Sunday, 22 December 2013

على هامش الجنون.. أنت مع مين؟


هناك بعض النقاط التي يجب ذكرها قبل الإجابة على السؤال الذي بات توجيهه لي متكرراً: أنت مع مين؟ معانا ولا معاهم؟

أولاً: أنا لست شخصية عامة أو لدي أوهام الشخصية العامة كي يكون تحديد موقفي من ما يجري مهماً. لكن ما حدث بفضل طوفان شبكات التواصل الاجتماعي أن رأي المهتمين بالشأن العام (من منازلهم) أصبح سريع الوصول لعدد كبير من الناس. وأن من بين هذا العدد الكبير من الناس من هو مهتم بتصنيفك.

ثانياً: هذا السؤال يعكس وجهاً من ضمن أوجه كثيرة، لحالة الاستقطاب الحاد التي يمر بها المجتمع المصري. وهذا منطقي ومتوقع بعد تغيير أربع رؤساء خلال أقل من ثلاث سنوات. رقم قياسي بالنسبة لأي دولة تعصف بها كل هذا القدر من الاضطرابات السياسية والشعبية.

ثالثاً: ما سأقوله ليس دفاعاً عن نفسي وإنما يمكن التعامل معه باعتباره إقراراً مني بالأفكار التي آمنت بها خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي قد تكون محل خلاف بين الناس حالياً. كما أن السطور القادمة، ينطبق عليها كما ينطبق على غيرها، قول الإمام الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.

أنا مع مين؟

في الحقيقة أنا لست مع أحد ولن أكون مع أحد بعينه. لأنني قد أقف اليوم مع أناس أعتقد أنهم على صواب، ثم تتغير الظروف فاضطر أن أقف ضدهم. لهذا فقد حسمت أمري مبكراً وقررت أن أقف مع مجموعة بسيطة من المبادئ والأفكار. ووفق هذه المبادئ والأفكار يمكن معرفة موقفي مما يجري.

أولاً: لا أستطيع بحكم جذوري العائلية التي تنتمي الى الطبقة الوسطى والتي ربما (وهذا ما لا أعلمه حالياً) كانت في أزمنة مضت تنتمي الى طبقاتٍ أفقر، أن أقف الى جانب الأثرياء أو النبلاء أو أترحم على العصر الملكي. لم يكن أحداً من عائلتي الكبيرة وزيراً للحقانية أو حاملاً للقب باشا أو نديماً لمولانا الملك أو أميراً من الأسرة العلوية أو نبيلاً من أصول تركية أو شركسية، أو كل هذه الأشياء التي يفتخر بها البعض للتأكيد على عدم انتمائهم لهذا الشعب "من الرعاع". أنا إذن من هؤلاء "الرعاع".

وبالتالي فإن تموضعي الطبيعي سيكون التعاطف دائماً مع الفقراء وغير القادرين على الوصول الى خدمات الصحة والتعليم الجيد بسبب ظروفهم الاقتصادية. وهذا التعاطف الذي ستجده موجوداً في تدويناتي، ليس حباً في الفقر أو تغزلاً في الفقراء، ولا إيماناً بفكر اشتراكي أو يساري، وإنما لأنني كنت سأكون، لولا مقادير الله، أحد هؤلاء الذين حصلوا على تعليم رديء وفشلوا في الحصول على خدمات صحية جيدة، وضاع عمرهم في البحث عن عملٍ كريم، ووصل بهم الحال الى نفس النقطة التي وصل إليها حال الكثيرين من أبناء مصر في أحيائها العشوائية وقراها النائية.

ثانياً: لا أستطيع أن أوافق على القتل أو أهلل له أو أمتدحه، بصرف النظر عن اختلافي أو اتفاقي السياسي مع المقتول.

كنت قد حذرت من وصول الإخوان المسلمين الى الحكم. وكتبت تدوينة شهيرة حملت عنوان "جمهوري إسلامي مصر" قبل الجولة الثانية من الانتخابات، أتخيل فيها حال مصر بعد عشر سنوات، في حال وصول محمد مرسي للحكم. ومن العجيب أنه هلل لهذه التدوينة ونشرها من اتهموني لاحقاً بأنني "إخوان مستتر"..!

وخلال السنة التي حكم فيها الاخوان مصر من خلال دميتهم مرسي، كتبت مجموعة من التدوينات التي حملت انتقاداً قاسياً لهم. بل وفي أكثر من تدوينة تنبأت بتدخل الجيش على النحو الذي حدث بعدها بأشهر. ولم أكن أبشر بهذا التدخل وإنما كنت أعتقد حينها، ولا أزال أحمل نفس الاعتقاد، أن تدخل الجيش لعزل مرسي لن يكون أمراً مثالياً أو جيداً على المسار الديمقراطي، ولكنه ضروري بسبب سياسات الاخوان في معاداة الجميع وما أظهروه من خطر على فكرة الدولة نفسها. كما أن هذا التدخل استدعاه مرسي نفسه عندما تخلى عن دوره كرئيس لكل المصريين وفضل أن يكون رئيساً لفصيلٍ منهم.

لكن عندما حدثت مذبحة فض رابعة، لم أستطع أن أعبر عن فرحتي وسروري في مقتل ستمائة شخص، على الرغم من اختلافي السياسي مع الحشد في رابعة واختلافي مع من دعوا للحشد واختلافي مع أهداف هذا الحشد. وفي تدوينة بعنوان "على هامش الجنون.. الإنكار لا يفيد!" كتبت أن ما حدث مذبحة وأنه لا يمكن الموافقة على قتل الناس.

على الجانب الآخر لم أستطع أن أتخيل أن هناك من يشمت في مقتل ضباط أو جنود في سيناء أو في أي بقعة من أرض مصر، أو القبول بالشماتة في اغتيال ضابط الأمن الوطني محمد مبروك. ولا أزال أشعر بالضيق الشديد من هؤلاء الذين يعتقدون أن القتل سيحقق أهدافهم السياسية أو سيدخلهم الجنة. أو أن الشماتة في الموت ستجعلهم أكثر ثورية من الآخرين!


فمع من أقف؟

بالتأكيد لن أقف مع القاتل ولن أعتبر أن فعل القتل أمرٌ يستحق الاحتفاء به!




ثالثاً: اختر طرفاً من الأطراف التالية، يمكن أن تحسب عليه: النشطاء، من يدعون أنهم يمثلون ثورة يناير، من يدعون أنهم "الفلول اللي مصلحتها على البلد"، الإخوان ومن يناصرون "الشرعية والرئيس المدني المنتخب ونضال رابعة"؟

لست ناشطاً ولم أكن يوماً ناشطاً ثورياً أو سياسياً أو رياضياً. تركت مصر وأنا ابن ثلاث سنوات، ولم أقم بها إقامة دائمة أو مؤقتة منذ عام ١٩٨٣. كنت أزورها على فترات متباعدة. لم أكن من الداعين أو المشاركين في ثورة يناير ٢٠١١ ولم أكن موجوداً حينها في مصر. كما لم أكن من الداعين أو المشاركين في احتجاج ٣٠ يونيو ولم أكن موجوداً حينها في مصر. المرة الأخيرة التي زرت فيها مصر كانت بعيد انتخاب مرسي رئيساً بأيام.

لا تربطني أي علاقات شخصية مع أي رمز ثوري أو ناشط معروف. لم أظهر في أجهزة الإعلام كمتحدث باسم ائتلاف أو حركة أو جبهة، ولم أكن عضواً في ٦ أبريل أو تمرد. كما أنني لم أوقع على استمارة تمرد. لكنني صوتت بـ"لا" على دستور الإخوان وقاطعت الجولة الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية.

أعتقد أنه من الظلم للنشطاء ومن يدعون أنهم يمثلون ثورة يناير ٢٠١١ أن يتم تصنيفي كواحد منهم! فأنا أكسل من أكون ناشطاً في أي شيء سوى في كتابة ما أعتقد أنه صواب!

أما بالنسبة "للفلول اللي مصلحتهم على البلد وبيحترموا اللواء البطل عمر سليمان الله يرحمه والفريق أحمد شفيق"، فموقفي من نظام الرئيس مبارك ورموزه بات معروفاً لدى الجميع. والحمد لله أنني تلقيت ولا أزال نصيبي من "جواهر وتحف" هذا الفريق الوطني المخلص.

وما ينطبق على الفريق السابق ذكره، ينطبق على فريق "الشرعية ومانديلا العرب مرسي". وقد تلقيت منهم أيضاً ما يشي بأن هناك فجوة كبيرة بين سماحة الدين الإسلامي العظيم وبين من يدعون أنهم يمثلونه!

وفي النهاية أعتقد أنه إذا كان لابد من تصنيفي، فإن السطور التي كتبتها سابقاً وأعيدها الآن هي أفضل ما يمكن أن يتم تصنيفي وفقها:

"بالرغم من كل التعقيدات المحيطة بالحالة المصرية لكن الحل يكمن في الاستجابة لثلاث كلمات، هي: الحرية، الكرامة، العدالة. فالناس بصرف النظر عن توجهاتها السياسية أو دعمها لمرسي أو مبارك أو السيسي أو أي شخص، تريد أن تشعر أنها قادرة على التعبير عن آرائها بحرية وأنه لا توجد وصاية عليهم من نظام ديني أو نظام عسكري. الناس أيضاً بصرف النظر عن توجهاتها السياسية تريد أن تشعر بكرامتها الإنسانية سواء في أقسام الشرطة أو المواصلات العامة أو العمل. الناس أيضاً بصرف النظر عن توجهاتها السياسية تريد أن تشعر أن هناك عدالة في المجتمع الذي تعيش فيها فيما يتعلق بقدرتهم على الوصول للخدمات والتعليم والصحة. الناس أيضاً بصرف النظر عن توجهاتها السياسية تريد أن تشعر أن هناك أملاً في مستقبل البلد الذي يعيشون فيه وأنه لا ينبغي عليهم التفكير الدائم في الهجرة من أجل تأمين مستقبل أبنائهم."

Friday, 20 December 2013

على هامش الجنون: احذر.. فقد تكون أنت التالي




بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي أصبح من الصعب تحديد تعريف واضح للجريمة الجماعية أو الجريمة الفردية.

مثلا وقعت بعض الجرائم من أفراد ينتمون الى جماعة الاخوان خلال احتجاجاتهم على عزل مرسي. وأدت هذه الجرائم الى وجود موجة غضب شعبي تدعو الى الانتقام من جميع أفراد الجماعة، بصرف النظر عن كونهم قد شاركوا في ارتكاب هذه الجرائم أم لا. وأصبح من الشائع قراءة مانشيتات في الصحف تقول: الاخوان يذبحون سائق تاكسي في المنصور.. أو الاخوان يحطمون واجهات المحال في الاسكندرية.. 

وما يقوله لنا العقل والمنطق في هذه المسألة أن مرتكب الجريمة هو الذي يحاسب بصرف النظر عن انتمائه لجماعة دينية أو عرقية ما. بمعنى أنه لا يجوز محاسبة جميع أفراد الجماعة بسبب تصرف فردي. 

لكن هناك بعض الاعتقادات الشعبية الشائعة (التي يغذيها الاعلام) تؤدي الى نتائج غير منطقية!

١. يعتقد بعض المصريين أن المنتمين لجماعة الاخوان لا ينتمون بالضرورة للشعب المصري. اعتقاد خاطئ ولكنه موجود.

٢. يعتقد المذكورون في النقطة الأولى أن رد الفعل الشعبي الجماعي الغاضب أو قمع الدولة المبالغ فيه لجميع أفراد الجماعة هو نتيجة طبيعية ومنطقية لسلوك بعض أفراد الجماعة. اعتقاد خاطئ أيضا لكنه موجود.

٣. من يعتقد بصحة ما هو موجود في النقطة الأولى والثانية يعتقد بأن جميع أفراد الاخوان ينتمون الى طائفة غريبة عن باقي الشعب المصري. اعتقاد خاطئ أيضا لكنه موجود.

٤. لكن من المدهش أن كل المؤمنين بالاعتقادات الواردة في النقاط الثلاث السابقة يعتبرون أن عملا ارهابيا في أوروبا أو أمريكا من قبل مسلم لا يبرر الاساءة الجماعية لجميع المسلمين في الغرب! مع أن التدقيق في المسألة يعني ببساطة أننا نتعامل مع نفس الحالة! فالبعض في المجتمعات الغربية يعتقد أيضا أن المسلمين طائفة غريبة على مجتمعاتهم وتريد هلاكها. 

قبل أن تتورط في معاداة المختلفين معك، تذكر أنه سيأتي يوم وتصبح أنت هو هذا الآخر الذي يطالب الآخرون بقمعه والتنكيل به!

الحل هو تطبيق القانون دون الانجرار الى الانتقام.

Sunday, 15 December 2013

على هامش الجنون: مرسي الديمقراطي والغرب


أحمد: طالب دراسات عليا في لندن. بروفيسور تيموثي ماكفرين (يعرف اختصاراً باسم تيم): أستاذ علوم سياسية أميركي ومستشار لوزارة الدفاع الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط.


تيم: الذي حدث في مصر هو استهداف للديمقراطية في العالم العربي والعالم الثالث.

أحمد: كيف؟ لا أفهم؟

تيم: الجيش أثبت أنه لا يريد أن يفقد السلطة في مصر.

أحمد: أعتقد أن الوضع في مصر أعقد كثيراً مما تعتقد ومما أنت تقوم بتبسيطه عندما تقول إنه ضرب لما تسميه "الديمقراطية" في مصر والعالم العربي.

تيم: كيف؟

أحمد: أولاً لابد من الاعتراف أن العالم العربي منذ أن تحرر من فترة الاستعمار في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وهو منشغل بصراعاته الداخلية أو بالصراع مع إسرائيل وهو الأمر الذي جعل من الصعب أن تنمو بذور أي نظام ديمقراطي في العالم العربي. ولكن لابد أيضاً من الإشارة هنا الى أن الولايات المتحدة لعبت الدور الأكبر في منع أي تطور ديمقراطي في العالم العربي.

تيم: الآن ستبدأ في إلقاء اللوم على الولايات المتحدة.. نحن بالمناسبة في واشنطن كان لدينا موقفاً داعماً للرئيس المنتخب مرسي.

أحمد: قبل التطرق الى موضوع الدعم الأمريكي لمرسي أو الديمقراطية في أعقاب ما يسمى بالربيع العربي، أعتقد أنه لابد للولايات المتحدة أن تعترف بأدوارها التاريخية التي باتت معروفة الآن في دعم كل الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، بل وعقد الصفقات معها.
الولايات المتحدة لم تكن مهتمة لفترة طويلة بأي تطور ديمقراطي في مصر وذلك لأن أساس العلاقة مع القاهرة كانت تتلخص في حفظ السلام مع إسرائيل، وفي وجود القاهرة كطرف في المخططات الأمريكية الإقليمية مثل شحن المجاهدين والسلاح الى أفغانستان في الثمانينات من أجل محاربة السوفييت. أما العلاقة في سورية الأسد فكانت أيضاً مجموعة من الصفقات لعل من أبرزها المشاركة السورية في حرب الخليج 1991 مقابل ترك لبنان لنظام الأسد. الصفقات مع بن علي في تونس كانت معروفة للجميع وكان الأوروبيون طرفاً رئيسياً فيها. كانت تونس هي نموذج التنمية المفضل بالنسبة للغرب بالرغم من سجل بن علي المروع في حقوق الانسان. ولو اتجهنا شرقاً وتحديداً الى منطقة الخليج، فالكل يعلم ما هو شكل العلاقة بين الغرب وهذه الدول وكيف لم تطالب واشنطن حتى الآن بأي ديمقراطية في دول الخليج! وبالتالي  لم يكن الغرب حريصاً على إقامة أي نظام ديمقراطي في العالم العربي.

تيم: لكن مرسي كان بدايةًَ جيدة لصنع مسار ديمقراطي في مصر بعد الانتفاضة الشعبية في يناير 2011.

أحمد: كلامك كان سيكون صحيحاً لو لم يكن مرسي أول المنقلبين على الديمقراطية في مصر عندما أصدر إعلانه الدستوري أو عندما سمح لميليشيا بتعذيب الناس على أسوار قصره الرئاسي فيما عرف بأحداث الاتحادية. لا بد أن نتذكر أن أحد الأسباب الرئيسية لقيام ثورة يناير أو ما تسميها أنت انتفاضة يناير 2011، هو قمع وزارة الداخلية المنهجي الذي كانت تمارسه بحق المواطنين سواء في القضايا السياسية أو الجنائية، وأن هذه الوزارة التي تحولت الى الذراع المكلف بالبطش لنظام مبارك، كانت هي التي تم الانتقام منها خلال أيام الثورة على مبارك. حاول أن تشرح لي كيف لم يكن من ضمن أولويات أول رئيس منتخب بعد الثورة أن يعمل على إصلاح وزارة الداخلية وإعادة هيكلتها من أجل أن تقوم بحفظ الأمن وفي نفس الوقت ألا تتورط في انتهاكات لحقوق الانسان. ما حدث أن مرسي وخلال خطابات مسجلة ومذاعة حاول أن تكون الداخلية هي ذراعه الأمني بل وقال عنها إنها "في القلب من ثورة يناير". لم يكن هدف مرسي، وكي نكون منصفين جماعة الاخوان التي كانت تحركه، إصلاح وزارة الداخلية. بل كان هدفهم الرئيسي كيف أن تعمل هذه الوزارة لخدمتهم كما كانت تفعل مع نظام مبارك.
وبالتالي قبل أن تحدثني عن مرسي "الديمقراطي" لابد أولاً أن تحدثني عن إرثه "الديمقراطي".

تيم: لكن هل تعتقد أن الجيش هو من سيقوم بصنع الديمقراطية في مصر؟!

أحمد: لا أحد من الذين يؤمنون بأن إصلاح مصر يكمن في صنع نظام ديمقراطي قوي وفعال وقادر على تطبيق مبادئ المساواة بين المواطنين وتوفير الفرص المتساوية لهم في الحياة والعمل والتعليم والمشاركة السياسية، لديه أي أوهام حول دور الجيش في الحياة السياسية أو أن الجيش يمكن أن يكون صانعاً للديمقراطية في مصر. ولكن لابد أيضاً من فهم طبيعة الحالة المصرية. هذه دولة يعتبر فيها الجيش الشبكة المركزية الوحيدة التي تربط أوصالها، وبالتالي فإن أي تفكك لهذا الجيش يعني وقوع البلاد في أتون حرب أهلية، ستجعل ما يحدث في سورية الآن يبدو كنكتة. من المهم أن يكون الجيش أحد الأطراف الموجودة على الطاولة بالإضافة الى قوى المجتمع الأخرى عند الحديث عن مستقبل الدولة أو شكلها، ولكن من غير المقبول أن يكون الجيش بعيداً عن المحاسبة أو المراقبة لأن ذلك سيعيد سيناريو ما حدث في ستينيات القرن الماضي عندما كان قائد الجيش هو المشير عبد الحكيم عامر.
ولكني بالطبع أتفهم الغضب الأمريكي من الجيش المصري بسبب كسره لقواعد العلاقة مع الولايات المتحدة عندما أطاح بحليف واشنطن في المنطقة، الرئيس مرسي، والذي لعب دوراً مهماً في التهدئة الأخيرة بين حماس وإسرائيل، وكان مستعداً لفعل المزيد من أجل ضمان المصالح الأمريكية في المنطقة. وعلى أي حال فإن وفوداً من جماعة الإخوان جاءوا الى لندن والتقوا بنواب في لجان العلاقات الخارجية في مجلس العموم وقدموا وعوداً بأنهم سيكونون أوفياء للمصالح الغربية إذا ما ساعدهم الغرب على العودة الى الحكم في مصر. وهكذا فعلوا عندما ذهبوا الى واشنطن مؤخراً.

تيم: إذن كيف تنظر الى المستقبل الآن وقد بدا أنه لا الإخوان، وفق ما تقول، أو الجيش يريدون أو يرغبون في ديمقراطية في مصر؟

أحمد: بالرغم من كل التعقيدات المحيطة بالحالة المصرية لكن الحل يكمن في الاستجابة لثلاث كلمات، هي: الحرية، الكرامة، العدالة. فالناس بصرف النظر عن توجهاتها السياسية أو دعمها لمرسي أو مبارك أو السيسي أو أي شخص، تريد أن تشعر أنها قادرة على التعبير عن آرائها بحرية وأنه لا توجد وصاية عليهم من نظام ديني أو نظام عسكري. الناس أيضاً بصرف النظر عن توجهاتها السياسية تريد أن تشعر بكرامتها الإنسانية سواء في أقسام الشرطة أو المواصلات العامة أو العمل. الناس أيضاً بصرف النظر عن توجهاتها السياسية تريد أن تشعر أن هناك عدالة في المجتمع الذي تعيش فيها فيما يتعلق بقدرتهم على الوصول للخدمات والتعليم والصحة. الناس أيضاً بصرف النظر عن توجهاتها السياسية تريد أن تشعر أن هناك أملاً في مستقبل البلد الذي يعيشون فيه وأنه لا ينبغي عليهم التفكير الدائم في الهجرة من أجل تأمين مستقبل أبنائهم.

تيم: لكن هذا سيأخذ وقتاً طويلاً..

أحمد: إذن لابد من البدء الآن!