نشرت جريدة الوفد على بوابتها الالكترونية دراسة للصديق أحمد سرحان بعنوان "عيش، حرية، عدالة اجتماعية. علامة استفهام".
وأثارت الدراسة علامات استفهام حول ما تردد حول الاقتصاد المصري بعد الخامس والعشرين من يناير، وتعرضت لنقاط بالغة الأهمية مثل العدالة الاجتماعية خلال عصر مبارك. وقد قمت بالرد عليها من خلال تدوينة حملت اسم "الثورة وتراكم الثروة.. وأوهام الاقتصاد المزدهر". وقد كان الصديق أحمد سرحان كريما في الرد على هذه التدوينة في مجموعة من التعليقات القيمة التي تستحق القراءة والتمعن فيها والتفكير فيما تحمله.. وقد أرتأيت دون أن أستأذن صديقي الكريم في أنشر رده في تدوينة، دون أن ألحق رده بتعقيب كي تتاح للجميع فرصة قراءة رده والحكم على السجال المتواصل حول الاقتصاد المصري في عصر مبارك.
وقبل أن تقرأوا رد الصديق الكريم أحمد سرحان، أجد نفسي مديناً بشكر عميق على هذا الرقي الذي أظهره في السجال حول الاقتصاد المصري، حتى وإن اختلفت الرؤى.
"أولا، أشكرك يا أحمد على وقتك ومجهودك و قبل ذلك اهتمامك بكتابة رد و تعليق على ما كتبته أنا. فهذا يعني ان الهدف الذي من ورائه كتبت قد تحقق – و هو أن نثير نقاشا خارج الصندوق و تفكيرا خارج النمط السائد، بغض النظر عما اذا كان كلامي مقنعا أم لا. المهم أن نتحاور و نتناقش من أجل مصر و مستقبلها. رغم أن لي عتابا أن تعليقك على ما ورد في بحثي من أرقام و مؤشرات لم يعتمد على مقارعة الحجة بالحقة و تفنيد الرقم بالرقم بل اعتمد في اغلبه على حديث مرسل مكرر من نفس خطاب الاعلام في السنوات الأخيرة. و قد كنت أكتب مفالي من أجل أن ننطلق في نقاشات علمية بدلا من حديث الصحافة الذي يعتمد على اكليشيهات محفوظة و مكررة.
لمذا أشعر يا صديقي بأنك "خلعت" بعض الجمل في بحثي من سياقها؟ مثلا، حديثي عن خطاب الحزب المنحل و حكومته الساقطة و عدم قدرتهما على التواصل مع الشعب واشراكه في القرارات و الخيارات – هذا أعني به المشاركة السياسية الديموقراطية السليمة.. بينما أنت اعتقدت أنها تعني حوارات قيادات الحزب التليفزيونية. عموما، هذه الحوارات في نظري دليل فشلهم و عجزهم، وهي بالتأكيد ليس ما كنت أعنيه.
أما أموال التأمينات، فقد جاء 3 وزراء مالية بعد يوسف بطرس غالي و جاءت وزيرة للتأمينات خصيصا، وكلهم لم يجدوا في تركة الوزير ما يسوغ لهم مهاجمته او التشهير به. و كلهم أكدوا ان اموال التأمينات – عكس ما يشاع في اعلامنا المهترئ الجاهل – لم تمس و أنها على العكس قد ارتفعت استثماراتها (لا داعي للدخول في الأرقام و التفاصيل المالية و المحاسبية). تستطيع أن تجد المزيد هنا:
http://egyptconsultant.blogspot.com/2011/09/453.html
الهدف هو فهم الواقع للعمل على تحسينه مستقبلا. لا يهمني ان كان قياس العدالة يظهرنا في موضع جيد أو سئ. المهم أن نتمكن من قياسها علميا لتكون نقطة مرجعية نقيم بها تطورنا و أداءنا مستقبلا. سنضطر لاتخاذ قرارات صعبة بخصوص الدعم والانفاق الحكومي، ولابد أن نفهم تاثير ذلك على العدالة الاجتماعية والفروق بين الطبقات. كيف نفهم اذا لم نتمكن من القياس اليوم و امس و غدا؟ أريد أن أفهم ماهو مستوى العالة الاجتماعية المستهدف مستقبلا؟ أريد أن أعرف كيف سيؤثر النمو الاقتصادي على الفروق بين الطبقات كما حدث في الصين و البرازيل و تركيا؟ ان الذين خرجوا يوم 25 يناير يهتفون بالعدالة الاجتماعية هم من الطبقات العليا المتوسطة و ليسوا الفقراء: هل يدركون أن هذا الهتاف يعني أن نأخذ من أموالهم و ثرواتهم هم و ليس غيرهم و نعيد توزيعها على الطبقات الأدنى؟ على أية حال، لا احد ينكر أن عصر عبدالناصر كان يشهد عدالة اجتماعية أفضل مما نراه اليوم، ولكنها عدالة تساوى فيها الشعب المصري في الفقر والحاجة ومحدودية الفرص . وقد صدق من قال: المساواة في الظلم عدل.
على أية حال، المستقبل هو المهم. و كوني لم أكتب هذا الكلام سابقا و كتبته اليوم دليل على انني لم استفد منهم ابدا و لست أدافع عن أحد.. بل أدافع عن مبدأ.. و عن المستقبل. ولذلك فانني أعتقد أنه لم يكن ينبغي ابدا مقارنة كلامي بكلام أحمد عز و أحاديث جمال.
علمتنا تجارب الدول الاخرى (كما ذكر هنتنجتون في كتابه الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي و كذلك قال فريد زكريا في كتابه مستقبل الحرية) أن تحسن الأحوال الإقتصادية يرفع من درجة وعي المواطنين بحقوقهم الأساسية. لقد توسعت الطبقة الوسطى في مصر و ارتفعت معها طموحاتها الاقتصادية و كذلك السياسية بشكل تجاوز ما كان يسمح به النظام القائم. فرغم كل ما حققه هذا النظام الا أن خطابه السياسي فشل تماما في تسويق ما أنجزه، كما أن تركيبته السياسية فشلت في استيعاب طموحات ابناء الشعب. لقد حاول النظام أن يتحرك سياسيا للأمام في 2005، ولكن الديناصورات التي كانت تعشش في جنبات النظام كبلت يديه و أعاقت حركته.
كما قلت، الهدف من التدوينة هو محاولة استقراء المستقبل حتى لا نقع في فخاخ اقتصادية بدافع الانتقام من الماضي. والا، فكيف نصنع المستقبل فى بلد يهدم التاريخ؟
نعم ادارة الدولة فاشلة في توزيع الدعم. و لكن أقصد بالدولة المنظومة كلها من حكومة و شعب و جهاز اداري بيروقراطي عقيم و أجهزة اعلام تتعمد المزايدة و تجهيل الناس. السوؤال هنا: لقد سقط هذا النظام "الغبي الفاشل"، كيف سيتصرف النظام الجديد لتصليح هذا الخلل؟ هل سيستطيع أن يحول شعاراته الى حقيقة؟ أنا شخصيا أشك كثيرا في أن مصر ستعرف استقرارا قبل 10 سنوات على الاقل، أو أن الحكومات القادمة ستتصرف في موضوع الدعم كما ينبغي. نيجيريا من اكبر مصدري البترول في العالم، و عندما قرر الرئيس جناثون رفع دعم الوقود من اسبوع خرج الناس في الشوارع في اضرابات و اعمال شغب لا تختلف كثيرا عن مصر 1977. و اليوم تراجع الرجل و خفض سعر البنزين 30% مرة واحدة .. ما الحل؟
ما أحاول قوله هو ان نعرف بالضبط اين نحن اليوم .. و اين نريد أن نكون غدا .. و كم سيكلفنا الانتقال من اليوم الى الغد .. و كم من الوقت نحتاج لنصل الى هذا الغد .. مش مهم احنا كنا حلوين وللا وحشين .. المهم نعرف نقيس كيف كنا و نعرف نحدد بدقة أين نريد أن نكون غدا.
نعم الطبقة الوسطى المصرية فقيرة مقارنة بأوربا و امريكا .. صحيح ... لم اقل عكس ذلك أبدا.. ما قلته هو الفرق بين الطبقات ليس بهذا الاتساع .. نحن دولة فقيرة الموارد للغاية .. نحن شعب كل طباقته في مستوى دخل أقل من الدول التي سبقتنا ..ولكن، ألم نكن افقر كثيرا في الماضي؟ أين نريد أن نكون غدا؟ و كيف؟ اذا أعجبنا وضع السويد و بريطانيا و امريكا، هل نحن جادون في أن نسلك نفس الطريق بنفس معاناته؟ في نفس الفترة التي إزداد فيها تعداد سكان بريطانيا 9 مليون نسمة و المجر "بصفر"، إزدادت مصر 53 مليون نسمة
أن كل الحكومات القادمة و لمدة 30 سنة أخرى ستسخدم نفس الحجة: الزيادة السكانية. من غير المعقول أن نكون اقل من نصف عدد سكان انجلترا منذ 50 عاما و اليوم نقترب من الضعف. مهما كانت الموارد و مهما كان استغلال الزيادة السكانية، هذا غير معقول و لن تصلح مع اي موارد. كوريا الجنوبية مثلا لم تزد في خلال 30 عاما سوى 5 او 6 ملايين نسمة، بينما قفزنا نحن 40 مليون.. أي الضعف.. أما الموارد، فبالله عليك اين هي تلك؟ مساحة الارض القابلة للزراعة والاستصلاح في مصر لم تتجاوز عبر تاريخنا منذ الفراعنة ما نسبته 4% فقط من اجمالي المساحة .. دي من عند ربنا، نحن بلد صحراوي شحيح المياه.. لا أمطار و لا أنهار تنبع من داخل الوطن. مقارنة بتركيا، مساحة الأرض القابلة للزراعة و الاستصلاح أكثر من 50% من اجمالي مساحة تركيا. و المياه المتجددة داخل الأراضي التركية تصل الى 1000 ضعف مثيلتها في مصر. دي خلقة ربنا ودي طبيعة أرضنا.. لن أتحدث عن الغابات و الاشجار و المناخ.. كنا نسرق من حصة السودان سابقا من مياه النيل و لكن بعد سد الجنوب لا نستطيع. نصيب الفرد من مياه النيل في تناقص مستمر و لا توجد مياه جوفية نستطيع استخراجها بسهولة، كما أن تكلفة تحلية مياه البحر غير اقتصادية بالمرة. عموما، الفيصل بعد 10 سنوات او 30 عاما.. نفس الحجة؟
المهم ان نتفق على القياس والحقائق، ثم نختلف كما نشاء في تفسيرها و كيفية الاستفادة من الحقائق التي تحصلنا عليها. مشكلة الكثير من النقاشات التي دارت و تدور في مصر في السنوات الأخيرة انها بالفعل حوار الطرشان حيث لا توجد اي أرضية مشتركة للنقاش أو اي حديث عن الحقائق أو اتفاق حول اسلوب للقياس والتوصيف. مجرد كلام مرسل من كل الأطراف. تعالوا الى كلمة سواء بيننا و بينكم.. كان هذا التوجيه القرآني، الاتفاق على الأرضية ثم النقاش. تفسير حضرتك أن تراكم الثروة حصل بشكل فردي لا قومي هو رايك الذي يحترم و يشترك فيها الكثيرون.. ولكنها تبقى مسألة جدلية: هل هؤلاء الاغنياء في غنى عن الفقراء؟ اي هل يستطيعون أن ينعزلوا بثرواتهم دون أن ينال الفقراء نصيب منها كعمال في مصانع الأغنياء و تجارتهم بل وحتى كمستهلكين لمنتجاتهم ؟ الفرق بين الطبقات لم يكن بهذا السوء، والا فلننظر الى الصين والهند مثلا.
في كتاب "الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي" الذي سعى فيه صمويل هنتغنتون لتفسير أسباب موجة التحول الديمقراطي حول العالم بين عامي 1974 و 1990، ذكر بأن النمو الإقتصادي قد يكون محفزا لحدوث الثورات. و قد إستنتج ذلك من خلال الربط بين معدلات نصيب الفرد من إجمال الدخل القومي و عملية التحول الديمقراطي. فقد وجد بأن 76% من الدول التي دخلت في طور التحول الديمقراطي في تلك الفترة كان نصيب الفرد فيها من إجمال الدخل القومي ما بين 1000 و 3000 دولار. و كانت فكرته أن هذه المعدلات تسمح بظهور طبقات وسطى متعلمة أكثر وعياً بحقوقها المدنية و السياسية. و بالمناسبة هذه المعدلات كانت في إرتفاع مستمر خلال السنوات الخمس الماضية في جميع دول الربيع العربي بما في ذلك اليمن و سوريا و ذلك بحسب أرقام البنك الدولي. فكرة هنتغنتون ببساطة هي أن العملية الديمقراطية لا يمكن أن تحدث في الدول الفقيرة و إن حدثت فلا يمكن لها أن تدوم و الهند هنا تكاد تكون الإستثناء الأبرز. و في المقابل، فإن معظم الدول الغنية هي بالفعل ديمقراطية و يمكن على سبيل الإسترشاد فقط الإطلاع على مؤشر الديمقراطية الذي تصدره وحدة المعلومات بمجلة الإيكونومست و ملاحظة أن معظم الدول الكاملة الديمقراطية هي أيضاً من أغنى دول العالم. و الإستثناء هنا هو الدول الريعية و على رأسها السعودية و معظم دول الخليج.
خلاصة القول، أن تحسن الأحوال الإقتصادية يرفع من درجة وعي المواطنين بحقوقهم الأساسية. و تحت الأنظمة الإستبدادية فإنه هناك ثمة علاقة طردية بين تحسن الحالة الإقتصادية و بين المطالبة بالتحول من نظام إستبدادي إلى نظام أكثر ديمقراطية. و يمكن القول أيضاً أن نظام الرئيس مبارك نجح في تحسين الحالة الإقتصادية في مصر و لكنه فشل في تحقيق إصلاحات سياسية بالتوازي فأدى و من دون أن يحتسب إلى قيام ثورة أطاحت بحكمه.
أما صديقنا عم علي، ففي الثورة القادمة مش عايزك تنصح علي بالصبر ولا حاجة.. فقط اشرح له انت بتعمل ايه و مستقبله هيكون ازاي و احرص على أنه يقتنع و لا ينقلب عليك بعد شهور قليلة.
لم اقل أبدا ان احنا كنا زي الفل. بالعاكس، قلت بوضوح "الطبقة الوسطى كانت تعاني" . الهدف من التحليل ده هو عدم هدم ما سبق لمجرد الانتقام منه. أ...خطر شئ ممكن يحصل لمصر هو الاستسلام للاسلاميين لليساريين اللي عايزين يرجعونا للوراء و يطبقوا نظرياتهم الفاشلة كما فشلت في كل العالم. الهدف من التدوينة دي هو محاولة عدم الوقوع في الفخ بتاعهم. أما بالنسبة للنقاط اللي انت ذكرتها:
ايوه انا عارف ان فيه صعوبة شديدة لشباب كتير انهم يتجوزا، بس في نفس الوقت معدل المواليد في مصر يعتبر من أعلى المعدلات في العالم !! احنا بلد فقيرة للغاية و مواردها محدودة و مصروفاتها معروفة: ربع للأجور، وربع للدعم، وربع لخدمة الدين، وربع للبنية التحتية والاستثمارات الأخرى. يعني من الآخر اطبخي يا جارية، كلف يا سيدي.
ومهما حصل من تطور اقتصادي هيفضل برضه عندك ناس مش عارفة لا تتجوز ولا تلاقي شقق "ترضي طموحاتها" . مافيش نظام اقتصادي في التاريخ يقدر يمحي الفقر.
نفس الكلام ينطبق على العلاج. وانا لم اقل احنا كنا زي كندا و لن نكون.. حتى أمريكا الانفاق على الرعاية الصحية للفرد أعلى من كندا و رغم ذلك الكل يعرف أن الخدمة في كندا أفضل.
بالمناسبة، فعلا ايران والارجنتين أفضل من مصر في الانفاق على الرعاية الصحية لكن مش بالنسب دي.
حسب منظمة الصحة العالمية احصاء 2008: مصر تنفق 4.5% من الناتج المحلي الاجمالي على الرعاية الصحية، و ايران 5.5% و الأرجنتين 7.4% و السعودية 3.6% و قطر 3.1% و الامارات 3.1% وماليزيا 4.3% من حجم الناتج المحلي الاجمالي.. وعموما الدول دي مش من الدولة الجيدة في الانفاق الصحي و طبعا معاك حق ان ده لا يليق بنا. لكن أرجع و اقول: هل نحن مستعدون لرفع الدعم عن البنزين مثلا ليصبح اللتر بدولار زي ايران (رغم انها دولة مصدرة و عضو في الأوبك) أو يصبح 2 دولار زي كمبوديا الفقيرة (انا هناك حاليا) أو يصبح دولار ونصف زي تركيا؟ هل نحن مستعدون لرفع الدعم و توجيهه للصحة والتعليم؟ مصر رابع أرخص دولة على مستوى العالم، والأرخص على الإطلاق بين الدول غير الأعضاء في الأوبك ..هنعمل ايه في دعم الخبز؟ دعم المواصلات؟ دعم السكة الحديد؟ أسئلة في منتهى الصعوبة.
الفكرة بقى، الاسباب الاقتصادية اللي اتقالت مستحيل تكون سبب ل 25 يناير لأنه ببساطة دول كثير جدا تعاني أكتر من مصر و احنا كنا بدأنا نمشي صح. سنحتاج 10 سنوات على الاقل حتى نصل الى نفس المستوى الاقتصادي اللي كنا عليه بنهاية 2010 رغم انه مش ممتاز يعني. وفي خلال السنوات دي البطالة ستزيد بالتأكيد و الأعباء ستتضخم. مصر كانت محتاجة نمو مستدام زي الصين 8 و 1% لمدة 20 سنة حتى نخرج من دائرة الفقر والحلقة الجهنمية التي تشدنا دائما للخلف.
أكرر: مسألة "شعور" المواطن بالتحسن لا علاقة لها بالتحسن ذاته من عدمه، المواطن لم يشعر بالتحسن لغياب الخطاب السياسي المفسر للتحولات الاقتصادية والاجتماعية.
أيوه النظام السابق أخطأ .. لكن ايه هي افكار النظام القادم؟؟ هو ده السؤال."
No comments:
Post a Comment