بعد التحية والسلامات.. أتمنى تكون في أفضل حال. عارف إنك كنت مريض. سلامتك
ألف سلامة. وعارف إنك ما كنتش عارف تروح الدكتور بسبب اعتصام النهضة. الاعتصام
اتفض وأتمنى تكون شوفت الدكتور.
أشكرك أولا على نصيحتك ليا بإني أتجنب أتكلم فيما يحدث حاليا جوة مصر، على
أساس إن الصراع عندما ينتهي بانتصار طرف وحيد، سيتم التنكيل، ليس فقط بالطرف الآخر
وإنما بكل الأشخاص اللي ما رفضوا ياخدوا موقف قوي مع الطرف المنتصر خلال المعركة.
بما إنك اتكلمت عن "المعركة"، خلينا نفترض إن فيه حرب بين مصر
وإسرائيل، ومصر خدت أسرى إسرائيليين. هل أخلاقيا مقبول إن مصر تعدم الأسرى دول،
حتى لو رداً على إعدام إسرائيل للأسرى المصريين. خليني أفكرك بإن المعارك والحروب
مش بس صراعات بالسلاح ولكن هي أيضا صراعات أخلاقية. وإن الانتصار فيها بتحدده مدى
التزامك بهذه الأخلاقيات. ورجوعا لفكرة الحرب بين مصر وإسرائيل، فأحب أفكرك إن
الأسرى الاسرائيليين عوملوا بشكل جيد جدا عند المصريين، ولم يتم تعذيبهم. ودة كان
انتصار أخلاقي للمصريين. بينما تم قتل الاسرى المصريين بدم بارد في سيناء. ودي
جريمة لن تسقط ولو بعد ألف سنة.
في الإطار الأخلاقي دة ما ينفعش إنك تقتل مساجين في عربية ترحيلات زي ما
حصل في أبو زعبل. الدولة مش عصابة نازلة تنتقم. وما ينفعش ما تحاسبش المسؤول عن
قتلهم بحجة "إنه ما كانش يقصد، وإننا في حرب وحسابه حيضر بفرص انتصارك في
المعركة"، زي ما أنت قولت في مكالمتنا الأخيرة.
أنا علفكرة مع هيبة الدولة، ومع فرض هذه الهيبة على الجميع. بس مفهومي
لهيبة الدولة غير مفهومك. هيبة الدولة تتحقق بالحفاظ على مواطنيها وبحمايتهم
وبتطبيق العدل، مش بالقمع أو السحق والقتل بدون محاكمة والتعذيب. نظام مبارك وقع
لأنه ضرب هيبة الدولة لما بقى النظام يطبق القانون على البعض ويسيب البعض الآخر.
لما بقت هيبة الدولة هي قدرة الأجهزة الأمنية على التنكيل بالمعارضين. الدولة يا
صديقي ليست عصابة في مواجهة عصابات أخرى. الدولة هي نظام كلنا نخضع له من خلال
القانون.
في لبنان حدث ذات مرة إن أهالي قرية قبضوا على شاب مصري هناك بتهمة إنه
اغتصب وقتل طفلة. جريمة بشعة. الشرطة اعتقلت الشاب تمهيدا للتحقيق معاه لكن الأهالي
خطفوه من الشرطة وسحلوه وقتلوه بشكل بشع وشنيع وتم تصوير كل دة صوتا وصورة وتم
نشره على أوسع نطاق. هل هنا ممكن نتكلم عن وجود حاجة اسمها الدولة اللبنانية؟ يعني
أنت لم تحقق مع المتهم أو تقاضيه أو تطبق عليه القانون وتركت الأمر للناس. يبقى
فين الدولة؟!
يا صديقي التعريف البسيط للدولة إنها الطرف الوحيد الذي يحتكر استخدام العنف.
لما نسكت على العمليات الانتقامية على اعتبار إنها رد على مذابح يرتكبها طرف، يبقى
فين الدولة؟!
مشكلتنا مع مرسي إنه كان عايز يهد الدولة. طيب إحنا خلعناه واعتقلناه
وحيتقدم للمحاكمة. هل ينفع تعذبه؟ طيب هل ينفع تعدمه بدون محاكمة عادلة؟ طبعا لأ.
لأن دة هدم لفكرة الدولة اللي أنت بتدافع عنها. وما ينطبق على مرسي ينطبق على
الكل.
أما بالنسبة للمذابح اللي ارتكبت في سيناء ضد الجنود المصرين فدي جريمة
بشعة وحقيرة وخسيسة ولازم يتم اعتقال مرتكبيها ويتحاكموا ثم بعد الادانة يعدموا في
ميدان عام. بس ما ينفعش مثلا يتعمل غارات جوية على قرى هما عايشين فيها بدعوى إن
أنت في حرب وإن دي اللي أنت أطلقت عليه collateral damage. كدة يبقى أنت بتهدم الدولة اللي أنت حريص
على بنائها. مذبحة كرداسة وأسوان بينطبق عليهم نفس الفكرة. يتم القبض على
المرتكبين. يحاكموا بشكل علني ثم بعد الادانة يعدموا في ميدان عام. بس ما ينفعش
تمارس عليهم التعذيب أو الانتقام. دي ألف باء دولة وألف باء قانون وألف باء مجتمع
متحضر.
إذا كنا دائما بنتكلم عن إن الحضارة بدأت في مصر قبل الإنسانية كلها وإن
المجتمع المصري يتميز عن كل جيرانه بإنه مجتمع متحضر ومدني وله إطار يجمعه وهو
فكرة "الدولة الأمة" the nation state وإن المفهوم دة مش موجود في دول كثيرة وإن
مصر تعتبر من الدول القليلة في العالم اللي بتتميز بدة.. إذا كنا مؤمنين بكل دة،
فمينفعش تتورط في ممارسات انتقامية ترجعك لفكرة المجتمعات القبلية وتتكلم عن بناء
الدولة.
مش عايز أثقل عليك يا صديقي ولكن دي معركة أخلاقية وأتمنى أن لا نخسرها.
أما بالنسبة إن كل ما أكتبه مسجل عليا وحتحاسب عليه بعدين، فبصرف النظر مين
من الناس بيسجل ليا أو مين من الناس حيحاسبني، فالأهم من دة إن اللي باقوله متسجل
ليا عند ربنا وهو اللي حيحاسبنا كلنا. رزقي في إيد اللي خلقني. ولو خسرت نفسك
خوفاً من الناس، عمرك ما حترفع راسك.
يمكن تعتبر السطور الأخيرة تليق بمسرحية أو مسلسل، ولكن للأسف دي الحقيقة.
إحنا أمام خيارات أخلاقية لا ترحم، والتمسك بيها هو اللي بيحدد أي نوع من البني
آدمين نحن.
نصيحة أخيرة: حاول تسيب البلد وتهاجر لأن البقاء في الجو المتوحش دة، يبدو
إنه بيأثر على رؤية الناس للأمور.
السلام ختام وربنا يحفظك ويحفظنا من الجنون.
الجنون أصبح يا صديقى العزيز سمة كل شارع و كل بيت فى مصر... الجنون و التعطش للدماء ظنا من الجميع إن ديه القوة و ده "استعادة" هيبة الدولة
ReplyDeleteفعلا نحن نتبع قانون الغابه في كل جوانب الحياه ...روعه يا سيد.احمد كالعاده
ReplyDeleteفى الغالب ده الصديق اللى وصف مدونة "الانكار لا يفيد" بانه كلام نظرى...وبغض النظر عن انى اول مرة اقرالك حاجه توصللى احساس بالارتبك على غير عادتك فى الكتابة ,وجهة مضمون الرسالة صحيحة تماما من وجهة نظرى......"مفهوم هيبة الدولة" محتاج تصحيح لدى الكثيرين واللوذ بالصمت لم و لن يكن حلا...روج لفكرتك وناقشها و نقحهاواقبل اشكال النقد من اقرب المقربين...عندى احساس بان عموم الناس ابتدوا يحسوا بحجم المبالغات بخصوص مسألة "الحرب"دى وابتدوا بعد القبض على القيادات يفوقوا للفيل الابيض القابع معنا فى الحجرة "المؤسسات الامنية"....مدوناتك كلها ممتازة كالعادة....اسمحلى اقتبس بتصرف عالفيسبوك ويا ريت تظهر هناك قريب ....تحياتى
ReplyDelete