الرئيس السادات والرئيس كارتر وجيهان السادات وروزالين كارتر |
في الفترة الأخيرة أثير الكثير من الكلام حول أن الولايات المتحدة تفكر في خفض المعونة لمصر بشقيها العسكري والاقتصادي.
وكان هذا الكلام عندما يقال خلال حقبة الرئيس المخلوع مبارك، يرد عليه من قبل صحافة النظام بأن "هذه المعونة تمثل جزءا محدودا من الناتج المحلي المصري وأن المعونة هي في الواقع تصب في المصلحة الأمريكية".
ولكن لم تكن هذه الصحافة قادرة على الاستطراد أكثر والقول بأن المصلحة الأمريكية من المعونة تعني أن مصر تقدم "خدمات" مقابل هذه المعونة. وهو التعبير الذي استخدمه رئيس مجلس الشعب السابق أحمد فتحي سرور عندما قال خلال زيارة الى الولايات المتحدة عام 2008 أن "مصر تقدم خدمات للولايات المتحدة مقابل هذه المعونة".
النقاط التالية هي ملاحظات على هامش ما يسمى بالمعونة الأمريكية لمصر، والتي قد يتضح بعد قراءتها أنها ليست "معونة" بقدر ما هي "مغناطيس" يحافظ على أن تبقى مصر ضمن المنظومة الأمريكية في الشرق الأوسط.
النقطة الأولى: عد الى التاريخ!
قبل ثورة 1952 كانت مصر تدور في الفلك البريطاني بفعل رضوخ نظام الحكم للامبراطورية البريطانية وسيطرة الامبراطورية على قناة السويس، بالاضافة الى القواعد العسكرية البريطانية في مصر. لكن شمس الامبراطورية كانت على وشك الغروب وكان على الولايات المتحدة أن تملأ الفراغ الذي ستتركه الامبراطورية البريطانية كي لا يسبقها إليها الاتحاد السوفيتي.
منذ عام 1952 وحتى عام 1956 كانت هناك محاولات أمريكية لامتصاص الثورة المصرية وجعل نظام الحكم الجديد جزءا من الرؤية الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. وهي محاولات تشبه الجهود الأمريكية الحالية لاحتواء الثورة المصرية مع فارق وحيد، وهو أن الولايات المتحدة تدرك أن المجلس العسكري الحاكم ليس الطرف الأقوى في المعادلة المصرية.
في عام 1956 انهارت جهود الولايات المتحدة في احتواء الثورة المصرية وذلك مع أزمة السويس والتي جعلت الاتحاد السوفيتي الحليف الأكبر لمصر منذ ذلك التاريخ وحتى عام 1972 وهو تاريخ طرد الخبراء السوفيت من مصر.
لم تكن مصر كدولة نامية، قادرة على مواصلة جهودها في التنمية الاقتصادية دون حليف قوي يقدم لها مساعدات عسكرية واقتصادية. وكان الحليف الأقرب لتوجهات النظام السياسي المصري في ذلك الوقت هو الاتحاد السوفيتي.
الرئيس السادات وهنري كيسنجر أغسطس 1975 |
قبل حرب 1973 بأشهر وبعد الحرب وتحديدا خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، حطت طائرة هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية فيما بعد، في مطارات القاهرة وأسوان أكثر من أي طائرة أجنبية أخرى، وجرت اجتماعات عديدة مع الرئيس السادات وأدركت الإدارة الأمريكية وقتها أن الرئيس المصري يريد "تحولا استراتيجيا" من الاتحاد السوفيتي الى الولايات المتحدة، وهنا بدأت بذور العلاقات الرسمية المصرية الأمريكية بشكلها الحالي.
ومن يعود الى مذكرات كيسنجر والى وثائق وزارة الخارجية الأمريكية خلال ذلك الوقت يذهل من دهشة كيسنجر من أن الرئيس السادات طرد الخبراء السوفيت دون "طلب مقابل من الولايات المتحدة". وهي واقعة تاريخية تكررت فيما بعد مع الرئيس المخلوع مبارك، عندما ذهب إليه وفد من رجال الكونجرس الأمريكيين لإقناعه بالمشاركة في الحشد العسكري من أجل مواجهة الجيش العراقي الذي احتل الكويت وفوجئوا بأن مبارك يزايد عليهم في ضرورة مواجهة صدام والقضاء على قوته العسكرية دون أن يطلب مقابلاً!
في عام 1977 قام الرئيس السادات بمبادرة السلام عندما زار القدس واستمرت المحادثات بين المصريين والاسرائيليين برعاية أمريكية مباشرة والتي انتهت بالتوقيع على معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979.
منذ ذلك التاريخ، بدأت المعونات الأمريكية لمصر بشقيها العسكري والاقتصادي وبشكلها الحالي، حيث كانت الولايات المتحدة قد قدمت خلال الخمسينيات معونات لمصر وكانت شحنات من الغذاء والقمح.
وخلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كانت المعونة الأمريكية في شقها الاقتصادي مخصصة للبنية التحتية المصرية وكان الهدف السياسي منها هي دعم خليفة الرئيس السادات، حسني مبارك، والذي لم يكن يتمتع بأي كاريزما شعبية أو رغبة في إحداث تغيير سياسي حقيقي وتداول سلمي للسلطة في مصر. ومن ثم فقد كان من وجهة نظر الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء جمهورية، كإدارتي ريجان وبوش الأب، أو ديمقراطية كإدارة كلينتون، أن دعم مبارك اقتصاديا قد يؤمن نظام حكمه من أية اضطرابات شعبية قد تؤثر على الدور الذي يلعبه هذا النظام في خدمة الاحتياجات الاستراتيجية الأمريكية مثل: الاشتراك في حرب المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان من خلال المعدات العسكرية وعبر تسهيل سفر أعضاء الجماعات الاسلامية، والاشتراك في حرب الخليج 1991، والاشتراك في الحرب الإقليمية على الإرهاب خلال التسعينيات، والمساهمة في التبادل الاستخباراتي لمساعدة واشنطن في حربها الكونية على الإرهاب في أعقاب هجمات سبتمبر ألفين وواحد.
ويكفي أن نعلم أن المخابرات المصرية كانت الجهاز الأمني الأكثر اختراقا لتنظيم القاعدة بعد المخابرات العسكرية الباكستانية. ولكن الفارق أن المخابرات العسكرية الباكستانية لم تكن تطلع الأمريكيين على كل ما لديها بعكس المخابرات المصرية. ومن الطريف أن ذلك انعكس على وضع المصريين في تنظيم القاعدة، والذين كان ينظر لهم باعتبارهم عملاء للمخابرات المصرية إلى أن يثبت العكس!
مقاتلة إف 16 تابعة لسلاح الجو المصري خلال التزود بالوقود من طائرة تابعة لسلاح الجو الأمريكي |
أما بالنسبة للمعونة العسكرية فإن الولايات المتحدة استطاعات أن تكون المورد الرئيسي للسلاح لمصر، وهو ما يعني أن أي قطع للعلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة سيعني بالضرورة أن يلجأ الجيش المصري لمصادر أخرى من أجل التسلح وهو ما يجعل مصر خارج الإطار الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة.
ويمكن العودة الى مقال نشر في مجلة الإيكونوميست بتاريخ الرابع والعشرين من فبراير 2011 تحت عنوان "علاقات جيش – بجيش". وقد أشار المقال الى أن "جزءا من وقوف الجيش المصري بصورة جزئية مع المتظاهرين المناوئين للرئيس السابق مبارك يعود الى الاتصالات التي جرت بين البنتاجون وبين قيادة الجيش المصري، وذلك بعد أن انقطع الاتصال السياسي بين البيت الأبيض وبين القصر الجمهوري".
كما يشير المقال الى أن "الجيش المصري حصل على أحدث أنواع الأسلحة الأمريكية، وأن وضعه الآن يشبه وضع جيش شاه إيران قبل الإطاحة به عام 1979. حيث أدى انقطاع قطع غيار المعدات العسكرية الأمريكية الى إيران الى إضعاف الجيش الايراني بشكل كبير، وأن هذا قد يحدث للجيش المصري إذا انقطعت العلاقات العسكرية بينه وبين الولايات المتحدة".
هذه العلاقات العسكرية بين البنتاجون وبين الجيش المصري، ما كانت لتصل الى هذا النوع من القوة، لولا المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر خلال ثلاثة عقود. وبالتالي فإن أي حديث عن انقطاع المعونة العسكرية هو مجرد كلام يجب أن يقال داخل أروقة الكونجرس من أجل الناخب الأمريكي، الذي ينزعج بشدة عندما يشاهد على شاشات الإعلام "مداهمات من قبل قوات الأمن المصرية لمقار منظمات حقوقية تريد نشر الديمقراطية".
ومن اللافت للنظر أن العلاقات الرسمية المصرية الأمريكية عندما وصلت الى أدنى مستوى لها خلال إدارة الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش، لم تؤثر على مستوى المعونة العسكرية، وهو ما انعكس في حصول القطع الحربية الأمريكية على إذن بعبور قناة السويس للاشتراك في حرب 2003 لغزو العراق.
النقطة الثانية: احتواء الثورة!
الرئيس عبد الناصر والرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور |
في أعقاب إجبار الرئيس المخلوع مبارك على التنحي عن الحكم، حاولت الإدارة الأمريكية أن تقوم بعدد من المبادرات التي تهدف الى إرسال رسالة الى الشعب المصري مفادها "أننا معكم في الأوقات العصيبة التي تلت نجاح ثورتكم ونريد أن نبقى أصدقاء أوفياء لكم". وكانت هذه المبادرات تتمثل إما في مساعدات اقتصادية أو في شطب 500 مليون دولار من الديون المصرية.
ولم ير الشعب المصري من هذه المساعدات شيئا حتى الآن، كما لم يصل للحكومة المصرية ما يفيد بشطب هذه الديون.
وسبب هذا التأخر يعود الى الارتباك المستمر نحو الثورة المصرية منذ ما قبل خلع مبارك وحتى حصول الإسلاميين على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة.
فالإدارة الأمريكية لا تريد أن تكرر سيناريو تشيلي عندما ساندت انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه على الرئيس المنتخب سلفادور أليندي عام 1973، وذلك لأنها رأت في الرئيس المنتخب تهديدا لها، لما أظهره من رغبة وإرادة في صنع قرار وطني غير خاضع لواشنطن، خصوصا في مجال الصناعة والاقتصاد.
ولا تستطيع الإدارة الأمريكية، في الوقت الذي تنفذ فيه ما يسمى بعملية "فك ارتباط تكتيكي بالشرق الأوسط"، أن تتعامل مع هزة سياسية جديدة في مصر مثل الهزة التي صاحبت خلع حليفها الاستراتيجي لثلاثة عقود.
وبالتالي فإن كل ما سنراه من واشنطن خلال الفترة المقبلة سيتمثل في خطاب يخرج من البيت الأبيض ويطالب المجلس العسكري "بجهود حقيقية لدعم الديمقراطية وفي رغبة إدارة الرئيس أوباما في دعم مصر كدولة صديقة وحليف مهم في الشرق الأوسط"، وفي خطاب آخر يخرج من الخارجية الامريكية ويطالب المجلس العسكري "بالكف عن التعامل المفرط في القوة مع المتظاهرين السلميين المطالبين بتحول ديمقراطي يلبي طموحاتهم"، وفي خطاب ثالث يخرج من البنتاجون ولكن لن نعلم عن فحواه شيئا. فقط سيشار إليه بسطر في وكالة الأنباء الرسمية يقول: "تلقى سيادة الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة، اتصالا من الجنرال مارتن ديمسي، رئيس قيادة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الأمريكية. وقد بحث الاتصال أوجه التعاون في المجالين العسكري والاقتصادي وتطورات الأوضاع في المنطقة".
النقطة الثالثة: ربنا يستر!
عدد كبير من المواطنين داخل القطر المصري يقولون عندما تسألهم زوجاتهم قبل النوم: تفتكر البلد رايحة على فين يا أبو المعاطي؟ .. يجيبون باقتضاب: ربنا يستر! ثم يحاول أبو المعاطي النوم وهو لا يدري ما سيحمله إليه الغد من أحداث قد تعصف بالمعادلة التي استطاع أن يوفر بها لقمة العيش لأسرته.
قد لا يكون من الجموح تخيل أن الرئيس الأمريكي عندما يجتمع مع فريق الأمن القومي في مكتبه البيضاوي، خلال اجتماعهم الصباحي، ويسأل مستشاره للأمن القومي ووزيرة خارجيته ومعهم رئيس قيادة الأركان المشتركة ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية، "هي مصر رايحة على فين يا جماعة؟"، أن يجيبه الأربعة بقولهم: ربنا يستر مستر بريزيدنت!
قراءات قد تفيد:
No comments:
Post a Comment