تويتر المصري مدهش! هو ليس أداة يمكن أن تؤثر في الشارع والدليل بالطبع الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ولكنه يظهر لنا مواطن الخلل في طريقة تفكير مجموعة لا يستهان بها من الشباب المصري القادر على التعامل مع الانترنت، وبالتالي فهو على قدر من الثقافة والعلم.
سبب هذه المقدمة هو أنني وجدت ريتويت لتويتة كتبتها شابة مصرية تقول فيها بالنص: “المعونه امريكيه ب1,3 مليار دولار سنويا ومبارك لوحده سارق70 مليار في30 سنه.مبارك سارق ضعف قيمه المعونه. يعني لو مسرقناش احنا اللي نديهم معونه”..
شككت في صحة هذه الأرقام وكان ردها كالآتي: "و الله يا استاذ اللي اعلن الارقم دي جهات محاسبيه خارجيه لو مبارك معترض عليها ممكن يخرب بيوتهم بقضيه صغيره” ثم تكملة الرد في تويتة أخرى هي: “و بما ان مبارك لم يتحرك ليثبت براءه زمته الماليه عالميا يبقي انا معليش مضطره اصدق”..
ثم دخل على الخط شاب مصري وقال: "اومال الوثائق اللى طالعه من البنك الامريكى اللى فيها تحويلات ب 600 مليار دى ايه عشان شركة الميه فى سويسرا”.
فكرت في الرد عليهم بالورقة والقلم ولكن وجدت أن المشكلة الحقيقية في هذا الحوار أنه يفتقد للمنهج المنطقي في الطرح والذي يستند الى معلومات وأدلة لا الى مصادر غير معلومة المصدر مثل "جهات خارجية" أو مصادر غير محددة مثل "البنك الامريكي"..!
ثروة مبارك وصحافة الهنا..!
ثروات الطغاة هي قصة متكررة كلما سقط أحدهم. وبالتالي فالتعامل مع هذه الثروات أصبح عملية متكررة بالنسبة للجهات الدولية المختصة بمكافحة غسيل الاموال ومتابعة حركة انتقال الاموال حول العالم وابرزها على الاطلاق جهاز المباحث الفيدرالية "أف بي اي" ووزارة الخزانة الامريكية وجهاز استخباراتها.
وهذه الأجهزة مهتمة بهذه التفاصيل ليس حباً في الشعوب وإنما خوفاً من إخفاء هذه الاموال عبر غسيلها في مشاريع قد تهدد الأمن القومي الامريكي.
ولهذا يستطيع الطغاة إخفاء جزء لا بأس به من ثرواتهم في المشاريع الحكومية لكن فور أن يتركوا الحكم يكون من الصعب جداً عليهم فعل ذلك الا في نطاق ضيق، أشهر صوره هو تهريب أموال سائلة وهنا لا يمكن أن تتجاوز المبالغ في أكثر الأحلام جموحا مليار دولار وذلك مع افتراض أن هذا الطاغية قادر على إخفاء الخط الملاحي لطائرة النقل العملاقة التي يحتاجها لشحن مبلغ بهذه الضخامة، وقادر على عدم لفت أنظار أجهزة الاستخبارات الامريكية التي تتابع أية تدفقات أو تحويلات مالية تزيد عن عشرة آلاف دولار!
ولهذا فمن الخيال افتراض أن مبارك يمتلك سبعين مليار دولار دون أن تعلم الولايات المتحدة عنهم شيئاً أو تتحفظ عليهم وتعلن ذلك كي تتجنب ما قد يحدثه هذا المبلغ من مخاطر على امنها القومي.
أما قصة السبعين مليار فقد اخترعت في مطبخ أحد الصحف الانجليزية وذلك أثناء الثورة المصرية. ومن يتابع تغطية الصحافة الانجليزية للثورة المصرية في ذلك الوقت يجد أنها مليئة بالقوالب النمطية لديكتاتور من أفريقيا الوسطى وليس لطاغية بيروقراطي مصري، هو نتاج معقد للحياة السياسية المصرية في سبعينيات القرن الماضي، حيث الانفتاح سداح مداح!
وعندما اكتشفت الصحف الانجليزية كذب هذه الأرقام تراجعت عنها على الفور لأنها تدرك: ١. غير منطقية. ٢. استخدمت في التهييج الصحفي. ٣. تضر بمصداقية هذه الصحف والتي لا تمتلك الا شرفها!
ويمكن أن نفند ما يقال من إشاعات حول ثروة مبارك وعائلته على النحو التالي:
١. وفق أرقام الجهاز المركزي للمحاسبات والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووحدة المعلومات في مطبوعة ايكونوميست البريطانية والتي تحظى باحترام بالغ، فإننا يمكن أن نعرف حجم الموازانات والايرادات الحكومية خلال الثلاثين عاما الماضية، وهي حكم مبارك. ثم نطرح المصروفات ونسب الفساد المالي (مع توزيعها على أطراف هذا الفساد وعددهم كبير) لنفاجأ بأنه لو كان مبارك قادراً على نهب المتبقي والتربح من البنود السابقة على مدى ثلاثين عاما لما استطاع أن يكون نصف السبعين مليار دولار.
٢. هذا التقدير الجزافي لثروة مبارك استند الى صحافة مصرية تهوى المبالغات والتهويل دون أدلة أو تحقق من المعلومات من أكثر من مصدر يمكن الوثوق فيه. وكان الهدف من هذا التهويل هو ركوب موجة شعبية تريد أن تجعل من مبارك أحد أكبر ناهبي المال العام في التاريخ، وهو ما سيؤدي في النهاية الى بطلان كل ذلك والكشف عن الثروة الحقيقية له والتي مهما كبرت فلن تكون جزءاً مما قيل وبالتالي التعاطف مع مبارك على النحو الذي حدث مع الملك فاروق!
٣. لا تبدو وسائل الاعلام المصرية مكترثة كثيراً بشرفها ولهذا نطالع مواضيع وتحقيقات عن ثروة مبارك تستند الى وثائق مزيفة بالفوتوشوب مثل الوثيقة الفريدة من نوعها والتي تتحدث عن "سبيكة من معدن نفيس أودعها مبارك في بداية حكمه في أحد البنوك السويسرية وتبلغ قيمتها أكثر من سبعمائة مليار دولار"..! أو هذه "الوثيقة الصادرة من بنك أمريكي (نفسي أعرف اسمه) عن تحويلات بستمائة مليار دولار في شركة مياه في سويسرا"..! لكن لم يتوقف أحدنا بعقله عند هذه الأرقام ويكتشف أنها تتجاوز تريليون دولار، أي مبلغ قادر على التكفل بمصاريف الحروب الامريكية الخارجية خلال عشر سنوات!
٤. مبارك ليس من مصلحته في الوقت الحالي نفي أي كلام حول ثروته سواء من الداخل أو الخارج لأن هذه المعلومات الغير موثقة والتي لا تستند الى دليل تساهم في صنع بلبلة لدى الرأي العام وهي تفيده ولا تضره.
٥. تقديرات من لهم علاقة بملف ثروة مبارك، بالاضافة الى تقديرات المصادر الدولية التي يمكن الوثوق في معلوماتها تقول إن الثروة الشخصية للأب لا تتجاوز أربعة مليارات دولار وأن ثروة العائلة لا تتجاوز مجتمعة عشرة مليارات دولار، وهي أرقام كبيرة جداً بالنسبة للطغاة الذين حكموا بلداناً لديها حجم الموارد المالية المحدودة لمصر.
٦. المؤلم في الموضوع ليس ثروة مبارك ولا "الشرف المفقود" للصحافة المصرية، وإنما في رفض إعمال العقل والتوقف عند ما يقال في الصحافة بالتحليل والتشكيك والتحقق والتثبت! فقط لأن ما ورد في هذه الصحف قد وافق هوانا فإننا نسارع بتبني هذه المعلومات، بل ونستخدمها في المزايدات!
أخيراً فإنني أتوجه بالشكر العميق لصاحبة الرد المذكور أعلاه ولصاحب الإضافة المعلوماتية لأنهما ألهماني كتابة هذه السطور، وأتوجه لهما بدعوة على غداء بحري في المرسى الخاص لليخوت في منتجع برايتون الساحلي بجنوب انجلترا، إن استطاعا إثبات أن ثروة مبارك لا تقل عن سبعين مليار دولار.. والقطنة ما بتكدبش!!
مبدع كالعادة، طريقتك في البحث والسرد تجبرني على التصديق بدون مقاوحة
ReplyDeleteانا اتمنى انك تقرا ده وتقولى الوثيقه الاولى
ReplyDelete620.000.000.000 الرقم ده يعمل كام
اصلى ماليش فى الحسابات
http://klmty.blogspot.com/2011/03/blog-post_6449.html
اما بالنسبه لصحتها من عدمه دى مش شغلتى دى شغلت شركات تعقب اموال وجهات تحقيق وموال كبير
ومن الصعب الحصول على اصول المستندات الا بتسريبات زى كده او ويكيليكس والا كنا عرفنا كل ثروات الحراميه بسهوله الدول الاجنبيه مش بتفصح عن الحسابات بسهوله
وادينا شوفنا مثلا سويسرا قالت انه فى 450 مليون فرانك ومرضتش تقول كل حرامى نصيبه كام من الفلوس المسروقه دى وغيرهم امريكا وبريطانيا وشركات الاوف شور اللى فى قبرص والحسابات السريه وعملات السلاح
يعجبني في مدونتك اعمال العقل ، واسفي العميق اتجاه بعض الاعلامين ركوب الموجة كما ذكرت ، وكنت انتظر بعد 25 يناير ان يكون الشغل الشاغل هو معرفة الحقيقة لا البحث عن الفضائح التي لا تفيدنا في بناء الوطن
ReplyDeleteسلمت يداك