباً أدى
إلى وصول مرسي وشفيق إلى الجولة الثانية
من الانتخابات. أما
بعد وصول مرسي إلى السلطة وتأكد فشله
كحاكم، فإن هذه النخبة فشلت في التواصل
مع القطاعات العريضة من الشعب الناقم على
تجربة الإخوان في الحكم. كما أن هذه النخبة هي التي أضفت على حدث إنساني مثل الثورة، هالة من القدسية، بحيث أصبح من الصعب انتقاد الثوار أو تصحيح مسارهم.
على
هامش التغريدة..
منذ
أن بدأت الكتابة في هذه المدونة، وأنا
أحاول أن أبتعد عن تناول الأمور الشخصية،
لكني وجدت أنه من الضروري أن ألقي الضوء
على بعض الأشياء التي قد تقدم فهماً لصاحب
هذه التغريدة.
للأسف
لم أنل شرف أن أكون من بين الذين نزلوا إلى التحرير ولم أكن أيضاً ممن شاركوا في
كل الأحداث التي تلت ذلك.
فقط
كنت متواجداً بالصدفة بالقرب من ميدان
التحرير خلال مصادمات أحداث مسرح البالون،
حيث ألقيت قنبلة غاز على بعد أمتار مني.
فيما
عدا ذلك فلا يمكن اعتباري من فريق الثوار،
لأني لم أشارك في الثورة إلا افتراضياً
من خلال شبكات التواصل الافتراضية!
أما
الإخوان، فلم أنتمِ إليهم، وإن كان عدداً
من أصدقائي المقربين ينتمون إلى الجماعة
ومؤمنون بعقيدتها ورسالتها.
لم
أكن ضابطاً في الجيش المصري كما لم أكن
عضواً في أي حزب سياسي.
وكي
أختصر الطريق، أنا لم أعش في مصر سوى
السنوات الثلاث الأولى من عمري.
لم
أتلقَ تعليماً أو أحصل على شهادة جامعية
أو أمارس عملاً في مصر.
بل
وكانت هناك فجوات زمنية طويلة بين زياراتي
إلى البلاد.
بالنسبة
لي مبارك لا يعنيني كشخص، مثله مثل مرسي.
كما
يستوي لديّ الحزب الوطني مع جماعة الإخوان.
ليس
لديّ ثأر شخصي مع جهة أو تنظيم.
لكن
لديّ هذا الانحياز التلقائي لمصر والمصريين،
خصوصاً الطبقة الوسطى والفقراء وأهل
النوبة.
بالمناسبة
لست من النوبة للأسف.
معظم
ما أكتبه عن مصر، أكتبه وأنا بعيد عنها
بمسافة لا تقل عن ثلاثة آلاف كيلومتر.
وبالتالي
أتفهم من يفترض أنها كتابة "سياحية
أو استشراقية".
لكن
أحياناً أجد أن البعد يساعد على الفهم!
وكما
قال الإمام الشافعي:
تغريداتي صواب يحتمل الخطأ، وردودكم عليها خطأ يحتمل الصواب!