*كُتِبَ هذا المقال لصحيفة المصري اليوم والذي نشرته بعد حذف بعض العبارات يوم 28 مارس 2019 بمناسبة الذكرى الأربعين لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
في يناير ١٩٧٧ دخل جيمي كارتر البيت الأبيض. وفي اليوم الأول له داخل المكتب البيضاوي أعلن كارتر أن السلام في الشرق الأوسط أولوية بالنسبة له. بدا ذلك أمراً غريباً وساذجاً لمساعديه وعلى رأسهم نائبه والتر مونديل. فكل الرؤساء الأمريكيين السابقين فشلوا في حل أزمة الشرق الأوسط أو فرض تسوية للسلام على أطراف الصراع العربي الإسرائيلي. وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر والذي كان قد خدم مع الرئيسين السابقين نيكسون وفورد وتولى ملف الشرق الأوسط لفترة طويلة، حذر كارتر من أنه لا ينبغي لأي رئيس أمريكي أن يكون طرفاً في عملية تفاوض غير محسومة النتائج. لكن بالنسبة لكارتر كان قراره بالعمل من أجل السلام مهمة "إيمانية" وليست سياسية!
خلال الأشهر اللاحقة قابل كارتر عدداً من الزعماء العرب. لكنه كان مأخوذاً بشخصية الرئيس المصري أنور السادات الذي وجد فيه زعيماً جريئاً قادراً على صنع السلام في منطقة مضطربة ومشتعلة مثل الشرق الأوسط.
بعد بدء ولاية كارتر الأولى بأحد عشر شهراً، وتحديداً في التاسع عشر من نوفمبر، فاجأ السادات العالم بهبوطه في القدس والاجتماع مع القادة الإسرائيليين وإلقاء خطاب في الكنيست أعلن فيه آرائه حول التوصل لاتفاق سلام شامل بين العرب وإسرائيل. كانت قد مرت مدة زمنية مماثلة منذ انتفاضة الخبز في ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧.
كان السادات بحاجة لعملٍ بجرأة وجموح زيارة القدس كي يتخطى إحساسه الشخصي بالمرارة من الانفجار الشعبي الذي اجتاح مدن مصر من شمالها إلى جنوبها رداً على رفع الدعم عن السلع الغذائية الرئيسية وارتفاع أسعار الغذاء خمسين في المائة. حققت الزيارة هدفها الداخلي. فقد وجد السادات استقبالاً شعبياً في القاهرة، جعله يتجول بموكبه لساعة ونصف وهو يحيي الجماهير من سيارة مكشوفة، وفق الصور التلفزيونية التي نقلتها قناة "إن بي سي" الأمريكية. كما انتقل النقاش العام في مصر من الانشغال بالأوضاع الاقتصادية المتردية إلى التنبؤ بقدرة السادات على تحقيق السلام وربما مجيء الرخاء الذي وعد به أكثر من مرة في خطاباته.
السبب الثاني الذي جعل السادات يذهب إلى القدس هو رغبته في تحقيق أي تقدم على مسار إعادة بقية الأراضي المصرية المحتلة، بعد أن أطلقت حرب ١٩٧٣ شرارة البدء في تغيير الموقف على الأرض بين مصر وإسرائيل لكن دون أن تحسم مسألة تحرير سيناء بالكامل لصالح مصر. في نوفمبر ١٩٧٧ كان قد مر على انتهاء العمليات القتالية في حرب ١٩٧٣ أربع سنوات. وخلال تلك المدة لم تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل من أجل إجراء تسوية حقيقية وعادلة في المنطقة. فقد كانت واشنطن منشغلة برئيس يتجسس على خصومه السياسيين، ثم رئيس غير منتخب، بسبب أزمة استقالة نيكسون. وصل السادات إلى قناعة بأنه من أجل أن يستكمل تحرير الأراضي المصرية، لابد له أن يذهب إلى إسرائيل مباشرةً، بعد أن قطع علاقاته مع حليفه السوفييتي ووضع "تسعة وتسعين في المائة من أوراق اللعب" في يد واشنطن التي لا تريد الضغط على إسرائيل!
بدا للسادات أن السبيل الوحيد للنجاة هو القيام بقفزة دراماتيكية جامحة مثل زيارة القدس، والتي تم وصفها في حينها من الإعلام الأمريكي بأنها مثل الهبوط على سطح القمر! وفق أحمد بهاء الدين في كتابه "محاوراتي مع السادات" فإن الرئيس الراحل كان قد أدرك مغزى الرسالة التي أرسلها موشيه دايان إلى جمال عبد الناصر بعد حرب عام 1967 عبر قدري حافظ طوقان، عندما طلب منه وزير الدفاع الإسرائيلي أن يبلغ عبد الناصر برغبة إسرائيل في التفاوض المباشر مع مصر في أي مكان وسراً أو علناً ولكن دون وسيط لأن السوفييت لن يسمحوا للمصريين بالتفوق العسكري على السلاح الأمريكي والأمريكيين لن يستطيعوا الضغط على إسرائيل، وأن إسرائيل وحدها هي من تستطيع تغيير الوضع على الأرض.
في العالم العربي أحدثت زيارة السادات للقدس زلزلاً بحجم دور مصر العربي خلال العقود الثلاثة السابقة. قبل ذلك التاريخ بأربع سنوات كانت القوات المصرية تخوض معارك ضارية مع القوات الإسرائيلية في الضفة الشرقية لقناة السويس وذلك في الحرب الرابعة بين مصر وإسرائيل. وكانت سوريا حليفة لمصر في العمل العسكري في الوقت الذي ساندت فيه بقية الدول العربية مصر وسوريا بالسلاح والمال والدعم الدبلوماسي. لم تستطع الدول العربية التي سارت مع السادات في طريق الحرب أن تسير معه خلال قفزته المفاجئة في الهواء! فلم تكن هناك ضمانات من أن زيارة القدس سوف تحرر بقية الأراضي العربية المحتلة بعد حرب ١٩٧٣.
لذا عندما ذهب السادات الى منتجع كامب ديفيد الرئاسي في الولايات المتحدة من أجل التفاوض حول السلام بين مصر وإسرائيل، كان حريصاً على أن يتفاوض أيضاً حول الضفة الغربية وقطاع غزة وبالطبع القدس، من أجل أن ينفي اتهامات العرب له بأنه سعى لصلحٍ منفرد مع إسرائيل.
كارتر: الرئيس المؤمن!
في عامه الأول في الرئاسة، قابل كارتر رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين الذي بدا له غير متحمس لأي خطوة باتجاه السلام، حتى أن كارتر وصف الحديث معه حول السلام مثل "التحدث إلى سمكة ميتة"! خرج رابين من الحكم بعد فضيحة مالية وأتى مناحيم بيجن الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية.
من خلال حوار أجراه بيجن مع قناة تلفزيونية أمريكية، اكتشف كارتر أن رئيس الوزراء الجديد أبعد ما يكون عن صانع السلام! فهو لا يعترف بقرار الأمم المتحدة ٢٤٢ حول الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد حرب عام ١٩٦٧، والذي تم اعتباره أساساً لأي عملية سلام في الشرق الأوسط. كما أنه لا يريد الانسحاب من سيناء أو الضفة الغربية وغزة ويعتبرها أراضٍ "محررة" وليست محتلة. وعند سؤاله ما إذا كانت آراؤه ستضعه في مواجهة مع رؤية كارتر للسلام في الشرق الأوسط، كان رد بيجن أنه يثق في أن كارتر رجلٌ "يحفظ الإنجيل عن ظهر قلب وبالتالي فهو يعرف من هم أصحاب الأرض الحقيقيين."
بحلول يوليو عام ١٩٧٨ بدا لكارتر أن عملية السلام تحتاج الى معجزة. تصور كارتر أن المعجزة يمكن أن تحدث في منتجع كامب ديفيد من خلال دعوة السادات وبيجن للاجتماع هناك والبقاء حتى التوصل لاتفاق! كان كارتر وفق مساعديه يمتلك شخصيةً بسيطة غير معقدة.
لم يكن كارتر داهيةً سياسياً مثل ريتشارد نيسكون أو زعيماً صاحب كاريزما ساحقة مثل جون كينيدي أو رجل دولة عنيد مثل ليندون جونسون. كان فلاحاً بسيطاً متديناً من ولاية جورجيا، قاده الحظ إلى الترشح للانتخابات الرئاسية أمام أمة أمريكية مهزوزة من فضيحة سياسية بحجم ووترجيت، أدت إلى استقالة الرئيس الذي كذب أكثر من مرة أمام الجماهير من أجل التغطية على فضيحة التجسس على منافسيه السياسيين من الحزب الديمقراطي. خطاباته الإيمانية مكنته من تحقيق فوز بسيط على منافسه في انتخابات عام ١٩٧٦، الرئيس غير المنتخب جيرالد فورد، والذي تولى السلطة خلفاً لنيكسون بعد فضيحة ووترجيت.
وكما قادت الأوضاع المتردية للحياة السياسية الأمريكية كارتر إلى البيت الأبيض، حدث الأمر ذاته مع بيجن الذي كان قد قضى حياته السياسية كلها في المعارضة، ولم يكن متوقعاً له أن يصل إلى الحكم لولا الشرخ الذي أحدثته حرب 1973 في ثقة المجتمع الإسرائيلي في زعمائه السياسيين وجعلت الساحة مهيأة لانتخاب رجلٍ لا يؤمن بالمرونة أو السلام أو الدبلوماسية وينتمي إلى جيل الصقور الذين يؤمنون أن إسرائيل إن تنازلت مرة لجيرانها فإنها تساهم في نهايتها كدولة.
الذهاب إلى كامب ديفيد من أجل الفشل!
وفق كتاب لورانس رايت حول المفاوضات في كامب ديفيد ، "ثلاثة عشر يوماً في سبتمبر"، فإن السادات قبل تلبية دعوة كارتر بالذهاب الى كامب ديفيد ، اعتبر عملية التفاوض مع بيجن مسألةً بسيطة تقوم على تقديم مصر مقترحها من أجل السلام وهو ما سترفضه إسرائيل وفق توقعه، وحينها يتدخل كارتر ويضغط على بيجن لقبول العرض المصري، فيقبل بيجن وتكون مصر قد حققت إنجازاً هائلاً. أما إذا رفض بيجن فإن مصر وفق تصور السادات لن تخسر شيئاً بل إنها ستكسب علاقةً أوثق مع الولايات المتحدة وستكون قد كسبت أيضاً الرأي العام الدولي! والأهم أن السادات اعتقد أن فشل المفاوضات في كامب ديفيد سوف يؤدي إلى سقوط بيجن في الداخل الإسرائيلي ورحيله عن الحكم!
أما بيجن فقد قرر تلبية دعوة الرئيس الأمريكي من أجل أن يعترض على أي مقترحات للسلام وبالتالي يعزز موقفه في الداخل الإسرائيلي. كما أنه لم يكن مستعداً للتنازل عن احتلاله لسيناء أو الضفة الغربية أو قطاع غزة أو مرتفعات الجولان وبالطبع القدس. كان بيجن مقتنعاً أن العرب لن يستطيعوا تكرار حرب ١٩٧٣ في غياب مصر، وأن مصر لن تحارب في غياب دعم السوفييت، وأن الولايات المتحدة لن تدعم مصر عسكرياً أو سياسياً في مواجهة إسرائيل. وخلال الجلسات الأولى بين الوفد الأمريكي والمصري في كامب ديفيد ، أدرك المصريون أن الإسرائيليون لن يقدموا أي تنازلات، وسيعترضون على المقترحات المصرية بخصوص السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة أو الانسحاب من سيناء، ولن يقدموا حتى بديلاً للمقترحات المصرية!
كانت ترتيبات المفاوضات شديدة الغرابة. فهي مباشرة وغير مباشرة في ذات الوقت! حيث في الصباح يلتقي السادات مع بيجن في حضور كارتر، وعند الظهر يجتمع الوفد المصري مع الأمريكي ثم الأمريكي مع الإسرائيلي، أو العكس، في مفاوضات غير مباشرة، يكون الأمريكيون فيها برئاسة نائب الرئيس مونديل أو وزير الخارجية فانس، وسطاء بين الوفدين!
والأغرب من ترتيبات المفاوضات ما جرى خلالها من مواقف كشفت عن انفصال السادات عن وفده المرافق له والذي ضم مجموعة من أبناء وزارة الخارجية وعلى رأسهم وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل وأسامة الباز وعبد الرؤوف الريدي وبطرس غالي وأحمد ماهر ونبيل العربي (وزراء الخارجية فيما بعد)، بالإضافة إلى نائب رئيس الوزراء حسن التهامي، الذي اكتشف الأمريكيون أنه معزول داخل الوفد، وأنه الشخص الوحيد المتفائل بطريقة السادات التفاوضية مع بيجن. فيما كشف باقي أعضاء الوفد المصري وعلى رأسهم محمد إبراهيم كامل لنظرائهم الأمريكيين أنهم غير متأكدين من قدرة السادات على الوفاء بما يعد به بيجن في الصباح حول الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس في ظل عدم حصوله على تفويض من الفلسطينيين أو الأردنيين أو السعوديين!
كما اكتشف الوفد الأمريكي خلال التفاوض أن السادات لا يقوم بإخبار وفده بما يجري من محادثات بينه وبين بيجن وأنهم، أي الأمريكيون، كانوا يبلغون المصريين بما اتفق عليه السادات! بل أن أحمد بهاء الدين يذكر أن السفير الأمريكي في مصر هيرمان إيلتس روى له أن كارتر وبخه أكثر من مرة لأنه حصل منه على تصور عن ما الذي سيرفضه السادات، لكن كارتر كان يفاجئ بأن السادات وافق على ما كان متصوراً أنه سيرفضه!
بيجن الرافض لكل المقترحات!
وخلال المفاوضات بدأ السادات جلساته المباشرة مع بيجن بالإصرار على الانسحاب الكامل من سيناء وعلى إيجاد حل للفلسطينيين يتضمن حق تقرير مصيرهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى أن تكون القدس عاصمة لكل الأديان تحت إشراف دولي. لكن بيجن رفض كل هذه المقترحات وتحديداً الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة أو تفكيك المستوطنات الإسرائيلية في سيناء. وبدا أن السادات يريد الحصول على صفقة تضمن له فرض السيادة المصرية على سيناء بالكامل والعودة إلى العالم العربي، فيما بيجن حريصٌ على إفشال التفاوض من خلال التركيز على التفاصيل.
وكادت المفاوضات أن تفشل أكثر من مرة، وفي كل مرة يتدخل كارتر بشخصية الفلاح الطيب البسيط المعاتب كي يقول للسادات إن انسحابه من كامب ديفيد يعني قيام حربٍ عالمية ثالثة! أو أن انسحاب السادات سوف تعني له طعنة غادرة من أخ وصديق! كان كارتر قد أمضى أكثر مما يجب في المنتجع الرئاسي بعيداً عن مقر الحكم في واشنطن، وكانت أجهزة الحكومة الأمريكية تتساءل عن متى يعود الرئيس من كامب ديفيد ليمارس مهام عمله في إدارة شؤون البلاد! بدا المشهد غريباً للأمريكيين. فرئيسهم منشغل بمحاولة إيجاد تسوية بين مصر وإسرائيل دون أن يحصل على نتائج فيما البلاد تخوض حرباً باردة مع الاتحاد السوفيتي.
أما بيجن فأدرك أن التعنت في الموقف من الانسحاب من سيناء سوف يؤدي إلى تنازلات من السادات في ملفات الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس. فالسادات كان مصمماً على الحصول على السيادة الكاملة على سيناء وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية بأي ثمن.
واللافت أن موقف بيجن الرافض للانسحاب من سيناء في بداية التفاوض تغير لاحقاً بعد أن أدرك أن الحصول على تنازلات من السادات حول الأراضي الفلسطينية المحتلة سوف يؤدي إلى تثبيت فك الارتباط بين مصر والدول العربية لمدة طويلة، وهو ما سيعني نصراً استراتيجياً لإسرائيل وضمانةً على ألا يتكرر التنسيق العسكري والسياسي بين سوريا في الشمال ومصر في الجنوب كما حدث في حرب ١٩٧٣.
في اليوم الحادي عشر من المفاوضات كان كارتر قد أنفق من وقته أكثر مما ظن في البداية، وأكثر من قدرته على البقاء بعيداً عن واشنطن. أخبر الرئيس الأمريكي نظيره المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي أنه ينوي إنهاء عملية التفاوض بعد يومين وأن على الوفدين أن يتقدما برؤيتهما للتوصل إلى اتفاق تسوية وإلا فإنه سيعلن فشل القمة وتحميل الأطراف المشاركة مسؤولية فشل المفاوضات.
وبعد أن اجتمع كارتر مع السادات، اجتمع الرئيس المصري بأعضاء وفده، والذين اجتاحهم قلقٌ عميق وتوتر من أن السادات سوف يقدم تنازلات غير مقبولة ومن بينها عدم التوصل لاتفاق حول القدس أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، والأخطر أن يقبل بالمقترح الأمريكي الخاص بإعادة سيناء كاملة إلى السيادة المصرية اسمياً ولكن منزوعة السلاح وتحت إشراف قوات دولية.
"كلكم سباكون!"
بدا السادات سعيداً بالاتفاق الذي توصل إليه مع كارتر وقال لوفده إنه مطمأن إلى أن الرئيس الأمريكي يقف إلى جانب الموقف المصري وأنه مستعد للموافقة على أي ورقة يكتبها كارتر دون حتى أن يطلع عليها! ثم قال لهم إنه لا داعي للخوف لأن أي اتفاقية بين مصر وإسرائيل سوف تحتاج موافقة من مجلس الشعب المصري ومن الكنيست وبالتالي فهي غير ملزمة إلى حين موافقة البرلمان عليها!
أدرك أعضاء الوفد وتحديداً محمد إبراهيم كامل أن كارتر نجح في الحصول من السادات على كل ما أراده بيجن دون أن يحصل المصريون في المقابل على ضمانات حقيقية للانسحاب الإسرائيلي من سيناء، بالإضافة إلى تثبيت عزل مصر عن محيطها العربي لتوصلها إلى صلحٍ منفرد مع إسرائيل، والذي كان قد حاول السادات نفيه في بداية المفاوضات.
التقى محمد إبراهيم كامل بالسادات الذي أطلعه على ورقة من كارتر تحمل اسم "إطار للسلام". بدا السادات منتشياً أمام وزير خارجيته بأنه حصل على ورقة بخط يد الرئيس الأمريكي حول التوصل لتسوية سلام بين مصر وإسرائيل، واعتبر ذلك مكسباً ضخماً. فيما شكك كامل في "مكسب" السادات وبدأ في التفكير في الاستقالة.
أما على الجانب الإسرائيلي فإن بيجن تعرض لضغوط من وفده وتحديداً من عيزرا وايزمان للموافقة على تقديم تنازلات فيما يتعلق بسيناء. كان بيجن يخشى من أن يقوم كارتر بالذهاب إلى الكونغرس وإعلان مسؤولية بيجن عن فشل المفاوضات. في النهاية اتصل بيجن بمهندس مشروع المستوطنات الإسرائيلية الجنرال أرييل شارون وطلب منه رأيه حول تفكيك المستوطنات في سيناء. عندما أخبر شارون بيجن بأنه لا يوجد مانع عسكري من تفكيك المستوطنات، زادت الضغوط من وايزمان على رئيس الوزراء من أجل القبول بتقديم تنازلات حول سيناء.
في اليوم الثالث عشر بدأ الأمريكيون في الترتيب لإعلان التوصل لاتفاق حول إطار للسلام بين مصر وإسرائيل واتفاق آخر اعتبره الإسرائيليون غير ملزم حول إطار للتوصل لاتفاق حول الأراضي الفلسطينية. كان كامل قد استقال، لكن السادات طلب منه تأجيل الإعلان عن قراره إلى ما بعد الرحيل عن الولايات المتحدة. وافق كامل لكنه أخبر الأمريكيين الذين أدركوا أن الاتفاق صنع شرخاً داخل الوفد المصري بين الرجل الأول والثاني!
كان السادات قد اجتمع مع أعضاء وفده وأخبرهم بالاتفاق، لكن نبيل العربي، المستشار القانوني للوفد، طلب من السادات عدم التوقيع لأن الاتفاق يتضمن التزامات عديدة على مصر دون أن يكون هناك ضمانة بالانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية. لكن السادات قال لنبيل العربي أن كل ما قاله الآن قد دخل من أذن وخرج من الأخرى لأن "كلكم (أعضاء الوفد) مجرد سباكين! لا تعرفون ماذا تفعلون! أنا رجل دولة! أنا أعرف هدفي. أريد أن أحرر أرضي. لو لم أفعل ذلك فإن أحفادكم سيقاتلون في سيناء، وستكون هناك حروبٌ قادمة."
أدت ضغوط كارتر في النهاية على السادات وبيجن من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للصراع بينهما، إلى التوصل إلى اتفاقية إطارية لإيجاد سلام بين مصر وإسرائيل، واتفاقية إطارية أخرى لإيجاد سلام في الشرق الأوسط، والتي تناولت الأراضي الفلسطينية المحتلة دون حضور الفلسطينيين، ولم تكن ملزمة لإسرائيل وبالتالي لم تسفر عن معاهدة سلام مثل التي توصلت إليها مصر وإسرائيل في السادس والعشرين من مارس عام 1979.