ما
الذي حدث؟
الذي
حدث أن رئيساً منتخباً قرر ذات مساء أن
يمنح نفسه سلطات مطلقة لم تتوفر لأي رئيسٍ
من قبل في بلاده.
بل
أن سلطاته لا يمكن مقارنتها سوى بمؤسس
الدولة المصرية الحديثة محمد علي باشا..
وفي
الوقت الذي هلل فيه أنصاره وكبروا لما
فعله ابن جماعتهم، فإن خصومه السياسيين
نزلوا إلى الشوارع للمرة الأولى منذ أحداث
ثورة يناير ٢٠١١.
وهنا
لابد من التوقف عند مجموعة من المشاهد
التي تعتبر مدخلاً لفهم ما حدث:
١.
مشهد
حرق مقرات الحزب الحاكم، "حزب
الحرية والعدالة"،
في عدد من المحافظات، وذلك في تكرر لمشهد
مقرات الحزب الوطني الديمقراطي، الحزب
الحاكم سابقاً.
٢.
إصدار
الأوامر لقوات الأمن بالتدخل ومواجهة
المتظاهرين، وعدم التحرك من قبل الرئيس
للتدخل من أجل إيقاف أحداث محمد محمود
الثانية، رغم ارتفاع عدد المصابين.
٣.
توقيت
إصدار القرارات والذي جاء بعد الحفاوة
الأمريكية والغزاوية بإنجاز الرئيس في
التوسط لهدنة بين إسرائيل وحماس.
الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي |
٤.
خطاب
الرئيس الذي استخدم فيه تعابير "قاسية"
وكان
جمهوره من التيار الذي ينتمي إليه، وبدا
فيه زعيماً عشائرياً أكثر من كونه رئيس
دولة يخاطب الأمة.
٥.
الخطاب
الإعلامي الرسمي الذي استلهم أسوأ ما في
تجربته خلال ثورة يناير، وأعاد إنتاجها.
٦.
غياب
أي أفق للحل سواء من الرئيس أو من خصومه
السياسيين، وانحسار الحل في طرح إخواني
يتمثل في أن تذهب القوى السياسية للرئيس
من أجل الحصول على ضمانات، أو طرح من خصوم
الرئيس يتمثل في تخيير مرسي بين التنازل
عن إعلانه الدستوري أو منصبه.
لابد
أيضاً من التوقف عند مواقف الأطراف
الرئيسية المعنية بالأزمة:
١.
موقف
الجيش
هو
الموقف الأكثر غموضاً.
فالرئيس
المنتخب محمد مرسي ساند الجيش في "حقوقه
السيادية"
عندما
خاض معركة القرصاية.
كما
أن فوض صلاحيات التعبئة العامة لوزير
الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة.
ولكن
لا يعني سكوت الجيش عن إعلان مرسي الدستوري
قبوله الدائم به.
فمكانة
مبارك لدى الجيش كانت أكبر من مكانة مرسي
عشرة أضعاف، وبالرغم من ذلك فإن الرجل تم
عزله وخلعه خلال أيام عندما بدا أن الدولة
التي يعتبر الجيش نفسه وصياً عليها، بحكم
ظروف تأسيسها وطبيعة تحدياتها الأمنية،
يمكن أن تسقط.
هل
يتدخل الجيش إذن؟ لا يمكن استبعاد ذلك في
حال اتسعت دائرة المصادمات بين أنصار
الرئيس وخصومه في الشارع.
لكن
تدخل الجيش لن يكون مؤشراً جيداً على قدرة
المصريين على صنع مسار للتحول الديمقراطي
خاص بهم.
أي
أن الساعة ستعود إلى الوراء ستين عاماً.
٢.
موقف
جماعة الإخوان
تنظر
جماعة الإخوان إلى هذه المعركة باعتبارها
معركة حياة أو موت سياسي.
ويبدو
من خلال تحركات أعضائها في مختلف الدوائر،
أنها حشدت كامل طاقتها من أجل المضي قدماً
في دعم إعلان الرئيس الدستوري وإعادة
البرلمان الذي تسيطر عليه إلى الحياة،
خصوصاً وأنها غير متأكدة من أنها يمكن أن
تفوز بنفس عدد المقاعد في أي انتخابات
نيابية قادمة.
والمشكلة
التي تواجه خصوم الرئيس، أن هذه الجماعة،
على عكس الحزب الوطني الديمقراطي، لن
تختفي من على وجه الأرض في حال قوبلت بغضب
شعبي عارم.
فأنصارها
سوف يقاتلون حتى النفس الأخير.
هم
في النهاية مؤدلجون وليسوا مجموعة
انتهازية، مثلما كان حاصلاً مع أعضاء
الحزب الوطني.
لكن
على الجماعة أن تعي أن أي اصطدام واسع بين
أنصارها وبين خصومها في الشارع، سوف يؤدي
إلى خسائر فادحة في أوساط الجماعة وقد
تصل إلى مرحلة الانشقاقات التي تهدد وحدة
صفها.
الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي |
٣.
موقف
الولايات المتحدة
أبدت
امتعاضاً خفيفاً وموافقةً ضمنية!
موقف
يتسق مع موافقة مرسي على الدخول في الفلك
الأمريكي من الباب الواسع.
فهو
وافق من خلال الهدنة الأخيرة بين حماس
وإسرائيل أن يلعب دور شرطي غزة.
وهو
وافق أيضاً على شروط صندوق النقد الدولي
وأهمها رفع الدعم عن الطاقة، وهو ما سيؤدي
إلى اضطرابات شعبية واسعة، لن تصلح معها
سوى سلطات الرئيس الجديدة المطلقة.
٤.
موقف
خصوم مرسي السياسيين
هو
الموقف الأضعف من بين كل مواقف الأطراف
الأخرى.
فالقوى
السياسية لا تبدو أنها قادرة على حشد
أنصارها في الشارع بنفس كفاءة جماعة
الإخوان.
كما
أن التنسيق بينها يبدو غائباً وهو ما يتضح
من خلال تشكيلتها الأقرب إلى طبق السلطة
غير المتجانس.
٥.
موقف
الرئيس
إن
تراجع، فإن ذلك يعني القضاء على هيبته
السياسية لما تبقى من سنوات حكمه.
وقد
يؤدي هذا إلى صعود تيار متشدد داخل جماعته،
يزايد عليه، أو إلى إصابة مفهوم الدولة
بضرر عميق، قد يصعب إصلاحه لاحقاً.
وإن
لم يتراجع، فإن السيناريوهات المطروحة
قاتمة.
لن
تصل إلى مرحلة الحرب الأهلية الشاملة،
لكن لن تقف عند حدود الاصطدامات المحدودة.
ولابد
أن الرئيس يعي أنه إن فشل في احتواء هذه
الأزمة، فإن أطرافاً أخرى في الدولة
مستعدة، وربما "متشوقة"
للتدخل
وحسم الأمور لصالحها.
الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي |
الألماني
الذي تمصر!
يحكى
أن خبيراً ألمانياً في شركة عريقة للسيارات
أتى إلى مصر من أجل مهمة عمل تستغرق سبعة
أشهر.
كان
هذا الخبير يمتلك سيارة فارهة بسائق في
بلاده وذلك لأنه لم يكن يحب قيادة السيارات،
كما أنه لم يتعلم قيادتها أصلاً.
بعد
شهر من الإقامة في مصر، أصيب صاحبنا
الألماني بالضجر وطلب من صديقه المصري
أن يدربه على القيادة.
بعد
أربعة أسابيع من التدريب، أصبح الرجل "جن
سواقة"،
قادراً على خوض أعقد المشاوير من شبرا
إلى مدينة نصر بكفاءة مصرية خالصة.
بعد
أن انتهت مهمته، عاد إلى ألمانيا.
بعد
شهرين صدم بسيارته سيدة وقتلها.
شكراً.