في
الحرب العراقية الإيرانية، كان الجيش
الإيراني يواجه مشكلةً في احتلال بعض
المناطق التي تتحصن فيها القوات العراقية
داخل الخنادق.
كان
الحل الذي ابتكره الإيرانيون يتلخص في
إرسال موجة أولى من الجنود بلا غطاء جوي
أو مدفعي، حيث تتم إبادتهم
من قبل القوات العراقية المتحصنة في
الخنادق.
بعد
عدة ساعات تقوم القوات العراقية بالخروج
من الخنادق وتتفقد الخسائر الإيرانية وتأخذ
الغنائم، ظناً منهم بأن الهجوم الإيراني
قد انتهى، وهنا تبدأ الموجة الثانية من
الجنود الإيرانيين في الاشتباك مع القوات
العراقية!
انتهت
الموجة الأولى من الثوار، ولم تخرج الدولة
العميقة بعد من الخنادق!
إذا
اخترت حكم الصناديق، فلا تتراجع كي لا
تطيح بك إلى الأبد!
هذه
ملاحظات على هامش النتيجة "السريالية"
للجولة
الأولى في الانتخابات المصرية والتي
أسفرت عن فوز كل من مرشحي اليمين:
أحمد
شفيق ممثلاً عن النظام السابق والدولة
العميقة، ومحمد مرسي ممثلاً عن جماعة
الإخوان المسلمين.
١.
لم
يكن الشعب المصري مهيئاً، وقد خرج من ثورة
قلبت الكثير من الموازين التي ترسخت على
مدار ثلاثة عقود، للدخول في انتخابات
رئاسية بها هذا القدر من عدم الوضوح.
ربما
لهذا السبب اختار محمد البرادعي الانسحاب
من الانتخابات والاكتفاء بالمراقبة من
بعيد!
لكن
أما وقد اختارت "جموع
الشعب"
حكم
الصناديق، فإنه لا مجال عن التراجع عنها
حتى لو كانت نتيجتها عودة الرئيس السابق
للحكم!
يبدو
هذا الكلام صادماً ولكنها الحقيقة.
فكل
الدول التي اختارت أن لا تحترم نتيجة
الانتخابات، سلكت المجتمعات فيها الطرق
السريع نحو الفوضى والحرب الأهلية.
والأمثلة
أكثر من أن تعد أو تحصى، ولكن تظل الحرب
الأهلية الجزائرية خلال تسعينيات القرن
الماضي الأقرب إلى الحالة المصرية.
٢.
مثلت
نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات "صفعة"
شديدة
العنف من قبل الذين شاركوا ومن الذي لم
يشاركوا أيضاً، على وجه النخبة السياسية
والثقافية في المجتمع المصري.
فهذه
النخبة، التي لم تكن جزءاً من السلطة في
يومٍ من الأيام وإنما دائماً على هامشها (وربما
هذا جزء من أزمتها العميقة، ولكن هذا
حديثٌ آخر)
اعتقدت
أنها تقود المجتمع من خلال ما تبديه من
آراء في الصحافة التقليدية أو شبكات
التواصل الاجتماعي.
لكن
الواقع يقول إن المجتمع (بمفهومه
الواسع)
لم
يتفاعل مع هذه النخبة واعتبرها جزءاً من
الوصاية السلطوية عليه.
بل
أنه زاد في احتقارها عندما اختار لها
النقيضين اللذين حاولت النخبة أن لا تفكر
في إمكانية وصولهما للحكم.
ولا
تزال هذه النخبة في حالة إنكار عميقة
وتخبط، عبر كل الاقتراحات التي قدمتها
في أعقاب الإعلان عن النتيجة، مثل تنازل
مرسي لحمدي صباحي أو انسحاب شفيق لصالح
أبو الفتوح أو انضمام عمرو موسى إلى نتيجة
الإعادة في الانتخابات الصربية!
٣.
بعد
مرحلة الإنكار والصدمة التي مرت بها
النخبة، سارعت إلى الخروج باقتراح يعبر
عن "سذاجة
سياسية"
و"براءة
مفرطة".
هذا
الاقتراح هو التقدم بضمانات إلى مرشح
الإخوان محمد مرسي، فإذا وافق عليها، تم
التصويت له.
وإذا
لم يوافق، فلا توجد إجابة واضحة ممن تفتق ذهنهم عن هذا الاقتراح!
وقد
اقترح البعض أن يتم التقدم باقتراح مماثل
إلى أحمد شفيق!
مشكلة
هذا الاقتراح أنه يفترض "حسن
النية"
في
الإخوان أو في النظام السابق الذي يمثله
شفيق.
فخلال
ثمانية عقود احترفت جماعة الإخوان الدخول
في تحالفات وفضها تبعاً لمصالحها السياسية
الضيقة، والتي أضرت بمصداقية الجماعة.
والشواهد
التاريخية على ذلك كثيرة ومنها ما جرى
خلال العصر الملكي مثل سعي الإمام حسن
البنا إلى تسمية الملك فاروق خليفة
للمسلمين!
أو
ما جرى في شهر العسل القصير مع ضباط يوليو،
أو شهر العسل المضطرب مع السادات أو حتى
الصفقات التي جرت مع الوفد وحزب العمل
خلال عصر مبارك.
لذا
من "السذاجة"
تجاهل
هذه الوقائع التاريخية والوثوق في جماعة
عبر أخد تعهدات كتابية عليها، لن يؤدي
النكوص عنها إلى إحراجها.
وإلا
كانت قد شعرت بالإحراج عندما تراجعت عن
تعهدها بعدم المنافسة على أكثر من ثلاثين
في المئة من مقاعد مجلسي الشعب والشورى،
أو عدم المنافسة على منصب رئيس الجمهورية!
أما
الوثوق في مرشح النظام السابق والدولة
العميقة، الفريق شفيق، فهو مثل الوثوق
في أن شارون سيستيقظ من غيبوبته وسيعيد
الأراضي الفلسطينية إلى أصحابها ويعلن
إندماج إسرائيل الكامل في كيان جديد يعترف
بحقوق الفلسطينيين!
إذا
حدث هذا فيمكن الإيمان بأن المعجزات
السياسية قابلة للتحقق وأن شفيق يمكن
الوثوق فيه.
٤.
هناك
من يعتقد أن رفض التصويت لشفيق
ومرسي يعني المساواة بين مرشح النظام
السابق ومرشح جماعة الإخوان.
وأن
هذه المساواة تنسحب على الموقف السياسي
من جماعة الإخوان ومن النظام السابق.
لكن
المقاطعة أو إبطال الصوت، هو موقف من فئة
من الناس تعتقد أن مرسي ليس الخيار الأفضل
في هذه المرحلة، وأن التصويت له لن
يمنع شفيق أو ما يمثله، من البقاء في
معادلة السلطة في مصر بعد خلع مبارك.
فمنذ
أن جلس الإخوان مع عمر سليمان، بصفته
كنائب للرئيس، خلال أيام الثورة الأولى،
مروراً بدخولهم مجلسي الشعب والشورى،
وصولاً إلى اللحظة الراهنة، وهم جزء من
معادلة السلطة، وقد ظهر هذا في مواقفهم
من أحداث محمد محمود أو أحداث مجلس الوزراء
وغيرها من المواقف التي يبدو أكثرها
بروزاً العبارة الشهيرة "وهو
أيه اللي وداها هناك!".
ولا
توجد أي ضمانة أن وصول مرسي للحكم يعني
الوفاة الأوتوماتيكية للأخطبوط الأمني
في مصر.
بل
قد يؤدي وصوله إلى الحكم، إلى محاولة هذا
الأخطبوط أن يثبت أن دولة مرسي لا تختلف
كثيراً عن دولة مبارك!
بالطبع
وصول شفيق يعني أن يعمل هذا الأخطبوط
بكامل طاقته من أجل اعتقال كل المعارضين
المحتملين لشفيق، وفق موقفهم من مبارك أو المجلس العسكري.
أي
أن الأخطبوط في الحالتين لن يتأثر تبعاً لاسم
الرئيس.
٥.
الرئيس
شفيق أو الرئيس مرسي، هما مجرد واجهات لا
أكثر.
فشفيق
واجهة للدولة العميقة والأخطبوط الأمني
والنظام السابق، فيما مرسي هو واجهة لخيرت
الشاطر وجماعة الإخوان والتيار الإسلامي
في مصر بمفهومه السياسي.
ومن
يشعر باحتيار في اختيار مرسي أو شفيق عليه
أن يوازن بين ما يمثله الأول وما يمثله
الثاني.
وهنا
تبدو المعضلة.
فالأول،
مرسي، يمثل تياراً ضعيفاً داخل كيان
الدولة الحالي، لكن الخوف هو من مستقبل
توغله في جسم الدولة والاستبداد الذي قد
يمارسه باسم الدين.
أما
الثاني، شفيق، فهو يمثل دولة قمعية
استبدادية لها جذور راسخة في سحق المعارضين.
كما
أن هناك مخاوف حقيقية من أن عودة شفيق
ستؤدي بالضرورة إلى تعطيل المسار الثوري
لعقدٍ كامل من الزمان على الأقل!
لكن
ما يجب التأكد منه أن انسحاب شفيق أو
تغييره بعمر سليمان أو بالعقيد إيهاب أو
المقدم سامح لا يعني أكثر من تغيير الواجهة.
كما
أن تغيير مرسي بمحمد خيرت الشاطر أو الأخ
تامر محمد بديع هي أيضاً تغيير واجهات لا
سياسات.
٦.
لا
يوجد في التاريخ "لو
كان"..
لكن
"لو
كان"
تفيد
في تعلم الدرس كي لا يتم تكرار الخطأ.
فـ"لو
كان"
قد
تم كتابة الدستور وتم تحديد شكل الدولة، برلمانية، أم رئاسية،
أم مختلطة، لكان اسم الرئيس أقل إثارة
للجدل مما هو حادث الآن.
في
كل النظم الديمقراطية الراسخة تختار
الشعوب أحياناً حكومات يمينية متطرفة أو
يسارية متطرفة، ولا يخشى أحد من تطرف هذه
الحكومات، لأن هناك دستوراً يضبط العلاقة
بين هذه الحكومات وبين السلطات الأخرى.
لكن
في الحالة الاستثنائية التي تمر بها مصر،
فإن الرئيس يتم انتخابه دون معرفة شكل
الدولة، أو صلاحيات منصب الرئاسة.
لذا
فإن المخاوف من قدرة الرئيس على تغيير
مسار الثورة في مصر، حقيقية ومبررة.
٧.
لمن
يعتقد أن مرسي هو الخيار "الأقل
ضرراً"
من
شفيق، فهذه القصة (التي
أعيد نشرها)
ربما
تكون الأكثر تعبيراً عن هذا الموقف الشبيه
بما حدث في مسرحية إنجليزية شهيرة كانت
تعرض خلال السبعينيات.
تحكي
المسرحية عن أن رجل أعمال بريطاني دعا
أمراء عرب إلى حفلة من أجل أن يفوز بصفقات
تجارية مع دولهم.
ولما
كان رجل الأعمال يدرك ولع هؤلاء الأمراء
بالنساء، فقد استأجر لهذه الحفلة أفضل
ما يمكن للمال أن يحصل عليه من نساء!
سارت
الحفلة كما هو متوقع، حتى كانت "اللحظة
الفارقة"
حين
طلبت زوجة رجل الأعمال البريطاني من زوجها
الانفراد به لإخباره أمراً هاماً.
بعد
تململ منه، وافق على ترك مدعويه والاستماع
إلى زوجته مارجريت التي قالت له:
جون..الشيخ
العربي يريد قضاء ليلته معي..
ماذا
أفعل؟ جون:
كنت
أفضل ألا تخبريني بذلك!
مارجريت:
ماذا
أفعل؟ هل يعقل أن أخونك من أجل المال؟!
جون:
عزيزتي..
اغمضي
عينيك وفكري في بريطانيا!
أصبت بالاكتئاب .. يعني مصر انكتب عليها تكون مخطوفةوانكتب على شعبها الانبطاح "شعب بيقول أي حاجة بس أعيش" .. أنا مات الأمل في قلبي بعد البوست دا.
ReplyDeleteالبدايه ممتعه......و الباقى يغلب عليه البساطه
ReplyDeleteما هو ده اللي هنعمله ...سنغمض اعيننا ونفكر في مصر
ReplyDeleteتحياتي
MishMish
بخلاف المثل المضروب حول أفواج المحاربين الإيرانيين ... باقي الرسالة رغم كونها لاذعة حادة
ReplyDelete..غير أنها محض الحقيقة
تسلم إيدك
جميل ما كتبت يا مولانا .. وبالمناسبة انا متايع جديد للمدونة .. بعد اطلاعي على موضوع صندوق النقد الدولي , والذي بالمناسبة اوافقك عليه كليا !
ReplyDeleteعندي طلب يا مولانا .. أريد اسم المسرحية البريطانية !
موفق وشكرا