يعتقد البعض أن من يعملون في الاعلام يعرفون أكثر من غيرهم. هذا اعتقاد غير صحيح. فمن يعملون في الاعلام هم أبناء لمجتمعاتهم ورؤيتهم للأمور هي نتيجة للعقلية السائدة في المجتمعات التي أتوا منها..
لنبدأ بهذه التغريدة من إعلامي قطري حول غضبه من قناة الجزيرة (التي تمول من الحكومة القطرية) لعدم توظيفها عددا من القطريين بين كوادرها.. يقول عبد العزيز آل إسحاق: “ماذا يعني أن يكون لدى الجزيرة مراسل لسانه ثقيل ولاينطق حرف الثاء والراء وكبير في السن،هل يمكن أن يعطى قطري نفس الفرصة ؟!! #qatar #aljazeera”
أعدت تغريد تغريدته مع تساؤل: التمييز ضد الكبار في السن في العمل؟! “@aialishaq: ماذا يعني أن يكون للجزيرة مراسل لسانه ثقيل وكبير في السن،هل يمكن أن يعطى قطري نفس الفرصة؟"
كان رد الأستاذ عبد العزيز: @AhmedZaky تركت كل شيء وركزت على السن ، نعم هو كبير لدرجة انه لايقوى على الكلام فكيف بالحركة
ردي: @aialishaq عزيزي لا يعقل أن يمارس إعلامي مرموق مثلك التمييز، خصوصا ما يتعلق بالسن أو الإثنية، أياً كان الموقف أو الرسالة التي تود توجيهها :)
رده: @AhmedZaky لا ياسيدي ليس تمييزا، كبر السن متى كان حاجزا عن العطاء فهو أمر سلبي،جميل عازر كبير في السن لكنه في أجمل عطاءه ، من أقصده تجده لكبر سنه بالكاد يتكلم ولاينطق الكثير من الحروف ، وبالتالي فعلى الجزيرة إحترامنا كمشاهد وإحالته للتقاعد أو العمل الإداري ولست أميز بالجنسية لكني أقصد أنه لو تقدم قطري لشغل وظيفة مذيع في الجزيرة فإنه سيخضع للتدقيق والتمحيص لإظهار عيب واحد لإبعاده بينما لا يحتاج مثل هولاء الأشخاص إلا أن يكونوا أصدقاء للمسؤول أو أصدقاء أصدقاء أو أن يكون المسؤول معجب بهم، دون أي إعتبار للمهنية.
ردي: @aialishaq متفق معك في كل ما ذكرت وفي المحسوبية المتفشية في القناة، لكن يمكنك انتقاد من شئت لانخفاض مستواه دون أن تذكر عامل السن.. أعتقد أنك تعلم أنه في بريطانيا يعتبر التمييز في العمل لكبر السن أو الجنس أو الإثنية جريمة يعاقب عليها القانون ويستهجنها المجتمع..”
كان الأستاذ عبد العزيز كريما معي في رده وقال في تغريدات متتابعة ما يلي: @AhmedZaky أنا ذكرت عامل السن عطفاً على أنه كبر في السن وقل عطاءه ووصل لسن التقاعد . . وسن التقاعد موجود في بريطانيا أيضاً. وأعلم أيضاً أن في بريطانيا إذا كان رئيس الوزراء يلحق بوش ويقتل في العراق وافغانستان فإنه لايعاقب بل يصبح رجل أعمال مرموق. وأعلم أن كونك مسلم في بريطانيا فإن من حق أي شرطي سخيف تعطيلك في المطار وسؤالك أسخف أنواع الأسئلة بينما تمر بقية الأعراق بسلام. وأعلم أن الديمقراطية الأكبر في العالم كما تقول هي سقط إعلامها في قضايا تصنت وفساد ورشاوي وتتلقى أكبر قناة تمويلها من الخارجية. وأعلم أن بريطانيا التي تقول أنه لا تميز لازالت تفرق بين دول العالم وهي السبب في أكبر النزاعات العالمية ولديها قانون معادة السامية. وأعلم أن بريطانيا لديها قانون للعقاب على كل شيء ، إلا أخطاء السياسيين فلا يعاقب عليها أحد لأنها تعجب ماما اميركا. شيء أخير ، أعلم أن بريطانيا من أكبر الداعمين للصهيونية والحكام الفاسدين حول العالم ، أعلم السيء والجيد في بريطانيا"
ازدواج المعايير لدى العقلية العربية
تمعنت في قراءة ما كتبه الأستاذ عبد العزيز وأدركت أن تغريداته هي جزء من العقلية السائدة في العالم العربي والتي أدت الى كل كوارثه، خاصة في المئة عام الأخيرة من تاريخه.
مشكلة هذه العقلية تتمثل في النقاط التالية:
1.هي ترى العيب في الآخر وتنسى ما تواجهه من عيوب. هي تعتقد أن الآخر سببا في كل مشاكلها وتقبل أن تكون مفعولا به طوال الوقت. هي تلك العقلية التي روجت على مدى ستة عقود لخطاب يقوم على أن فلسطين قد ضاعت نتيجة مؤامرة صهيونية بريطانية، ونسيت أن هزيمة 1948 بدأت باتفاق بين ملك عربي والوكالة اليهودية في فلسطين على ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية. وأن المشتركين في التخطيط لهزيمة 1967 كانوا من العرب الذين رأوا تلاقي مصالح في إيقاف مشروع للنهضة قد يطيح بعروشهم.
2.هي عقلية تختار أن تبحث في مشاكل الآخر وتنسى أن تحل مشاكلها. هي أيضا هذه العقلية التي انشغلت في إثبات أن الترحم على مؤسس شركة أبل ستيف جوبز حرام واستخدمت في نشر ذلك هواتف شركته أيفون وكمبيوترات أبل، ولم تنشغل في معرفة مسيرة نجاح ستيف جوبز أو التحديات التي واجهها.
3.هي عقلية تعتقد أن التمييز الذي تمارسه مجتماعاتها (المسلمة التي تعرف الله) حلال والتمييز الذي تمارسه المجتمعات الأخرى (الصليبية والكافرة والتي لا تقيم الحدود) حرام. كيف تفسر مثلا هذه الهجمة الشرسة من الكتاب العرب على الغرب الذي مارس التمييز ضد المسلمين في مدنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، بينما تمارس بلدان بعض الكتاب العرب ممن اشتركوا في هذه الحملة، التمييز اليومي على العمالة الفقيرة القادمة من شبه القارة الهندية والتي يدين جزء كبير منهم بالاسلام، أي نفس الدين الذي يدين به من يضطهدونهم!
4.هي عقلية تعتقد أن التمييز أنواع. فالتمييز ضد الكبار في السن ليس تمييزا من وجهة نظرها، وإنما التمييز الحقيقي هو ما يمارس ضد المسلمين في الغرب. هذه العقلية هي التي بررت التمييز ضد الشيعة في البحرين والتمييز ضد الأقباط في مصر والتمييز ضد البهائيين والتمييز ضد أصحاب البشرة الداكنة. هي هذه العقلية التي لا تتوقف أمام التمييز بسبب هوية إثنية. ففي دول الخليج يعتبر وصف شخص بأنه "هندي" مسبة! وإذا قال أحدهم لآخر "يا ولد الإيرانية" فقد ارتكب إثما عظيما! ومن المدهش أنه في كل هذه الدول، لا يمارس التمييز ضد الأمريكيين أو البريطانيين المقيمين في تلك الدول. فالعقلية التي تمارس التمييز تؤمن بأن الله قد خلق الناس درجات، وإذا كنا أسياداً على ما سوانا، فإن الغربي الأبيض صاحب العين الملونة والشعر الأشقر هو سيدنا. إرث استعماري لا يصلح معه سوى قراءة معمقة لكتاب إدوارد سعيد "الاستشراق".
ماريان والبحث عن إجابة..
أما فيما يتعلق بتغريدات الأستاذ عبد العزيز فيمكن أن أرد في النقاط التالية:
1. نعم سن التقاعد موجود في بريطانيا وهو السابعة والستين، ويمكن لم يجد لديه رغبة وقدرة في العمل بعد هذا السن أن يسمح له بالاستمرار في عمله.
2.انشغل الأستاذ عبد العزيز في عرض معلوماته عن بريطانيا ويبدو أنها تنقصها الدقة. فرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أدخل بريطانيا في الحرب على العراق بعد أن أقنع كذبا مجلس العموم بأن البلاد في خطر داهم وأن صدام ليس أسلحة يمكن أن تصل الى المدن البريطانية خلال 45 دقيقة. أي أنه كي يتخذ قرارا بالحرب كان لابد عليه أن يسلك الطرق الدستورية التي تتبعها هذه البلاد. فهو لم ينفرد بقرار الحرب والسلام كما يفعل الحكام العرب. والأهم من ذلك أن رئيس الوزراء هذا اضطر للكذب على مجلس العموم كي يدخل الحرب، بينما دولنا العربية السعيدة لا تملك مجلسا منتخبا للعموم ولا رئيسا للوزراء مضطرا للكذب على شعبه، لأنه ببساطة لا يعتد بوجود شعب له كلمة وقادر على تغييره، كي يحترمه ويكذب عليه!
3.دخلت وخرجت من بريطانيا مرات عديدة خلال السنوات الست الماضية، ولم يسألني شرطي واحد عن هويتي الدينية أو يمارس فعلا خارج نطاق عمله. بل أنني وجدت في كل مرة دخلت فيها الى بريطانيا ابتسامة واحتراما شديدا. بينما عوملت بشكل فيه الكثير من عدم اللياقة والخشونة من شرطية تونسية خلال خروجي من هذا البلد الجميل.
بل والأكثر من ذلك سأروي موقفا كاشفا للفرق بين بريطانيا وبلداننا العربية.. ذهبت برفقة صديقة عزيزة لتغيير جنيهات استرلينية من فرع لبنك في القاهرة. كانت الموظفة التي تتعامل معي اسمها: ماريان جورج (دقق في الاسم من فضلك). سلمتها المال وطلبت مني بطاقتي الشخصية لإتمام المعاملة. خلال بحثي عن بطاقتي نبهتني الصديقة العزيزة أنه من الممكن أن أستخدم بطاقتي الشخصية البريطانية. أجبتها بأنه لا توجد بطاقة لتحقيق الشخصية في بريطانيا وأن محاولات فرض ذلك قوبلت برفض شديد من الشعب البريطاني. فجأة وجدت ماريان تقول في دهشة شديدة وعيونها شديدة الاتساع: ليه؟ أنا: ليه إيه؟ ماريان: ليه مفيش بطايق شخصية في بريطانيا؟ أنا: لأن القانون بيقول إن لو عسكري بوليس طلب إثبات هويتك، فلديك 48 ساعة علشان تروح بيتك وتجيب جواز سفرك أو رخصة العربية وتثبت هويتك.. وبعدين الأصل هناك إنك صادق مش كداب.. ثم تذكرت أنه لم يحدث أن أوقفني شرطي على مدى ست سنوات إطلاقا! فذكرت لها هذه المعلومة وهنا رأيت نظرة حسرة في عيني ماريان.
في هذه اللحظة التي كانت تعمل ماريان فيها على إتمام معاملة بنكية، أدركت هذه الشابة المصرية أنها كموظفة تتلقى راتبا جيدا من بنك محترم ولديها شهادة جامعية مرموقة، عرضة للتوقيف من عسكري يحمل شرطتين سوداويتين على شكل الرقم ثمانية موضوعتين على كتفه الأيمن، وأنه قادر على التحقيق معها دون اتهام قضائي والتفتيش في حقيبتها وتقليب بطاقتها الشخصية بين إصبعيه عدة مرات وكأنها نشال تم القبض عليه في أتوبيس مزدحم. وأن هذا العسكري قادر على فعل كل هذا بفعل السلطات الممنوحة له وفق قانون الطوارىء.
4. أما حول الاعلام الفاسد في بريطانيا والذي ذكره الأستاذ عبد العزيز، فأعتقد أنه يقصد صحيفة نيوز أوف ذا وورلد المملوكة لامبراطور الاعلام الاسترالي روبرت مردوخ. وأعتقد أن القضاء البريطاني وجلسات الاستجواب في مجلس العموم البريطاني تعتبر ردا كافيا على نقطة الأستاذ عبد العزيز. وأؤمن أيضا أن إعلاما فاسدا مارس التنصت كان أخف ضررا من إعلام مارس التحريض كما حدث في مصر أو إعلام رسمي لا يستطيع أن يمارس سلطة النقد للسلطة التنفيذية كما في دول الخليج وباقي الدول العربية، أو إعلام يمارس التهييج السياسي ويستخدم كأداة في خدمة دافع فاتورته والمثال نعرفه ونشاهده جميعا!
5.أما حول بريطانيا الداعمة للصهيونية والحكام الفاسدين حول العالم، فأعتقد أن الاستثمارات القطرية والاماراتية السيادية في بريطانيا تعني أن بريطانيا مدعومة من دول عربية. وأن هذه الدول لن تدعم دولة استعمارية مثل بريطانيا إلا إذا تيقنت أن بريطانيا أكبر من أن تختزل في مواقف سياسية من حكومات تتبدل وفق إرادة الناخب لا رغبة الملك أو الرئيس.
أكثر ما لفت نظري في هذه التغريدات الكثيرة تغريدة من قارئة فاضلة خاطبتني قائلة: “@AhmedZaky @aialishaq والله ماأشوف فيها شي ذكر عامل السن اخوي وايد كبررت الموضوع ..”
بالفعل أنا كبرت الموضوع. لكن هذه الفروق الصغيرة هي التي أدت الى أن نستيقظ على قتل واعتقال لمحتجين في البحرين لأنهم شيعة ونمسي على دهس لمتظاهرين أمام ماسبيرو في القاهرة، وهم يطالبون بحقهم في حرية بناء دور عبادتهم!