Monday, 18 November 2013

مصر وعشرون درساً مستفاداً من أزمتها

التقطت هذه الصورة من سطح مبنى في العجوزة - فبراير ٢٠١١
بالتأكيد الفترة اللي المصريين عايشينها دلوقتي من أصعب الفترات اللي مرت عليهم في الخمسين سنة الأخيرة، بس بالرغم من دة لا تخلو من فوائد ودروس:

أول درس: مهما كان عندك فلوس وعايش في كمبوند مغلق فإن المصائب حتصلك. التمترس ورا فلوسك مش حيحميك من اضطراب الأوضاع الأمنية والاقتصادية للبلد.
تاني درس: لو أنت عايش في مجتمع، الفقير بيلاقي احتياجاته، فإن نسبة الجريمة بتقل. لو عايش في مجتمع الناس فيه مش لاقية تاكل، فاحتمال إنك تتاكل!
تالت درس: إن الديمقراطية مش هي مشكلة مصر. المشكلة الحقيقية هي انعدام أي عدالة اجتماعية وفشل نظام التعليم والصحة وانتشار الجهل بين المتعلمين!
رابع درس: البلاد اللي مفهاش تداول سلطة منتظم أو ديمقراطية على النمط الغربي، لكن فيها قدر من احترام حقوق الانسان وكرامته، الاضطرابات فيها بتقل.
خامس درس: تحدي مصر الحقيقي هو في صنع مدن صناعية عملاقة ومراكز أعمال حرة تقدر تشيل باقي الاقتصاد. حاجة زي تجربة الهند في حيدر أباد أو مومباي.
سادس درس: مينفعش تنتقل من الديكتاتورية الى ديمقراطية كاملة وتعددية دون المرور بمرحلة انتقالية طويلة، يكون التركيز فيها على الاصلاح الاقتصادي.

سابع درس: الفترة الحالية أثبتت فشل تجربة الحكم الديني وتجربة الحكم العسكري والحل لازم يكون الخروج برة الثنائية اللي جابت جاز ومعندهاش حلول.
ثامن درس: الأزمة الحالية أثبتت إن مفيش دولة ولكن فيه نظام حاكم ممكن يستحمل شتاء نووي ويفضل عايش! وبالتالي مفيش تعليم أو خدمات ولكن فيه قمع!
تاسع درس: لو عايز حل دائم لأزماتك السياسية، اكتب دستور يعبر عن حقوق الناس وتطلعاتها. دستور مش متفصل لخدمة فئة بعينها، أو مشغول بلبس المرأة!
عاشر درس: مينفعش الناس اللي أوصلتنا للأزمة اللي إحنا فيها، تبقى هي نفس الناس اللي حتطلعنا منها. لازم تغيير كل الوجوه القديمة من كل التيارات.
الدرس الحداشر: رجوع مرسي للحكم أو وصول السيسي للحكم مش الحل لمشاكل مصر. الحل هو تغيير طريقة نظر السلطة لحقوق الناس وصنع رؤية واضحة للمستقبل.
الدرس الاتناشر: مفيش احتجاج ثوري دائم لأن الناس بتزهق. الطريق لأي تيار ثوري هو دخول البرلمان عبر العمل على الأرض من خلال نشر الوعي والخدمات.
الدرس الثالث عشر: لا يمكن القضاء على مشروع، مهما كان سيء أو فاشل، بالقمع. كي تقضي على مشروع فكري ينبغي تقديم مشروع بديل يعبر عن مشاكل الناس.
الدرس الرابع عشر: أحسن وصف لمصر كان من مستشرق روسي قال عنها "رأس كبيرة وجسد نحيل". لو عايزين مستقبل ينبغي العمل على تنمية الصعيد بشكل عاجل.
الدرس الخامس عشر: مصر تحتاج إعادة التفكير في وضعها في المنطقة والتحالفات طويلة الأمد اللي ممكن تخدم مصالحها. سياسة كيد العزال فشلت بامتياز!
الدرس السادس عشر: أي حاكم بدون مشروع اقتصادي واجتماعي حيفشل والناس حتنزل الشوارع. مفيش حصانة لحد أو قدرة لأي مؤسسة على الوقوف قدام الطوفان.
الدرس السابع عشر: ينبغي التخلي عن أوهام "الريادة" و"الحضارة العظيمة" و"أم الدنيا أد الدنيا" لأن كل دة لا ينفي حقيقة وضعنا كأمة فشلت في كل شيء!
الدرس الثامن عشر: لما يكون عندك كل قطاعات الدولة فاشلة وفاسدة، فلا تعتقد إن فيه قطاع بعينه متفوق ونظيف وزي الفل ولديه حصانة من الفشل والفساد.
الدرس التاسع عشر: مصر عاملة زي اليابان بعد ضربها بالقنابل الذرية. محتاجين نغير طريقة التفكير في أولوياتنا كأمة والتركيز على التعليم والصناعة والتكنولوجيا.
الدرس العشرين: "مصر محمية من ربنا" فكرة خاطئة. فيه سنن لله في الأرض وهي تنطبق علينا زي ما بتنطبق على أي أمة أخرى. ما اشتغلتش مش حتلاقي تاكل. ما احترمتش كرامة المواطن، مش حتلاقي أمن. ما طورتش وأصلحت التعليم، مش حيكون عندك مستقبل.

Saturday, 16 November 2013

على هامش الجنون: حوار عابر


على متن طائرة من طراز أيرباص ٣٣٠ متجهة الى القاهرة، دار الحوار التالي بين الراكب في المقعد رقم 27A و الراكب في المقعد رقم 27B.

المقعد 27B: بقالك كتير ما نزلتش القاهرة؟
المقعد 27A: بقالي حوالي سنة ونص.
المقعد 27B: ليه؟
المقعد 27A: ليه أيه؟
المقعد 27B: ليه ما نزلتش كل المدة دي؟
المقعد 27A: سفر لمدن تانية حول العالم بسبب ظروف العمل.
المقعد 27B: أنا بقى بانزل كل أسبوعين مرة وأقعد أسبوع.
المقعد 27A: ازاي؟
المقعد 27B: ازاي أيه؟
(ضحك مشترك)
المقعد 27B: أنا شغال مهندس بترول على منصة بحرية وبسبب طبيعة العمل اللي ممكن تؤدي الى الاكتئاب والانتحار في عرض البحر فالشغل بيدينا تذاكر سفر كل أسبوعين وأجازة لمدة أسبوع.
المقعد 27A: على كدة أنت كأنك عايش في مصر.
المقعد 27B: تقدر تقول كدة.
المقعد 27A: طيب فيه حاجة مش عارف هي أيه وبلاقي أحيانا صحابي بيتكلموا عنها واسمها كايرو زووم.. أيه كايرو زووم دي؟
المقعد 27B: دة موقع على النت متخصص في صور الحفلات في القاهرة.
المقعد 27A: حفلات من أي نوع؟
المقعد 27B: كل الحفلات اللي فيها أجانب مقيمين في القاهرة أو عيال كل مؤهلاتها إن أبوها عنده على الأقل ١٥٠ مليون جنيه وأمه سيدة مجتمع تافهة بتشغل منصب غير مهم في جمعية خيرية متخصصة في تظبيط حفلات عشاء فاخرة لرجال الأعمال تحت عنوان التبرع لإقامة مدرسة في حي شعبي! طبعا العيال دي ما بتتكلمش غير كلمة عربي كل سبع كلمات انجليزي وبتدرس إدارة أعمال في جامعة خاصة ملهاش تصنيف أكاديمي، واستحالة العيال دي تقدر على العيشة في أوروبا أو أمريكا اللي كلها شقا ومفهاش وسايط، ولكن تقدر تعيش في القاهرة حيث كل شيء مسخر لخدمتها، من أول كسر إشارة المرور وإهانة أتخن ضابط مرور أو مواطن عادي كسر على سيادته في الشارع، لحد الطلوع من قضية مخدرات أو سكر بنفس سهولة ورقة كلينكس من علبة جديدة. والسبب طبعا السيد والده.. رجل الأعمال اللي عنده مجموعة شركات أنابيب مجاري ومكاتب هندسية متخصصة في تصميم أرصفة الشوارع.. وكلها شركات لو دققت في حجم أعمالها حتلاقيها ما بتعملش حجم الفلوس المهولة اللي عند أبوه، واللي لو دققت في علاقات أبوه حتلاقي إنها بسبب عمله كواجهة لسياسي مهم في البلد، أو غسالة أموال لنشاطات مشبوهة. وطبعا أبوه ممكن جداً يكون شريك في قناة تلفزيونية أو جرنال ثوري بيتكلم عن الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الشهدا.. ولو اقتربت من شخصية السيد والده ممكن تكتشف إنه كان في شبابه طالب ثوري في الجامعة ومعارض للسلطة ودخل المعتقل ولكن لما طلع اكتشف إن قدامه طريقين: إما يفضل معارض وياخد على دماغ اللي خلفوه، أو يبقى خدام مطيع لمن في السلطة.. ولأنه أصلا مهندس، فقدر بشوية فهلوة وإكراميات ياخد عقود حكومية في بداية حياته ويراضي الموظفين المشرفين على المشروع.. ومشروع ورا مشروع وكام حفلة عشا، عرف يكون نديم ظريف لسياسي مهم، عنده فلوس مش لازم تكون محل جدل، ومن هنا بدأ مشروعه كغسالة أو فاترينة! ... هي دي كايرو زووم!
المقعد 27A: قصدك هي دي مصر..
المقعد 27B: ما فرقتش كتير!
(بعد فترة صمت)
المقعد 27B: حتقعد كتير في مصر؟
المقعد 27A: لا.. إن شاء الله حارجع على أول طيارة!


Thursday, 14 November 2013

التعليم: أين الخلل؟

الصورة من داخل المركز الدولي للمؤتمرات في الدوحة حيث عقدت قمة الابتكار في التعليم
خلال سنوات الدراسة في المرحلة الابتدائية، والتي قضيتها في دولة الإمارات، لم أكن من الثلاثة الأوائل في أي صف دراسي انضممت إليه. لكن كانت المدرسة (وهي كاثوليكية لبنانية) لديها تقليد بتكريم العشرة الأوائل في كل صف، وكنت أجد نفسي إما في المركز التاسع أو العاشر!

خلال السنوات الثلاث من المرحلة الإعدادية والتي قضيتها بين الإمارات وقطر، قفزت الى احتلال المركز الأول على مستوى المدارس التي انضممت إليها. واستمر التفوق خلال السنة الأولى والثانية من المرحلة الثانوية والتي انتهت بكارثة مروعة في السنة الثالثة والأخيرة من الثانوية العامة! من ٩٩٪ و٩٤٪ الى ٧٤٪.. درجة لا تسمح بدخول أي كلية من تلك التي يطلقون عليها كليات القمة!

لكن الكارثة الأكبر أن النظام التعليمي الذي سمح لي بالتفوق في مراحله المختلفة لم يسمح لي بمعرفة ما أريد أن أدرسه في الجامعة وما أريد أن أمارسه في حياتي العملية. لذا دخلت الى الجامعة دون معرفة ما الذي يستهويني. تصورت لعام كامل أن برمجة الكمبيوتر هي الحل، لكن وجدت أنني لست مغرماً بالرياضيات. نجحت في الانضمام الى كلية الاقتصاد واستطعت أن انهيها بتفوق خلال ثلاث سنوات فقط (الجامعة التي درست بها في قطر تعمل وفق نظام الساعات الأمريكي)، لأتخرج منها وأعمل في الصحافة..! كلها حلقات ليست لها نهايات منطقية.

مر شريط ذكرياتي مع التعليم في عقلي وأنا لا أزال على مدرج الإقلاع في مطار هيثرو، متوجهاً الى الدوحة لحضور القمة الخامسة للابتكار في التعليم. حضرت قبل ذلك قمماً سياسية واقتصادية بل وسياحية، ولكن هذه كانت المرة الأولى التي سأحضر فيها قمةً دولية عن التعليم، والذي يعد أحد المواضيع المفضلة لأي مرشح سياسي، دون أن يقدم خطة واضحة لإصلاح التعليم. وإذا وصل هذا السياسي الى الحكم يظل التعليم كما هو دون أي تغيير أو إصلاح. حلقة مفرغة من الفشل الذي توارثته الأجيال جيلاً بعد جيل!

وصلت الى الدوحة وبدأت في حضور جلسات القمة التي روعي فيها أن تكون مصممة مثل الجلسات النقاشية. مجموعة من الضيوف الذين يتحاورون مع جمهور محدود. هنا بدأت في معرفة تجارب دول لم أكن أتخيل أنها قطعت شوطاً كبيراً في عملية تطوير التعليم. دول مثل فنلندا وكوريا الجنوبية. تجارب بها قدر من الابتكار والتميز من الأرجنتين وتشيلي وماليزيا. كان واضحاً أن الدول التي تمتلك مشروعاً صناعياً واقتصادياً كبيراً تسعى لتطوير أنظمة تعليمها من أجل مواكبة هذه المشاريع.

لكن بالطبع كانت دول المنطقة العربية في المؤخرة في هذا المجال. فمعظم دول المنطقة العربية فشلت في التنمية الاقتصادية أو الصناعية بسبب فشلها في التنمية البشرية. ولم يكن غريباً اكتشاف أنه لا توجد أي رؤية واضحة لإصلاح التعليم في العالم العربي.

حتى تجارب التعليم الجيدة في العالم العربي ظلت مقترنة بالجامعات والمدارس الخاصة، والتي لا يستطيع التعلم فيها سوى أبناء الطبقة المقتدرة مالياً. وهو ما يعني إبقاء فرص الصعود الاجتماعي والاقتصادي محصورة بين أبناء الطبقة المقتدرة مالياً وحرمان الفقراء من أي فرص للصعود الاجتماعي. وحتى بعد أن يحصل أبناء الطبقة المقتدرة مالياً على فرص جيدة في التعليم، فإنهم يسارعون للخروج من العالم العربي بسبب الاضطرابات السياسية.

الحوارات التي جرت على هامش القمة مع خبراء أتوا من كل مكان في العالم للحديث عن التعليم وكيفية تطويره، كشفت بشكل مفزع عن حجم الفجوة بين العالم العربي وبين بقية أنحاء العالم في مجال التعليم، وأجابت لي عن سؤال ظل يراودني لفترة طويلة: لماذا فشل النظام التعليمي في أكثر من دولة في اكتشاف ما الذي كنت أريد دراسته!