في أعقاب النصر العسكري المفاجئ لإسرائيل على الدول العربية في حرب عام 1967، توصل أحد كبار منظري الفكر الصهيوني، ومؤسس المجلس اليهودي العالمي، ناحوم جولدمان الى قناعة بأن أمن إسرائيل على المدى البعيد وبقائها دون تهديد يعتمد على حجم التنازلات التي تستطيع أن تقدمها للعرب من أجل إقامة دولة فلسطينية والتوصل الى اتفاق سلام.
في عام 1969 توجه جولدمان الى زعماء إسرائيل، الذين كانوا وقتها من الصقور حيث كانت جولدا مائير رئيسة للوزراء، بالطلب منهم فتح قنوات اتصال مع العرب والتوصل الى اتفاق سلام. وكانت فكرته مبنية على أن إسرائيل "غير قادرة على استيعاب النصر الذي حققته والذي اعتمدت فيه على الآلة الحربية" وأن هذا لن يؤدي الى ضمان أمنها على المدى البعيد أو حتى المتوسط.
الإخوان وإسرائيل: النقاط المشتركة تقود الى نفس المصير!
تبدو النقاط التي تشترك فيها جماعة الاخوان مع "دولة إسرائيل" مثيرة للدهشة والتأمل!
أولاً: يسيطر على الكيانين (الاخوان أو إسرائيل) إحساس بأن الخطر الخارجي الداهم يفرض على الكيان أن يكون متماسكاً، ومسيطراً عليه من قبل نخبة لا تقبل أي نوع من المعارضة خلال المعارك المصيرية. في الحالة الإخوانية يمكن الاستدلال على ذلك بالحالات التي فصل فيها أي عضو من الإخوان يبدي مرونة سياسية تجاه الخصوم التقليديين للجماعة. أما في الحالة الاسرائيلية فيمكن الاستدلال بتطرف إسرائيل في مواقفها تجاه أي إسرائيلي يبدي تعاطفا أو تفهما لحقوق الشعب الفلسطيني بالرغم من شعارات أنها "واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
ثانياً: يسيطر على الكيانين إحساس دائم بأنهما محاصرين من محيط خارجي معادي لهما. في حالة الإخوان تطورت هذه الفكرة مع سيد قطب الى "تكفير المجتمع عبر القول أن المجتمع يعيش في جاهلية". في حالة إسرائيل تطورت هذه الفكرة الى مرحلة المطالبة بطرد العرب، ممن يحملون الجنسية الاسرائيلية، الى الدول العربية فيما يعرف بمفهوم "يهودية الدولة".
ثالثاً: يسيطر على الكيانين مفهوم "السيطرة على المحيط الخارجي دون الإندماج فيه". في حالة الإخوان: على الرغم من "أممية الدعوة الإخوانية والعمل على الوصول الى هدفها الأسمى وهو إقامة دولة الخلافة"، فإن المسار التاريخي للجماعة يدل على عدم الرغبة في الاندماج في المجتمع، خوفاً من أن يؤثر المجتمع على الجماعة سلباً، فتفقد قدرتها على إنشاء "الأسرة المسلمة الصالحة". وقد تبدى ذلك في أمور كثيرة لعل أبرزها ما قاله صبحي صالح حول "ضرورة زواج الشاب الإخواني من الفتاة الإخوانية"، وحول علاقات المصاهرة التي تسيطر على الدوائر العليا في الجماعة، والتي تلتقي العديد منها بالمناسبة في شخص خيرت الشاطر!
في حالة إسرائيل فإن الاندماج في المحيط الأوسع وهو العالم العربي يعني نهاية هذه الدولة بفعل عاملين: 1. اليهودية ينظر إليها باعتبارها هوية عرقية لا دين تبشيري مثل الاسلام أو المسيحية، وبالتالي فإن أعداد اليهود لن تزيد مثل الزيادة السكانية للعرب. 2. معدل الزيادة السكانية لدى العرب داخل إسرائيل أعلى من معدل الزيادة السكنية لدى اليهود وهو ما يعرف في الفكر السياسي الاسرائيلي بـ"القنبلة الديموغرافية".
رابعاً: يعتقد منظرو الكيانين أن تفادي الصدام الواسع مع المحيط هو السبيل الدائم للنجاة. في الحالة الاسرائيلية فإن منظرو الفكر الصهيوني يعتقدون أن الهدف من المصالح التجارية لإسرائيل واتفاقات التطبيع مع العرب ليس الربح بقدر "القضاء على الأسباب المؤدية للصراع" عبر "تزويج المصالح التجارية للعرب مع الآلة الاقتصادية للصهيونية في العالم". في الحالة الاخوانية فإن تصريحات عاكف وبديع المهادنة لمبارك والراغبة "في الجلوس معه وتأييده في انتخابات الرئاسة" تهدف إلى تفادي الصدام مع السلطة للحفاظ على كيان الجماعة. موقف يفسر تردد الجماعة في الاشتراك في الثورة من يومها الأول أو في تفادي الصدام مع المجلس العسكري، والاكتفاء بالتصعيد التكتيكي من أجل احتواء "غضب شباب الجماعة".
درس جولدمان..
تبدو جماعة الاخوان الآن في نفس اللحظة التي وجدت فيها إسرائيل نفسها في أعقاب حرب 1967. فالجماعة، وفق تعبير جولدمان لقادة إسرائيل، غير قادرة على استيعاب "النصر الواسع الذي حققته" في السيطرة على الآلة التشريعية والنزول لمعركة الرئاسة وقريبا حق تشكيل الحكومة.
هذا "النصر الواسع" يعني أمرين رئيسيين:
الأول: تأكيد رغبة المؤسسة العسكرية في البقاء في خلفية الصورة كوصي للحفاظ على النظام الجمهوري، خصوصا في حال لجوء قطاعات واسعة من الشعب إليها لإنقاذها من استبداد الجماعة المهيمنة على الآلتين التنفيذية والتشريعية في الدولة. وربما لاحقا عودة الجيش الى واجهة الدولة.
الثاني: سقوط مناعة جماعة الاخوان من أية محاولات لاختراقها وتغيير بنيتها من الداخل. فالجماعة تسير الآن على خطى الأحزاب والجماعات السياسية الأيدولوجية عندما تصل للحكم، مثل حزب البعث في العراق أو حزب البعث في سوريا عندما وصلا الى الحكم وتحولا من أحزاب تضم أعضاء مؤدلجين الى أحزاب بها دوائر من المصالح الانتهازية التي تسعى الى الصعود الاجتماعي السريع. بالتالي سيكون من المستحيل ألا يتم اختراق الجماعة على نحو واسع من قبل نفس أنواع الشخصيات التي كانت فاعلة في تجربة الحزب الوطني الديمقراطي.
ملاحظات ضرورية قبل الاختلاف مع هذه الرؤية:
أولاً: لا تهدف هذه المقارنة بين الجماعة وبين إسرائيل الى الإساءة الى الإخوان والذين عرفوا في مراحل تاريخية بأدوارهم الوطنية والبطولية في الدفاع عن الحق العربي في أرض فلسطين.
ثانياً: هذه المقارنة هي بين كيانين بالمفهوم الأكاديمي لكلمة "كيان"، لا المفهوم السلبي للكلمة في الصحافة العربية.
ثالثاً: لا تتوقع أن تنزل الى حلبة السياسة دون أن تبتل!
أووف جامدة جدا .. إدى جامد :)
ReplyDelete