Sunday 15 December 2013

على هامش الجنون: مرسي الديمقراطي والغرب


أحمد: طالب دراسات عليا في لندن. بروفيسور تيموثي ماكفرين (يعرف اختصاراً باسم تيم): أستاذ علوم سياسية أميركي ومستشار لوزارة الدفاع الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط.


تيم: الذي حدث في مصر هو استهداف للديمقراطية في العالم العربي والعالم الثالث.

أحمد: كيف؟ لا أفهم؟

تيم: الجيش أثبت أنه لا يريد أن يفقد السلطة في مصر.

أحمد: أعتقد أن الوضع في مصر أعقد كثيراً مما تعتقد ومما أنت تقوم بتبسيطه عندما تقول إنه ضرب لما تسميه "الديمقراطية" في مصر والعالم العربي.

تيم: كيف؟

أحمد: أولاً لابد من الاعتراف أن العالم العربي منذ أن تحرر من فترة الاستعمار في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وهو منشغل بصراعاته الداخلية أو بالصراع مع إسرائيل وهو الأمر الذي جعل من الصعب أن تنمو بذور أي نظام ديمقراطي في العالم العربي. ولكن لابد أيضاً من الإشارة هنا الى أن الولايات المتحدة لعبت الدور الأكبر في منع أي تطور ديمقراطي في العالم العربي.

تيم: الآن ستبدأ في إلقاء اللوم على الولايات المتحدة.. نحن بالمناسبة في واشنطن كان لدينا موقفاً داعماً للرئيس المنتخب مرسي.

أحمد: قبل التطرق الى موضوع الدعم الأمريكي لمرسي أو الديمقراطية في أعقاب ما يسمى بالربيع العربي، أعتقد أنه لابد للولايات المتحدة أن تعترف بأدوارها التاريخية التي باتت معروفة الآن في دعم كل الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، بل وعقد الصفقات معها.
الولايات المتحدة لم تكن مهتمة لفترة طويلة بأي تطور ديمقراطي في مصر وذلك لأن أساس العلاقة مع القاهرة كانت تتلخص في حفظ السلام مع إسرائيل، وفي وجود القاهرة كطرف في المخططات الأمريكية الإقليمية مثل شحن المجاهدين والسلاح الى أفغانستان في الثمانينات من أجل محاربة السوفييت. أما العلاقة في سورية الأسد فكانت أيضاً مجموعة من الصفقات لعل من أبرزها المشاركة السورية في حرب الخليج 1991 مقابل ترك لبنان لنظام الأسد. الصفقات مع بن علي في تونس كانت معروفة للجميع وكان الأوروبيون طرفاً رئيسياً فيها. كانت تونس هي نموذج التنمية المفضل بالنسبة للغرب بالرغم من سجل بن علي المروع في حقوق الانسان. ولو اتجهنا شرقاً وتحديداً الى منطقة الخليج، فالكل يعلم ما هو شكل العلاقة بين الغرب وهذه الدول وكيف لم تطالب واشنطن حتى الآن بأي ديمقراطية في دول الخليج! وبالتالي  لم يكن الغرب حريصاً على إقامة أي نظام ديمقراطي في العالم العربي.

تيم: لكن مرسي كان بدايةًَ جيدة لصنع مسار ديمقراطي في مصر بعد الانتفاضة الشعبية في يناير 2011.

أحمد: كلامك كان سيكون صحيحاً لو لم يكن مرسي أول المنقلبين على الديمقراطية في مصر عندما أصدر إعلانه الدستوري أو عندما سمح لميليشيا بتعذيب الناس على أسوار قصره الرئاسي فيما عرف بأحداث الاتحادية. لا بد أن نتذكر أن أحد الأسباب الرئيسية لقيام ثورة يناير أو ما تسميها أنت انتفاضة يناير 2011، هو قمع وزارة الداخلية المنهجي الذي كانت تمارسه بحق المواطنين سواء في القضايا السياسية أو الجنائية، وأن هذه الوزارة التي تحولت الى الذراع المكلف بالبطش لنظام مبارك، كانت هي التي تم الانتقام منها خلال أيام الثورة على مبارك. حاول أن تشرح لي كيف لم يكن من ضمن أولويات أول رئيس منتخب بعد الثورة أن يعمل على إصلاح وزارة الداخلية وإعادة هيكلتها من أجل أن تقوم بحفظ الأمن وفي نفس الوقت ألا تتورط في انتهاكات لحقوق الانسان. ما حدث أن مرسي وخلال خطابات مسجلة ومذاعة حاول أن تكون الداخلية هي ذراعه الأمني بل وقال عنها إنها "في القلب من ثورة يناير". لم يكن هدف مرسي، وكي نكون منصفين جماعة الاخوان التي كانت تحركه، إصلاح وزارة الداخلية. بل كان هدفهم الرئيسي كيف أن تعمل هذه الوزارة لخدمتهم كما كانت تفعل مع نظام مبارك.
وبالتالي قبل أن تحدثني عن مرسي "الديمقراطي" لابد أولاً أن تحدثني عن إرثه "الديمقراطي".

تيم: لكن هل تعتقد أن الجيش هو من سيقوم بصنع الديمقراطية في مصر؟!

أحمد: لا أحد من الذين يؤمنون بأن إصلاح مصر يكمن في صنع نظام ديمقراطي قوي وفعال وقادر على تطبيق مبادئ المساواة بين المواطنين وتوفير الفرص المتساوية لهم في الحياة والعمل والتعليم والمشاركة السياسية، لديه أي أوهام حول دور الجيش في الحياة السياسية أو أن الجيش يمكن أن يكون صانعاً للديمقراطية في مصر. ولكن لابد أيضاً من فهم طبيعة الحالة المصرية. هذه دولة يعتبر فيها الجيش الشبكة المركزية الوحيدة التي تربط أوصالها، وبالتالي فإن أي تفكك لهذا الجيش يعني وقوع البلاد في أتون حرب أهلية، ستجعل ما يحدث في سورية الآن يبدو كنكتة. من المهم أن يكون الجيش أحد الأطراف الموجودة على الطاولة بالإضافة الى قوى المجتمع الأخرى عند الحديث عن مستقبل الدولة أو شكلها، ولكن من غير المقبول أن يكون الجيش بعيداً عن المحاسبة أو المراقبة لأن ذلك سيعيد سيناريو ما حدث في ستينيات القرن الماضي عندما كان قائد الجيش هو المشير عبد الحكيم عامر.
ولكني بالطبع أتفهم الغضب الأمريكي من الجيش المصري بسبب كسره لقواعد العلاقة مع الولايات المتحدة عندما أطاح بحليف واشنطن في المنطقة، الرئيس مرسي، والذي لعب دوراً مهماً في التهدئة الأخيرة بين حماس وإسرائيل، وكان مستعداً لفعل المزيد من أجل ضمان المصالح الأمريكية في المنطقة. وعلى أي حال فإن وفوداً من جماعة الإخوان جاءوا الى لندن والتقوا بنواب في لجان العلاقات الخارجية في مجلس العموم وقدموا وعوداً بأنهم سيكونون أوفياء للمصالح الغربية إذا ما ساعدهم الغرب على العودة الى الحكم في مصر. وهكذا فعلوا عندما ذهبوا الى واشنطن مؤخراً.

تيم: إذن كيف تنظر الى المستقبل الآن وقد بدا أنه لا الإخوان، وفق ما تقول، أو الجيش يريدون أو يرغبون في ديمقراطية في مصر؟

أحمد: بالرغم من كل التعقيدات المحيطة بالحالة المصرية لكن الحل يكمن في الاستجابة لثلاث كلمات، هي: الحرية، الكرامة، العدالة. فالناس بصرف النظر عن توجهاتها السياسية أو دعمها لمرسي أو مبارك أو السيسي أو أي شخص، تريد أن تشعر أنها قادرة على التعبير عن آرائها بحرية وأنه لا توجد وصاية عليهم من نظام ديني أو نظام عسكري. الناس أيضاً بصرف النظر عن توجهاتها السياسية تريد أن تشعر بكرامتها الإنسانية سواء في أقسام الشرطة أو المواصلات العامة أو العمل. الناس أيضاً بصرف النظر عن توجهاتها السياسية تريد أن تشعر أن هناك عدالة في المجتمع الذي تعيش فيها فيما يتعلق بقدرتهم على الوصول للخدمات والتعليم والصحة. الناس أيضاً بصرف النظر عن توجهاتها السياسية تريد أن تشعر أن هناك أملاً في مستقبل البلد الذي يعيشون فيه وأنه لا ينبغي عليهم التفكير الدائم في الهجرة من أجل تأمين مستقبل أبنائهم.

تيم: لكن هذا سيأخذ وقتاً طويلاً..

أحمد: إذن لابد من البدء الآن!


1 comment: