Wednesday, 28 January 2015

ملكٌ جديد في مملكة ابن سعود


ينظر البعض للمملكة الصحراوية باعتبارها خزاناً كبيراً للنفط. ولكنها خلال أعوامها الثمانين استطاعت أن تجد لها أهمية أكبر من فكرة ارتباطها بالنفط. فالسعودية اليوم هي أحد المفاتيح الرئيسية لإقليم الشرق الأوسط، وهي أحد الخطوط الأمامية لأي مواجهة للغرب مع إيران.
كما أن لديها تأثيراً ضخماً في محيطها. يكفي أن السعودية التي يبلغ تعداد سكانها حوالي ٢٨ مليوناً، قادرة على التأثير في بلد بحجم مصر والتي يبلغ تعداد سكانها نحو تسعين مليوناً، بسبب العمالة المصرية. وهو ما انعكس في تغيرات اجتماعية وثقافية حدثت لقطاعات واسعة من المجتمع المصري عندما بدأت هذه العمالة في العودة إلى بلدها محملة بمفاهيم، تأثرت بثقافة أهل المملكة.
كما لابد من الالتفات إلى الثقل الديني للمملكة السعودية، والإنفاق المالي الضخم على الترويج لهذا الثقل في بلاد العالم الإسلامي من خلال المراكز الإسلامية التي تمولها السعودية والتي تتبنى تفسير الإمام محمد بن عبد الوهاب للإسلام.
لكن أهمية المملكة في هذا التوقيت بالذات تأتي من أنها على شفا مرحلة من التغيرات العميقة التي قد يكون لها تأثيرات هائلة على محيطها الإقليمي، وخصوصاً دول الخليج.
معضلة انتقال الحكم
بعد رحيل الملك فهد بن عبد العزيز في عام 2005، كان المهتمون بالشأن السعودي يعلمون أن ولي العهد عبد الله بن عبد العزيز سيخلف أخاه، وأن الأمير سلطان سيكون ولياً للعهد، والأمير نايف، وزير الداخلية، ولياً لولي العهد، وأن الأمير سلمان سيكون على خط وراثة الحكم في المملكة التي تأسست قبل أكثر من ثمانية عقود.
لكن ما حدث بعد ذلك جعل خط الحكم الأول في السعودية ينتقل الى جيل أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود. فولي العهد سلطان رحل عن الحياة عام 2011، وبعده بعام واحد رحل ولي العهد الأمير نايف بن عبد العزيز، ليصبح الأمير سلمان ولياً للعهد والأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً لولي العهد. وبهذه التركيبة لبيت الحكم السعودي كان الجدل في الدوائر الأكاديمية المهتمة بالشأن السعودي في الغرب منصباً على من سيكون ولياً للعهد في حال وفاة عبد الله وسلمان. فالنظام الوراثي للحكم في السعودية فريد من نوعه. فالحكم لا ينتقل لأبناء الملك ثم لحفيده، ولكن ينتقل بين أبناء الملك عبد العزيز، ثم أبنائهم من بعدهم، وهو ما يعني أن ابن الملك لن يكون ولياً للعهد كما هو الحال في الملكيات الأخرى حول العالم.
هذا النظام الفريد في وراثة الحكم جعل الجميع ينظر باهتمام بالغ الى قرار الملك سلمان بتعيين محمد بن نايف، وزير الداخلية ونجل ولي العهد الراحل، ولياً لولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز، والى قراره الآخر بتعيين نجله الأمير محمد بن سلمان وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي خلفاً لخالد التويجري الذي كان يشار إليه من قبل المهتمين بالشأن السعودي في السنوات الأخيرة من حكم عبد الله بن عبد العزيز باعتباره شخصاً يلعب أدواراً مهمة في صياغة السياسات الداخلية في المملكة.
التحديات الداخلية
تصدر أحفاد عبد العزيز المشهد السعودي ووصولهم الى الخط الأول للحكم يعتبر أحد التحديات الداخلية الرئيسية بالنسبة للملك الجديد سلمان بن عبد العزيز، خصوصا وأن هنا طبقة واسعة من أبناء الملوك الراحلين الذين يرغبون في أن يدخلوا على خط الحكم. ولعل علامة الاستفهام الأبرز هي حول الوضع القادم للأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز والذي يرأس الحرس الوطني.
التحدي الداخلي الثاني هو ما يجري في المنطقة الشرقية من المملكة النفطية من توترات بين سلطات الأمن وبين المواطنين الشيعة والذين يشعرون بأنهم مهمشون في التنمية، كما أن لديهم مطالب بحرية أكبر في ممارسة شعائرهم الدينية.
أما التحدي الثالث فهو انخفاض أسعار النفط وهو ما سيؤدي الى إجراء إصلاحات اقتصادية قد تعني خفض الإنفاق الداخلي على مشاريع التنمية، وربنا تؤثر أيضا على قدرة المملكة في دعم حلفائها في الإقليم.
التحديات الخارجية
بعيداً عن التحديات الداخلية هناك مجموعة من التحديات الخارجية التي سيكون على الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز التعامل معها وعلى رأسها ملف إيران، والذي يحمل بداخله أوراقاً إقليمية شديدة الحساسية بالنسبة للسعودية ومنها الوضع في اليمن ودعم حزب الله في لبنان والوضع في سورية والمفاوضات بين الغرب وطهران حول برنامجها النووي.
التحدي الخارجي الثاني هو استمرار الاضطرابات في الإقليم. فثورات الربيع العربي لم تطح بأنظمة الحكم في دول المنطقة فحسب، وإنما بدأت في إعادة بناء المنطقة جيوسياسياً. وهو ما سيشكل تحدياً أمام مملكة لم تكن مرحبة بها كما حدث مع الحالة المصرية واليمنية والبحرينية، فيما دعمتها كما حدث في الحالة الليبية ويحدث حالياً في الحالة السورية.
وكانت السعودية قد خسرت أهم حليفٍ إقليمي لها عندما تم الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك. ووفق تعبير أحد رجال الأعمال السعوديين المقربين من بيت آل سعود فإن "مبارك كان من الخطوط الرئيسية للدفاع عن المملكة في إقليم الشرق الأوسط"، كما أنه كان شريكاً رئيسياً في الحرب الباردة مع إيران. لكن المملكة استطاعت أن تعوض ذلك عبر الاستثمار بكثافة في بناء حلف جديد مع الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
على الصعيد الخليجي، فإن الملك الجديد يتمتع بعلاقات دافئة مع جميع حكام الخليج. لكن هذه العلاقات الدافئة قد لا تمنع قطر وسلطنة عمان من التحليق خارج السرب الخليجي الذي تقوده الرياض. فالدوحة دعمت جماعة الإخوان في مصر حتى بعد رحيلهم عن الحكم، وهو ما لم يكن موضع ترحيب من الرياض. أما مسقط فلعبت دور وساطة هام بين إيران والولايات المتحدة من أجل التمهيد لمحادثات حول برنامج طهران النووي. لكن الدوحة عادت وأقفلت قناة الجزيرة مباشر مصر، بعد ضغوط سعودية، من أجل تطبيع العلاقات مع النظام الجديد في القاهرة.
التحدي الأهم أمام الوجوه الجديدة في قصر الحكم برياض سيكون مواجهة رياح عودة التطرف الى المملكة. فمنذ نهاية حرب الخليج الثانية عام 1991، ومملكة ابن سعود تدفع ثمن دعمها لجماعات المجاهدين العرب الذين نقلتهم الى افغانستان في ثمانينات القرن الماضي من أجل محاربة الاحتلال السوفيتي.
فأبرز قادة هذه الجماعات، وهو أسامة بن لادن، كان أحد الذين اصطدموا مع بيت آل سعود حول الوجود العسكري الأمريكي في المملكة. وقد أدى ذلك الى سلسلة من عمليات التفجير التي استهدفت القوات الأمريكية، والتي أدت لاحقاً الى قيام البنتاجون بنقل الجزء الأكبر والأهم من قواته ومعداته الى قطر.

خلال السنوات العشر الأولى كان وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز وابنه محمد يقودان المواجهة مع التطرف في المملكة. ورغم النجاحات الكثيرة التي حققتها أجهزة الأمن السعودية في ملاحقة المتطرفين داخل وخارج حدود السعودية، إلا أن الثمن الذي دفعته البلاد كان باهظاً.
الآن محمد بن نايف أصبح ولياً لولي العهد ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، وهو الممسك بالملف الأهم في تركيبة الحكم السعودية وهو الملف الأمني الذي سيتولى التعامل مع ملفات عديدة ومنها ضرب أذرع تنظيم القاعدة المحتملة بالإضافة الى منع تنظيم الدولة الإسلامية من الوصول الى الداخل السعودي عبر أي عمليات عنف قد يقوم بها متعاطفون معه.

ما هو مستقبل مملكة ابن سعود؟ وهل يستمر بيت آل سعود في المحافظة على الانتقال السلس للحكم؟ وكيف سيكون شكل التغيير في مملكة بلغت من العمر عتياً؟ تبدو هذه الأسئلة معلقة بدون إجابة بسبب تركيبة المجتمع في هذه المملكة، والتي تشبه في حركتها واضطرابها تشكيلات الرمال المتحركة في الربع الخالي.

Thursday, 8 January 2015

الهجوم على تشارلي إبدو: المسلمون الضحية الأكبر

الصورة لمحطة "جار دو نور" في باريس - تصوير أحمد زكي ٢٠١٤
الهجوم اللي حصل على مقر مجلة تشارلي إبدو في باريس حدث غير عادي، ويمكن اعتباره نقطة فاصلة في علاقة المجتمعات الغربية بالمسلمين، زي النقاط الفاصلة الكبيرة ومنها الهجوم على نيويورك وواشنطن في ١١ سبتمبر ٢٠٠١. ودة لأكتر من سبب:

١. خلية مكونة من ٣ أشخاص معاهم بنادق آلية وبيضربوا نار في عز النهار في وسط عاصمة غربية ويقتلوا ١٢ شخص، منهم شرطي مصاب بيترجاهم ما يقتلهوش، فيضربوه بالنار في دماغه في عملية إعدام علنية مصورة. الصور والعملية يشوفها ملايين حول العالم.
٢. الهدف مش قسم بوليس أو قاعدة عسكرية ولكن مقر مجلة. الضحايا رسامي كاريكاتير. دة بيحسس أفراد المجتمعات الغربية بالخطر زي ما حسوا لما حصل تفجيرات لندن في ٢٠٠٥ أو تفجيرات مدريد.
٣. الهجوم تم باسم الدفاع عن الاسلام. المجلة مثيرة للجدل ولكن العقلية الغربية بتتوقع إن الرد على الرسم يكون بالرسم والكلام يكون بالكلام. المهاجمين ما قالوش إنهم بيهاجموا المجلة لأن أفرادها مثلا كانوا جنود في دول إسلامية (وطبعا دة مش مبرر) ولكن هما أعلنوا إنهم بيقتلوا من أجل الدفاع عن النبي عليه الصلاة والسلام، ودة اللي عاوزه اليمين المتطرف في أوروبا وهي إثبات إن الاسلام غير قابل للوجود بسلام في الغرب، أو إن المسلمين ممكن يكونوا مواطنين كاملي المواطنة في أوروبا دون أن يشكلوا خطر على المجتمعات اللي عايشين فيها.
٤. الهجوم استهدف القطاع الأكثر تأثيرا في تشكيل وصياغة الرأي العام في الغرب وهو قطاع الصحافة، وبالتالي بقت مهمة المسلمين في أوروبا لتحسين صورتهم أو الدفاع عن نفسهم أو إعلان إنهم مواطنين كاملي المواطنة في مجتمعاتهم الغربية، بقت مهمتهم أصعب مما كانت عليه قبل الهجوم. يكفي إن كل التقارير التلفزيونية والصحفية في وسائل الاعلام الكبرى والرئيسية في الغرب ركزت على إن المهاجمين رددوا صيحات : الله أكبر ، باللغة العربية خلال إطلاق النار، في تأكيد على هوياتهم الدينية.

من جهة تانية النقاش في دوائر السوشيال ميديا العربية بعد الهجوم كان بينقسم الى مجموعات جديرة بالتوقف عندها.
١. مجموعة من اللي عاشوا في الغرب أو يقيمون في الغرب اعتبروا الحادث عمل إجرامي ووحشي وله تبعات مخيفة على المسلمين في أوروبا.
٢. مجموعة تقيم في دول عربية واعتبرت إن مش مهم الدفاع عن صورة الاسلام في الغرب أو الاهتمام برأي الغرب في المسلمين لأن فيه سياق أوسع وهو الحرب الحتمية أو المستمرة بين الدول المسلمة والغرب الاستعماري (البعض كمان وصفه بالصليبي) وبالتالي فإن الهوس بصورة المسلمين في الغرب هو "انهزامية" وانسحاق للمستعمر! طبعا منطق المجموعة دي جاي من فكرة بسيطة: يا عمي ما يولعوا ، يعني أنت شايفني قاعد في روما!
٣. مجموعة اعتبرت إن العمل دة مش إرهابي وإن له تأصيل إسلامي وإن الاسلام لازم يدافع عن نفسه عبر القتال. ودي مجموعة منتشرة وليها تواجد فعال في السوشيال ميديا. ومن الغريب إن عدد كبير من المجموعة دي عايشين في دول خليجية نفطية عندها علاقات تحالف استراتيجي مع الغرب وقواعد لدول غربية على أراضيها. والمجموعة دي لا تعلن الحرب على الدول اللي هي عايشة فيها ولكن شايفة إن تأييد العنف باسم الخلافة أو الاسلام في العراق أو سوريا أو الغرب عمل جليل!
٤. مجموعة تعتقد إن العمل الارهابي دة هو مؤامرة مخابراتية من الغرب لتشويه صورة المسلمين. دول ناس ما يتردش عليهم.
أعتقد أهم رد فعل كان من مراسل قناة الجزيرة في فرنسا اللي أجهش بالبكاء (ولكن تماسك ولم يبكي) وقال إنه يعتقد كمواطن مسلم يعيش في فرنسا وليس كمراسل إن أيام المسلمين القادمة في فرنسا ستكون شديدة الصعوبة.
بالمناسبة الماليزي المسلم في الغرب لا يواجه مشاكل زي اللي بيواجهها المسلم العربي أو المسلم الباكستاني أو المسلم الأفغاني. ودة يخلينا نتأمل أكتر في ازاي المجتمع الماليزي أدار علاقته بالغرب خلال الثلاثين عاما الأخيرة.

أهم حاجة ممكن الواحد يطلع بيها من الهجوم دة هي إن فيه مشكلة عميقة حتواجه المسلمين في الغرب والمشكلة دي حيكون ليها انعكاسات وآثار عنيفة على علاقة الغرب بالمجتمعات المسلمة في الشرق وتحديدا المجتمعات العربية. ودة كله حيزيد المسلمين في الغرب انعزالا وحيزيد المجتمعات العربية انعزالا أكبر بما إنها تعتمد بشكل كلي على الغرب في نقل التكنولوجيا والحداثة إليها.

ربنا يستر على المسلمين في أوروبا . القادم أيام سودا..! كحل.