Friday, 2 December 2011

وقائع مكالمة لم تنته مع ناشط لم يختف



فور علمي بنبأ اختفاء الناشط والصديق أنس حسن، دار في ذهني العديد من السيناريوهات غير المريحة، ربما أقربها هو سيناريو تعامل نظام الجنرالات في الأرجنتين مع معارضيه السياسيين خلال سبعينيات القرن الماضي.

وكانت قد دارت بيني وبين أنس مكالمة استمرت لأربعين دقيقة وفيها تعرض أنس لعدد من المواضيع التي قد لا يرغب في التطرق لها عند حديثه مع جمهوره الواسع في تويتر وفيسبوك، ورأيت أن نشر محتوى هذه المكالمة قد يكون ضغطا على من أخفى أنس كي يعود الى أهله ومحبيه.

وبما أن أنس قد ظهر ثانية، وإن كان قد أوضح أنه مازال يتلقى تهديدات غير معلومة المصدر، فإن ما كتبته (ونشرته لخمس دقائق قبل أن اضطر لسحبه ثانية بناء على نصيحة صديق مشترك بيني وبين أنس) يصبح غير ذي معنى الآن فيما عدا بعض النقاط التي تبدو لازمة للفهم ونحن نحاول أن نخرج بثورتنا من أزمتها الراهنة.

وهذا هو ما كتبته:

من هو أنس حسن؟ هذا السؤال ليس مهما بقدر أهمية السؤال حول سر اختفائه الآن وما الذي يمثله هذا الشاب الصغير في السن بالنسبة للقوى المشاركة في الحرب الباردة التي اندلعت يوم الحادي عشر من فبراير الماضي، ومازالت دائرة في ربوع مصر حتى هذه اللحظة.

مكالمة الساعات الأولى من الفجر

تعرفت على أنس على شبكة التواصل الاجتماعي، تويتر، ودارت بيننا حوارات كثيرة حول رؤيته للوضع في مصر وما الذي يجب على القوى الثورية أن تفعله كي تثبت أقدامها في الشارع المصري. كان أنس في كل هذه الحوارات يقدم رؤية عميقة للوضع على الأرض مع الأخذ في الاعتبار العوامل الاقليمية الأخرى. كما كان هادئا في طرحه، غير ميال للتطرف أو الشطط في أطروحاته.

في ذروة الاشتباكات التي اندلعت في شارع محمد محمود بين قوات الأمن والبلطجية من جهة وبين المدافعين عن ميدان التحرير، قام أنس بوضع تصوره للصراع في تغريدات متتابعة على تويتر وفي حوار مع أحد المغردين على هذه الشبكة الاجتماعية.

كانت تغريداته تحمل قدرا كبير من الفهم العميق لطبيعة الصراع بين السلطة الحاكمة الآن في مصر وبين القوى الثورية التي تحاول أن تنقل الثورة من حدود ميدان التحرير الى باقي ربوع مصر وصولا الى النظام الحاكم نفسه، الذي أثبتت الوقائع التالية على تنحي مبارك أنه لم يسقط، وإن تأثر بهزة أرضية عنيفة!

طلبت منه رقم هاتفه واتصلت به حوالي الساعة الثانية صباحا بتوقيت جرينتش، فجر الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي. أجابني بصوته الهاديء المليء بالحيوية، وبدأنا النقاش بسؤالي له عن رؤيته للوضع في مصر.

دون الدخول في تفاصيل كثيرة هي كلها الآن موجودة على موقعه على تويتر أو الفيسبوك، ويمكن العودة إليها للاستفادة منها، كانت تلك هي أبرز النقاط التي تحدث فيها أنس:

  1. 1. شرحه لخريطة الصراع في مصر بين القوى السياسية وبين المجلس العسكري الحاكم والقوى الثورية الممثلة في الشباب المعتصم في التحرير.
  2. 2. إعرابه لي عن تشاؤمه من ما هو قادم من سيناريوهات، خصوصا وأن فاتورة الدماء التي أريقت في معارك شارع محمد محمود كانت في ارتفاع.
  3. 3. اقتناعه بأن الضرب العنيف في الثوار من خلال معارك شارع محمد محمود تم بضوء أخضر أمريكي وأن الصمت الغربي والأمريكي على هذا العنف (كان هذا هو الحال في تلك اللحظة) هو بهدف إعطاء المجلس العسكري فرصة كي يوجه ضربة قاصمة للقوى الثورية المشككة في إخلاصه لأهداف الثورة، وبطاقة إنذار للقوى الإسلامية من أن مصيرها لن يكون أفضل حالا إذا اختارت الصدام.
  4. 4. طلب مني أنس أن أطلع على مقالتين نشرتا في مجلة فورين بوليسي الأمريكية وفيهما إشارات الى السيناريوهات التي قد تشهدها مصر في المستقبل، وإشارات أخرى عن طبيعة ما يريده الأمريكيون لشكل الحكم في مصر وتحالفهم الاستراتيجي معها في ضوء ما يحدث في العالم العربي من موجات تغيير جارفة.
  5. 5. قال لي أنس إنه توصل الى استنتاج مفاده أن السبيل الوحيد للخروج من المأزق الراهن الذي تمر به الثورة المصرية هو التوعية المباشرة والنشطة والفعالة سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أم على الأرض وبين مجموعات الشباب، وأنه يقوم بهذا الدور بشكل فعال في المحيطين به، على أمل أن ينتقل التأثير الى دوائر أوسع.

(النقاط من ستة الى عشرة تحتاج الى موافقة أنس على نشرها).

لماذا الآن؟ وما هي الرسالة؟

من ارتكب فعل إخفاء أنس في هذا التوقيت له أكثر من غرض (هذا هو ما توصلت إليه بالأمس ومازلت أعتقد أنه يصلح مع اختطاف ناشط مثل أنس):

  1. 1. هو يعلم جيدا أن المتابعين لأنس على شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك هم من الناشطين الفاعلين على الأرض وأن إخفاء أنس في هذا التوقيت، الذي يحمل صداما بين النظام وبين هؤلاء الناشطين، سيكون رسالة لهم على أن النظام قادر على ابتكار وسائل جديدة لضربهم دون أي خوف من العواقب.
  2. 2. أدرك القائمون على تأمين النظام أخيرا أنه لا توجد جهات خارجية قادرة على التأثير على الشباب المعتصمين في التحرير أو المعارضين لسيطرة المجلس العسكري على الحكم لفترة أطول، وأن حركة هؤلاء الشباب على ما تبدو عليه من عشوائية تستند الى أطروحات فكرية يقوم بصياغتها شباب مثل أنس حسن. فإذا أدركنا أن نسبة الشباب الذين يتمتعون بوعي أنس منخفضة للغاية، ندرك أن من خطط لإخفاء أنس كان يعلم أنه يخفي ناشطا مؤثرا للغاية بالنسبة للقوى الثورية المعتصمة في التحرير، بعد أن استطاع أن يعتقل ناشطا آخر لا يقل تأثيرا وهو علاء عبد الفتاح، وأن يصفي أعين نشطاء آخرين بارزين مثل مالك مصطفى وأحمد حرارة وأحمد عبد الفتاح.
  3. 3. من قام بإخفاء أنس يعلم أيضا الدور الكبير الذي يقوم به في توعية الشباب وفي التأثير عليهم، خاصة وأن الشهور العشرة الأخيرة أثبتت أن شباب ميدان التحرير والميادين الأخرى الراغبة في التخلص من نظام مبارك، غير قابلين للاختراق الفكري من قبل أعلام الصحافة والسياسة والثقافة على مدى العقود الثلاثة الماضية. وأن السبيل الوحيد للتأثير على هؤلاء الشباب سيكون من خلال شاب يثقون فيه وفي إخلاصه للثورة، لأنه من وجهة نظرهم لن يكون ملوثا بالمناصب الحكومية التي كانت توزع على أعلام الثقافة والأدب والسياسة خلال حقبة مبارك. وبالتالي فمن أخفى أنس أراد أن يحاول الوصول لتسوية من نوع ما مع أنس، وأن يفقد الشباب المعتصمين قدرتهم على التفكير العملي الذي قد يؤدي الى إحراز نتائج في صالحهم.
  4. 4. لا تحب "الأجهزة" الإزعاج أو ما يعرف بالعامية بـ"الزن". وأنس كان زنانا في قراءته العميقة للغاية لشكل الصراع السياسي في حقبة ما بعد مبارك، وفي خروجه بهذه القراءة من الدوائر الأكاديمية الى الدوائر الشعبية، من خلال لغة تصل للجميع وخاصة الشباب الذين كانوا في سنه.
  5. 5. من أخفى أنس أيضا كان يعلم أنه يتعامل مع شخص حاد الذكاء، واسع الاطلاع، تعرض لتجربتي اعتقال من قبل، وبالتالي فالأساليب التقليدية مثل الاعتقال من خلال أمر ضبط وإحضار قد لا تجدي معه ولابد من تصعيد نوعي.

ما الذي يمكن عمله؟

(هذه الوصفة تصلح مع أي ناشط أو صحفي يتعرض للاختفاء)

المؤشرات حتى اللحظة تشير الى أن أنس لن يتعرض بإذن الله الى سوء وأنه سيتم الافراج عنه سريعا بعد أن يتأكد القائمون على أمر الإخفاء أنه، وأصدقائه الذين في التحرير، قد استلموا الرسالة وقرأوها جيدا.

لكن، ولأنهم لا يحبون الزن، فإن الحل هو الزن في كل مكان إلى أن يعترفوا بوجوده لديهم أو يتركوه ومعه ما يكفي من أجرة تاكسي الى منزله.

هذا الزن نجح في حالات كثيرة، كنت شريكا في حالتين منها. المهم الآن أن يعود أنس الى أسرته وإلى محبيه وأن يدرك من قام بإخفائه ليومين أو ثلاثة أنه قد أسدى خدمةً لأنس ولنا عندما ارتكب هذا التصرف الذي لا يليق بوطن حر وكريم مثل مصر، لأنه كشف لنا عن وجهه الحقيقي دون ماكياج الخطابات والبيانات الجوفاء.

No comments:

Post a Comment