Tuesday, 11 October 2011

التمييز لا دين له.. وكذلك الحقوق



يعتقد البعض أن من يعملون في الاعلام يعرفون أكثر من غيرهم. هذا اعتقاد غير صحيح. فمن يعملون في الاعلام هم أبناء لمجتمعاتهم ورؤيتهم للأمور هي نتيجة للعقلية السائدة في المجتمعات التي أتوا منها..

لنبدأ بهذه التغريدة من إعلامي قطري حول غضبه من قناة الجزيرة (التي تمول من الحكومة القطرية) لعدم توظيفها عددا من القطريين بين كوادرها.. يقول عبد العزيز آل إسحاق: “ماذا يعني أن يكون لدى الجزيرة مراسل لسانه ثقيل ولاينطق حرف الثاء والراء وكبير في السن،هل يمكن أن يعطى قطري نفس الفرصة ؟!! #qatar #aljazeera”

أعدت تغريد تغريدته مع تساؤل: التمييز ضد الكبار في السن في العمل؟! “@aialishaq: ماذا يعني أن يكون للجزيرة مراسل لسانه ثقيل وكبير في السن،هل يمكن أن يعطى قطري نفس الفرصة؟"

كان رد الأستاذ عبد العزيز: @AhmedZaky تركت كل شيء وركزت على السن ، نعم هو كبير لدرجة انه لايقوى على الكلام فكيف بالحركة

ردي: @aialishaq عزيزي لا يعقل أن يمارس إعلامي مرموق مثلك التمييز، خصوصا ما يتعلق بالسن أو الإثنية، أياً كان الموقف أو الرسالة التي تود توجيهها :)

رده: @AhmedZaky لا ياسيدي ليس تمييزا، كبر السن متى كان حاجزا عن العطاء فهو أمر سلبي،جميل عازر كبير في السن لكنه في أجمل عطاءه ، من أقصده تجده لكبر سنه بالكاد يتكلم ولاينطق الكثير من الحروف ، وبالتالي فعلى الجزيرة إحترامنا كمشاهد وإحالته للتقاعد أو العمل الإداري ولست أميز بالجنسية لكني أقصد أنه لو تقدم قطري لشغل وظيفة مذيع في الجزيرة فإنه سيخضع للتدقيق والتمحيص لإظهار عيب واحد لإبعاده بينما لا يحتاج مثل هولاء الأشخاص إلا أن يكونوا أصدقاء للمسؤول أو أصدقاء أصدقاء أو أن يكون المسؤول معجب بهم، دون أي إعتبار للمهنية.

ردي: @aialishaq متفق معك في كل ما ذكرت وفي المحسوبية المتفشية في القناة، لكن يمكنك انتقاد من شئت لانخفاض مستواه دون أن تذكر عامل السن.. أعتقد أنك تعلم أنه في بريطانيا يعتبر التمييز في العمل لكبر السن أو الجنس أو الإثنية جريمة يعاقب عليها القانون ويستهجنها المجتمع..”


كان الأستاذ عبد العزيز كريما معي في رده وقال في تغريدات متتابعة ما يلي: @AhmedZaky أنا ذكرت عامل السن عطفاً على أنه كبر في السن وقل عطاءه ووصل لسن التقاعد . . وسن التقاعد موجود في بريطانيا أيضاً. وأعلم أيضاً أن في بريطانيا إذا كان رئيس الوزراء يلحق بوش ويقتل في العراق وافغانستان فإنه لايعاقب بل يصبح رجل أعمال مرموق. وأعلم أن كونك مسلم في بريطانيا فإن من حق أي شرطي سخيف تعطيلك في المطار وسؤالك أسخف أنواع الأسئلة بينما تمر بقية الأعراق بسلام. وأعلم أن الديمقراطية الأكبر في العالم كما تقول هي سقط إعلامها في قضايا تصنت وفساد ورشاوي وتتلقى أكبر قناة تمويلها من الخارجية.  وأعلم أن بريطانيا التي تقول أنه لا تميز لازالت تفرق بين دول العالم وهي السبب في أكبر النزاعات العالمية ولديها قانون معادة السامية. وأعلم أن بريطانيا لديها قانون للعقاب على كل شيء ، إلا أخطاء السياسيين فلا يعاقب عليها أحد لأنها تعجب ماما اميركا.  شيء أخير ، أعلم أن بريطانيا من أكبر الداعمين للصهيونية والحكام الفاسدين حول العالم ، أعلم السيء والجيد في بريطانيا"

ازدواج المعايير لدى العقلية العربية

تمعنت في قراءة ما كتبه الأستاذ عبد العزيز وأدركت أن تغريداته هي جزء من العقلية السائدة في العالم العربي والتي أدت الى كل كوارثه، خاصة في المئة عام الأخيرة من تاريخه.

مشكلة هذه العقلية تتمثل في النقاط التالية:

1.هي ترى العيب في الآخر وتنسى ما تواجهه من عيوب. هي تعتقد أن الآخر سببا في كل مشاكلها وتقبل أن تكون مفعولا به طوال الوقت. هي تلك العقلية التي روجت على مدى ستة عقود لخطاب يقوم على أن فلسطين قد ضاعت نتيجة مؤامرة صهيونية بريطانية، ونسيت أن هزيمة 1948 بدأت باتفاق بين ملك عربي والوكالة اليهودية في فلسطين على ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية. وأن المشتركين في التخطيط لهزيمة 1967 كانوا من العرب الذين رأوا تلاقي مصالح في إيقاف مشروع للنهضة قد يطيح بعروشهم.

2.هي عقلية تختار أن تبحث في مشاكل الآخر وتنسى أن تحل مشاكلها. هي أيضا هذه العقلية التي انشغلت في إثبات أن الترحم على مؤسس شركة أبل ستيف جوبز حرام واستخدمت في نشر ذلك هواتف شركته أيفون وكمبيوترات أبل، ولم تنشغل في معرفة مسيرة نجاح ستيف جوبز أو التحديات التي واجهها.

3.هي عقلية تعتقد أن التمييز الذي تمارسه مجتماعاتها (المسلمة التي تعرف الله) حلال والتمييز الذي تمارسه المجتمعات الأخرى (الصليبية والكافرة والتي لا تقيم الحدود) حرام. كيف تفسر مثلا هذه الهجمة الشرسة من الكتاب العرب على الغرب الذي مارس التمييز ضد المسلمين في مدنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، بينما تمارس بلدان بعض الكتاب العرب ممن اشتركوا في هذه الحملة، التمييز اليومي على العمالة الفقيرة القادمة من شبه القارة الهندية والتي يدين جزء كبير منهم بالاسلام، أي نفس الدين الذي يدين به من يضطهدونهم!

4.هي عقلية تعتقد أن التمييز أنواع. فالتمييز ضد الكبار في السن ليس تمييزا من وجهة نظرها، وإنما التمييز الحقيقي هو ما يمارس ضد المسلمين في الغرب. هذه العقلية هي التي بررت التمييز ضد الشيعة في البحرين والتمييز ضد الأقباط في مصر والتمييز ضد البهائيين والتمييز ضد أصحاب البشرة الداكنة. هي هذه العقلية التي لا تتوقف أمام التمييز بسبب هوية إثنية. ففي دول الخليج يعتبر وصف شخص بأنه "هندي" مسبة! وإذا قال أحدهم لآخر "يا ولد الإيرانية" فقد ارتكب إثما عظيما! ومن المدهش أنه في كل هذه الدول، لا يمارس التمييز ضد الأمريكيين أو البريطانيين المقيمين في تلك الدول. فالعقلية التي تمارس التمييز تؤمن بأن الله قد خلق الناس درجات، وإذا كنا أسياداً على ما سوانا، فإن الغربي الأبيض صاحب العين الملونة والشعر الأشقر هو سيدنا. إرث استعماري لا يصلح معه سوى قراءة معمقة لكتاب إدوارد سعيد "الاستشراق".

ماريان والبحث عن إجابة..

أما فيما يتعلق بتغريدات الأستاذ عبد العزيز فيمكن أن أرد في النقاط التالية:

1. نعم سن التقاعد موجود في بريطانيا وهو السابعة والستين، ويمكن لم يجد لديه رغبة وقدرة في العمل بعد هذا السن أن يسمح له بالاستمرار في عمله.

2.انشغل الأستاذ عبد العزيز في عرض معلوماته عن بريطانيا ويبدو أنها تنقصها الدقة. فرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أدخل بريطانيا في الحرب على العراق بعد أن أقنع كذبا مجلس العموم بأن البلاد في خطر داهم وأن صدام ليس أسلحة يمكن أن تصل الى المدن البريطانية خلال 45 دقيقة. أي أنه كي يتخذ قرارا بالحرب كان لابد عليه أن يسلك الطرق الدستورية التي تتبعها هذه البلاد. فهو لم ينفرد بقرار الحرب والسلام كما يفعل الحكام العرب. والأهم من ذلك أن رئيس الوزراء هذا اضطر للكذب على مجلس العموم كي يدخل الحرب، بينما دولنا العربية السعيدة لا تملك مجلسا منتخبا للعموم ولا رئيسا للوزراء مضطرا للكذب على شعبه، لأنه ببساطة لا يعتد بوجود شعب له كلمة وقادر على تغييره، كي يحترمه ويكذب عليه!

3.دخلت وخرجت من بريطانيا مرات عديدة خلال السنوات الست الماضية، ولم يسألني شرطي واحد عن هويتي الدينية أو يمارس فعلا خارج نطاق عمله. بل أنني وجدت في كل مرة دخلت فيها الى بريطانيا ابتسامة واحتراما شديدا. بينما عوملت بشكل فيه الكثير من عدم اللياقة والخشونة من شرطية تونسية خلال خروجي من هذا البلد الجميل.

بل والأكثر من ذلك سأروي موقفا كاشفا للفرق بين بريطانيا وبلداننا العربية.. ذهبت برفقة صديقة عزيزة لتغيير جنيهات استرلينية من فرع لبنك في القاهرة. كانت الموظفة التي تتعامل معي اسمها: ماريان جورج (دقق في الاسم من فضلك). سلمتها المال وطلبت مني بطاقتي الشخصية لإتمام المعاملة. خلال بحثي عن بطاقتي نبهتني الصديقة العزيزة أنه من الممكن أن أستخدم بطاقتي الشخصية البريطانية. أجبتها بأنه لا توجد بطاقة لتحقيق الشخصية في بريطانيا وأن محاولات فرض ذلك قوبلت برفض شديد من الشعب البريطاني. فجأة وجدت ماريان تقول في دهشة شديدة وعيونها شديدة الاتساع: ليه؟ أنا: ليه إيه؟ ماريان: ليه مفيش بطايق شخصية في بريطانيا؟ أنا: لأن القانون بيقول إن لو عسكري بوليس طلب إثبات هويتك، فلديك 48 ساعة علشان تروح بيتك وتجيب جواز سفرك أو رخصة العربية وتثبت هويتك.. وبعدين الأصل هناك إنك صادق مش كداب.. ثم تذكرت أنه لم يحدث أن أوقفني شرطي على مدى ست سنوات إطلاقا! فذكرت لها هذه المعلومة وهنا رأيت نظرة حسرة في عيني ماريان.

في هذه اللحظة التي كانت تعمل ماريان فيها على إتمام معاملة بنكية، أدركت هذه الشابة المصرية أنها كموظفة تتلقى راتبا جيدا من بنك محترم ولديها شهادة جامعية مرموقة، عرضة للتوقيف من عسكري يحمل شرطتين سوداويتين على شكل الرقم ثمانية موضوعتين على كتفه الأيمن، وأنه قادر على التحقيق معها دون اتهام قضائي والتفتيش في حقيبتها وتقليب بطاقتها الشخصية بين إصبعيه عدة مرات وكأنها نشال تم القبض عليه في أتوبيس مزدحم. وأن هذا العسكري قادر على فعل كل هذا بفعل السلطات الممنوحة له وفق قانون الطوارىء.

4.  أما حول الاعلام الفاسد في بريطانيا والذي ذكره الأستاذ عبد العزيز، فأعتقد أنه يقصد صحيفة نيوز أوف ذا وورلد المملوكة لامبراطور الاعلام الاسترالي روبرت مردوخ. وأعتقد أن القضاء البريطاني وجلسات الاستجواب في مجلس العموم البريطاني تعتبر ردا كافيا على نقطة الأستاذ عبد العزيز. وأؤمن أيضا أن إعلاما فاسدا مارس التنصت كان أخف ضررا من إعلام مارس التحريض كما حدث في مصر أو إعلام رسمي لا يستطيع أن يمارس سلطة النقد للسلطة التنفيذية كما في دول الخليج وباقي الدول العربية، أو إعلام يمارس التهييج السياسي ويستخدم كأداة في خدمة دافع فاتورته والمثال نعرفه ونشاهده جميعا!

5.أما حول بريطانيا الداعمة للصهيونية والحكام الفاسدين حول العالم، فأعتقد أن الاستثمارات القطرية والاماراتية السيادية في بريطانيا تعني أن بريطانيا مدعومة من دول عربية. وأن هذه الدول لن تدعم دولة استعمارية مثل بريطانيا إلا إذا تيقنت أن بريطانيا أكبر من أن تختزل في مواقف سياسية من حكومات تتبدل وفق إرادة الناخب لا رغبة الملك أو الرئيس.

أكثر ما لفت نظري في هذه التغريدات الكثيرة تغريدة من قارئة فاضلة خاطبتني قائلة: “@AhmedZaky @aialishaq والله ماأشوف فيها شي ذكر عامل السن اخوي وايد كبررت الموضوع ..”

بالفعل أنا كبرت الموضوع. لكن هذه الفروق الصغيرة هي التي أدت الى أن نستيقظ على قتل واعتقال لمحتجين في البحرين لأنهم شيعة ونمسي على دهس لمتظاهرين أمام ماسبيرو في القاهرة، وهم يطالبون بحقهم في حرية بناء دور عبادتهم!

Tuesday, 4 October 2011

المجلس لا يدير ثورة وانما يدير أزمة




مصر الآن في عشر نقاط

١. المجلس لا يدير ثورة وانما يدير أزمة لم يكن راغباً فيها أو مستعداً لها


٢. الاخوان يعتقدون ان هذه لحظة تاريخية يمكن أن تكون قفزة للجماعة سياسياً لأنها تعني عودة شرعية غابت عن الجماعة لستين عاماً


٣. السلفيون هم تيار منقسم الولاء وبالتالي يمكن التعامل معه عبر إدخاله في مجموعة من التسويات السياسية وتعريضه لأضواء الاعلام الشديدة


٤. اليسار المصري في أزمة وغير قادر على كسر الحاجز النفسي مع الشارع فيما يتعلق بدور الدين وهو منقسم أيضاً


٥. الحزب الوطني مازال فاعلاً وبقوة على الارض، ليس لأنه مرتبط بنظام حاكم منهار، وانما لأنه مرتبط بمصالح عائلات وعصبيات وقبائل


٦. غالبية الشعب المصري لا تبدو مهتمة بشكل النظام الذي سيحكم البلاد بقدر اهتمامها بمكتسبات اجتماعية على الارض تريد أن تنالها


٧. لعب نظام مبارك دوراً في فساد الاحزاب، وانهار نظامه الفاسد ولكن بقيت هذه الاحزاب الفاسدة وبالتالي لاتزال الحياة السياسية فاسدة


٨. استنادا الى النقطة السابقة، فقد الشارع ثقته في احزاب تمثله وبالتالي لا يمكن التواصل معه سوى عبر وسائل اعلام يسيطر عليها النظام السابق


٩. خسرت القوى التي تمثل الزخم الثوري في التحرير معركة الاعلام اما عبر ملكيته لرجال الاعمال او نتيجة لتهور وطيش من تحدثوا باسمهم


١٠. المجلس يلعب بذكاء مع كل القوى عبر إدخالها في دوامة من الأزمات والجلسات والتسويات وصنع انشقاقات داخلها

Saturday, 1 October 2011

مبارك وثروته، صحافة الهنا وشرفها، وحديث عابر في تويتر




تويتر المصري مدهش! هو ليس أداة يمكن أن تؤثر في الشارع والدليل بالطبع الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ولكنه يظهر لنا مواطن الخلل في طريقة تفكير مجموعة لا يستهان بها من الشباب المصري القادر على التعامل مع الانترنت، وبالتالي فهو على قدر من الثقافة والعلم.

سبب هذه المقدمة هو أنني وجدت ريتويت لتويتة كتبتها شابة مصرية تقول فيها بالنص: “المعونه امريكيه ب1,3 مليار دولار سنويا ومبارك لوحده سارق70 مليار في30 سنه.مبارك سارق ضعف قيمه المعونه. يعني لو مسرقناش احنا اللي نديهم معونه”..

شككت في صحة هذه الأرقام وكان ردها كالآتي: "و الله يا استاذ اللي اعلن الارقم دي جهات محاسبيه خارجيه لو مبارك معترض عليها ممكن يخرب بيوتهم بقضيه صغيره” ثم تكملة الرد في تويتة أخرى هي: “و بما ان مبارك لم يتحرك ليثبت براءه زمته الماليه عالميا يبقي انا معليش مضطره اصدق”..

ثم دخل على الخط شاب مصري وقال: "اومال الوثائق اللى طالعه من البنك الامريكى اللى فيها تحويلات ب 600 مليار دى ايه عشان شركة الميه فى سويسرا”.

فكرت في الرد عليهم بالورقة والقلم ولكن وجدت أن المشكلة الحقيقية في هذا الحوار أنه يفتقد للمنهج المنطقي في الطرح والذي يستند الى معلومات وأدلة لا الى مصادر غير معلومة المصدر مثل "جهات خارجية" أو مصادر غير محددة مثل "البنك الامريكي"..!

ثروة مبارك وصحافة الهنا..!

ثروات الطغاة هي قصة متكررة كلما سقط أحدهم. وبالتالي فالتعامل مع هذه الثروات أصبح عملية متكررة بالنسبة للجهات الدولية المختصة بمكافحة غسيل الاموال ومتابعة حركة انتقال الاموال حول العالم وابرزها على الاطلاق جهاز المباحث الفيدرالية "أف بي اي" ووزارة الخزانة الامريكية وجهاز استخباراتها.

وهذه الأجهزة مهتمة بهذه التفاصيل ليس حباً في الشعوب وإنما خوفاً من إخفاء هذه الاموال عبر غسيلها في مشاريع قد تهدد الأمن القومي الامريكي.

ولهذا يستطيع الطغاة إخفاء جزء لا بأس به من ثرواتهم في المشاريع الحكومية لكن فور أن يتركوا الحكم يكون من الصعب جداً عليهم فعل ذلك الا في نطاق ضيق، أشهر صوره هو تهريب أموال سائلة وهنا لا يمكن أن تتجاوز المبالغ في أكثر الأحلام جموحا مليار دولار وذلك مع افتراض أن هذا الطاغية قادر على إخفاء الخط الملاحي لطائرة النقل العملاقة التي يحتاجها لشحن مبلغ بهذه الضخامة، وقادر على عدم لفت أنظار أجهزة الاستخبارات الامريكية التي تتابع أية تدفقات أو تحويلات مالية تزيد عن عشرة آلاف دولار!

ولهذا فمن الخيال افتراض أن مبارك يمتلك سبعين مليار دولار دون أن تعلم الولايات المتحدة عنهم شيئاً أو تتحفظ عليهم وتعلن ذلك كي تتجنب ما قد يحدثه هذا المبلغ من مخاطر على امنها القومي.

أما قصة السبعين مليار فقد اخترعت في مطبخ أحد الصحف الانجليزية وذلك أثناء الثورة المصرية. ومن يتابع تغطية الصحافة الانجليزية للثورة المصرية في ذلك الوقت يجد أنها مليئة بالقوالب النمطية لديكتاتور من أفريقيا الوسطى وليس لطاغية بيروقراطي مصري، هو نتاج معقد للحياة السياسية المصرية في سبعينيات القرن الماضي، حيث الانفتاح سداح مداح!

وعندما اكتشفت الصحف الانجليزية كذب هذه الأرقام تراجعت عنها على الفور لأنها تدرك: ١. غير منطقية. ٢. استخدمت في التهييج الصحفي. ٣. تضر بمصداقية هذه الصحف والتي لا تمتلك الا شرفها!

ويمكن أن نفند ما يقال من إشاعات حول ثروة مبارك وعائلته على النحو التالي:

١. وفق أرقام الجهاز المركزي للمحاسبات والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووحدة المعلومات في مطبوعة ايكونوميست البريطانية والتي تحظى باحترام بالغ، فإننا يمكن أن نعرف حجم الموازانات والايرادات الحكومية خلال الثلاثين عاما الماضية، وهي حكم مبارك. ثم نطرح المصروفات ونسب الفساد المالي (مع توزيعها على أطراف هذا الفساد وعددهم كبير) لنفاجأ بأنه لو كان مبارك قادراً على نهب المتبقي والتربح من البنود السابقة على مدى ثلاثين عاما لما استطاع أن يكون نصف السبعين مليار دولار. 

٢. هذا التقدير الجزافي لثروة مبارك استند الى صحافة مصرية تهوى المبالغات والتهويل دون أدلة أو تحقق من المعلومات من أكثر من مصدر يمكن الوثوق فيه. وكان الهدف من هذا التهويل هو ركوب موجة شعبية تريد أن تجعل من مبارك أحد أكبر ناهبي المال العام في التاريخ، وهو ما سيؤدي في النهاية الى بطلان كل ذلك والكشف عن الثروة الحقيقية له والتي مهما كبرت فلن تكون جزءاً مما قيل وبالتالي التعاطف مع مبارك على النحو الذي حدث مع الملك فاروق!

٣. لا تبدو وسائل الاعلام المصرية مكترثة كثيراً بشرفها ولهذا نطالع مواضيع وتحقيقات عن ثروة مبارك تستند الى وثائق مزيفة بالفوتوشوب مثل الوثيقة الفريدة من نوعها والتي تتحدث عن "سبيكة من معدن نفيس أودعها مبارك في بداية حكمه في أحد البنوك السويسرية وتبلغ قيمتها أكثر من سبعمائة مليار دولار"..! أو هذه "الوثيقة الصادرة من بنك أمريكي (نفسي أعرف اسمه) عن تحويلات بستمائة مليار دولار في شركة مياه في سويسرا"..! لكن لم يتوقف أحدنا بعقله عند هذه الأرقام ويكتشف أنها تتجاوز تريليون دولار، أي مبلغ قادر على التكفل بمصاريف الحروب الامريكية الخارجية خلال عشر سنوات!

٤. مبارك ليس من مصلحته في الوقت الحالي نفي أي كلام حول ثروته سواء من الداخل أو الخارج لأن هذه المعلومات الغير موثقة والتي لا تستند الى دليل تساهم في صنع بلبلة لدى الرأي العام وهي تفيده ولا تضره.

٥. تقديرات من لهم علاقة بملف ثروة مبارك، بالاضافة الى تقديرات المصادر الدولية التي يمكن الوثوق في معلوماتها تقول إن الثروة الشخصية للأب لا تتجاوز أربعة مليارات دولار وأن ثروة العائلة لا تتجاوز مجتمعة عشرة مليارات دولار، وهي أرقام كبيرة جداً بالنسبة للطغاة الذين حكموا بلداناً لديها حجم الموارد المالية المحدودة لمصر.

٦. المؤلم في الموضوع ليس ثروة مبارك ولا "الشرف المفقود" للصحافة المصرية، وإنما في رفض إعمال العقل والتوقف عند ما يقال في الصحافة بالتحليل والتشكيك والتحقق والتثبت! فقط لأن ما ورد في هذه الصحف قد وافق هوانا فإننا نسارع بتبني هذه المعلومات، بل ونستخدمها في المزايدات!

أخيراً فإنني أتوجه بالشكر العميق لصاحبة الرد المذكور أعلاه ولصاحب الإضافة المعلوماتية لأنهما ألهماني كتابة هذه السطور، وأتوجه لهما بدعوة على غداء بحري في المرسى الخاص لليخوت في منتجع برايتون الساحلي بجنوب انجلترا، إن استطاعا إثبات أن ثروة مبارك لا تقل عن سبعين مليار دولار.. والقطنة ما بتكدبش!!