Saturday, 27 October 2012

لماذا نضيع كل هذا الوقت من أجل زمبة؟

الصورة من مجموعة أحمد زكي والتقطت في غرب لندن

امبراطورية مالية عملاقة، تتخذ من سويسرا مقراً لها. وفي كل مدينة كبرى حول العالم، يوجد لهذه الامبراطورية مكتب أو اثنان وأحياناً مقر إقليمي يدير عملياتها في الدول المحيطة.

كان لهذه الامبراطورية مكتب تمثيل صغير في مصر خلال ثمانينيات القرن الماضي، ثم توسع إلى أن أصبح مركزاً إقليمياً كبيراً يدير عمليات مالية مهمة في مصر وفي الشرق الأوسط.

مؤخراً وجد المسؤولون عن إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (وهم ستة أشخاص يعملون في المقر الرئيسي في زيورخ وينتمون إلى أربعة بلدان أوروبية) أن مكتبهم في القاهرة يترنح. مؤشرات أدائه في انخفاض مستمر وأرقام عملياته تتراجع.

أرسل المسؤولون واحداً منهم في جولة في المنطقة. اكتشف أن هناك مساحات واسعة لزيادة حجم العمليات في هذه المنطقة من العالم.

بدأ المسؤولون يعتقدون أن ما يواجهه مكتبهم في القاهرة لا يتعلق بظروف الأسواق المالية في أعقاب الربيع العربي، وإنما بمشكلة ما داخل المكتب.

المشكلة التي كانت تواجههم أن كل التقارير التي تأتي من المكتب تبدو شديدة الدقة ولا تعكس أي خلل إداري أو مالي داخل المكتب. كانت تلك التقارير وفق التعبير المصري (متستفة صح، أو مطبوخة حلو!).

قرر الرجال الستة أن يرسلوا أحدهم إلى القاهرة لاستطلاع الأمر.

لا أحد يدري ما إذا كانت تلك صدفة أم أن هذا كان مخططاً له، لكن من أرسلوه رجل إنجليزي يحمل شهادة في علم الاجتماع إلى جانب دراساته الأخرى في الاستثمار والأسواق الناشئة.

وصل صاحبنا إلى القاهرة وبدأ على الفور العمل في المكتب وتقديم نفسه باعتباره موفداً من الشركة كي يشرف على دمج عملياتها في بعض الدول الإقليمية.

أمضى شهراً كاملاً في مكتب القاهرة وخرج بتقرير، أثار عنوانه صدمة في المقر الرئيسي في سويسرا.

كان عنوان التقرير: مكتب القاهرة.. إنها مشكلة ثقافية!

من الصعب أن تجد مساحةً للود بين رجال المال وبين الظواهر الاجتماعية. لذا اتهم صاحبنا بأن مساً من الجنون أصابه!

اضطر صاحبنا أن يشرح مضمون تقريره في اجتماع مع كبار أعضاء مجلس الإدارة في الشركة. وهذا نص ما قاله، كما هو مدون في محضر الاجتماع:

ما وجدته في مصر لم أجده في أي بلدٍ آخر من تلك البلدان التي نطلق عليها لقب: الاقتصادات الناشئة. ففي هذا البلد قدرٌ كبير من المتناقضات التي لم يستطع عقلي أن يستوعبها.

مثلاً، حرص موظفي مكتبنا في القاهرة على إبراز تدينهم والتزامهم بأخلاق دينهم التي تتعلق الأمانة والصدق، ثم لاحقاً سعيهم لطعن زملائهم في الخلف، عبر ما يطلقون عليه هناك "دق إسفين". 

وما أدهشني أنهم يضيعون قدراً كبيراً من الوقت والجهد الثمين في المؤامرات الصغيرة والنميمة ونقل أسرار زملائهم إلى مدرائهم. والمصيبة أن مدرائهم يشجعونهم على ذلك ويستخدمونهم في معاركهم للإيقاع بمنافسيهم داخل المكتب، بدلاً من التعاون كفريق واحد.

والمدهش أن الكل في المكتب يخوض هذه الصراعات التي تعرقل العمل، لا من أجل المال، فكلهم راضون عن مرتباتهم المالية المريحة للغاية، وإنما لأن هذا ما اعتادوا عليه في أماكن أخرى. أحد أصدقائي الذي يعمل أستاذاً في الجامعة الأمريكية هناك، أهداني كتاباً صغيراً مكتوباً بالعربية، واستطعت أن أحصل على أجزاء منه مترجمة. يتحدث الكتاب عن أن ثقافة ما يعرف هناك "بالزمبة" لها جذور تاريخية.

في الحقيقة لا يهمني ما إذا كان ذلك صحيحاً أم لا، ولكني أوصيكم بإغلاق مكتب القاهرة وإدارة عمليات الإقليم من هنا في زيورخ أو من مكتبنا في لندن، أو تنفيذ الخيار الآخر وهو أن نستبدل جميع من يعملون هناك بأشخاص ينتمون إلى ثقافات أخرى. لا أريد أن أبدو عنصرياً ولكن هذا ما وجدته.

في النهاية أود أن أقول أنني استمتعت بوقتي في القاهرة ووجدت الناس هناك رائعون للغاية، إذا ما تعاملت معهم خارج إطار العمل.”

انتهت كلمات هذا الرجل الإنجليزي أمام مجلس الإدارة، والذي طلب منه الذهاب في مهمة إلى مكتب بكين، حيث الصينيون يسببون انهياراً عصبياً لأي موظف ترسله الشركة من مكاتبها الأوروبية!

Friday, 26 October 2012

مصر ومفهوم الدولة الكرتون


تبدو مصر الآن مثل رجل خرج لتوه من معركةٍ حامية الوطيس، وقد اكتسى وجهه بخليطٍ من التراب والعرق والدم. انتهت المعركة ولكن لا يزال الرجل يعتقد أنها لم تبدأ بعد. يمر الرجل بتلك الحالة التي يطلقون عليها اسم "انعدام الوزن"، بينما هي في الحقيقة خدعة يقوم بها العقل كي يستطيع الجسم أن يتعامل مع جراحه.

وهنا تفرض ملاحظاتٌ بعينها، نفسها على هذا الوضع الذي تمر به مصر، والتي تبدو عاجزة عن استيعاب أبعاده بشكلٍ كامل.

أولاً: قائد الجيوش وحامي الحمى..

من المثير للاهتمام متابعة كل هذه المناورات بالذخيرة الحية التي يحضرها الرئيس الجديد محمد مرسي. فالرجل اختار صورتين له كي تتصدرا الصحف ويصبحا مصدراً رئيسيا لمن أراد أن ينتج مطبوعات دعائية عنه.

الصورة الأولى هي لذلك الحاكم الزاهد المتدين الذي يرتاد المساجد ولا يتخلف عن أداء صلاة الفجر مع رعيته، ولا يترك منبراً إلا وقد اعتلاه خطيباً وواعظاً.

والصورة الثانية هي لذلك القائد الهمام الذي يظهر وهو يحمل النظارات المعظمة ويتابع جنوده وهم يطلقون صواريخهم ورصاصهم نحو السماء، فيما الطائرات تحلق والسفن تبحر والقادة يشرحون للرئيس أن الجيش قادرٌ على حماية سماء الوطن وحدوده وأرضه، وسحق أعدائه في المساء!

هذا الحرص الرئاسي على حضور كل هذه المناورات يحمل في طياته تساؤلات، ربما لا يحب البعض أن تثار..

١. هل هذا الحرص على الظهور كقائدٍ عسكري مغوار سيصرف الأعين عن الفشل في دور الرئيس المسؤول عن خطط التنمية والنهضة وبرنامج المائة يوم العظيمة؟

٢. هل هذا الحرص على الوجود المستمر بين قادة القوات المسلحة يحمل خوفاً وتوجساً من نوايا الجيش الذي تم إقصاؤه عن حكم البلاد، سواء بشكلٍ مباشر في حالة المجلس العسكري أو عبر الوكالة من خلال تجارب الرؤساء الذين أفرزهم خلال السنوات الستين الماضية؟

٣. هل استخدام ورقة "القائد الأعلى للقوات المسلحة التي عبرت وانتصرت" سيمنح الرئيس تفويضاً شعبياً، بعد أن تعثر الحصول عليه عبر ورقة "مشروع النهضة"؟


ثانياً: على خطى ناصر!

يعرف القاصي والداني تفاصيل هذه العداوة المريرة بين جماعة الإخوان والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. فالرجل كان عضواً في الجماعة ثم حليفاً لهم عندما قام بانقلابه العسكري ثم خصماً لهم عندما وقع الصدام بينهما في إطار الصراع على السلطة الذي أعقب الإطاحة بالنظام الملكي.

وبالرغم من هذه العداوة إلا أن أعضاء في الإخوان أطلقوا تصريحات تبدي إعجابها بنهج الرجل في السيطرة الكاملة والشاملة على الدولة.

كان هناك هذا التصريح الذي أطلقه خيرت الشاطر في مدح العدالة الاجتماعية التي أتى بها ناصر، والتي منحته تفويضاً شعبياً مكنه من استبعاد المشاركة الشعبية في صناعة القرار، والانفراد وحده بكل القرارات المصيرية الخاصة بالحرب أو السلام أو التنمية.

ثم تصريح عصام العريان في تبرير تسجيل مكالمات النائب العام مع الرئاسة المصرية بقوله "ما ناصر كان بيتجسس على خصومه".

ثم تصريح آخر بأن عبد الناصر صنع نخبته، ومن حق الإخوان أن يصنعوا نخبتهم التي تقود الرأي العام.

وتتلاقى كل هذه التصريحات مع نهج عبد الناصر في الانفراد بصنع القرار وإقصاء المشاركة الشعبية عن السياسة الخارجية أو الخيارات الاقتصادية والتنموية.

لكن ما لم يدركه بعض قادة الإخوان، أن ناصر أنجز "مقايضة" غير مكتوبة مع الشعب، تم بمقتضاها منح الأغلبية مكتسبات اجتماعية واقتصادية في مقابل تفويض كامل له.

نفس التجربة، ولكن بصيغة مختلفة، تمت بين الشعوب الخليجية والعائلات الحاكمة هناك. ففي مقابل ما يحصل عليه المواطن الخليجي من حصة من الثروة النفطية، يتنازل للعائلة الحاكمة عن حقه في الاعتراض أو المشاركة في حكم البلاد.

أما من يدرك من الإخوان حقيقة هذه المقايضة، فإنه يصطدم بخيارات الجماعة المحدودة في تحسين الوضع الاقتصادي أو منح الأغلبية مكتسبات اقتصادية، تؤدي إلى تفويض شعبي أو تنازل جزئي عن الحريات العامة.


ثالثاً: مصر ومفهوم الدولة الكرتون!

تبدو الدولة في مصر مثل قطعة من الكرتون. بقليل من الجهد يمكن ثني هذه القطعة في الاتجاه الذي تريد. ثم يمكن لك أن تلونها باللون الذي ترغبه. لكن عند رحيلك، فإن خلفك سيثني هذه القطعة في اتجاه آخر، وسيلونها بلونٍ مغاير. وبعد تعاقب الحكام، ستبدو هذه القطعة من الكرتون وقد اهترأت من كثرة الطي وتضارب الألوان التي تلطخت بها.

وصلت قطعة الكرتون تلك إلى يد الإخوان بعد أن اهترأت. فالذي أحضرها إلى مصر، محمد علي باشا الكبير، أختار أن يكون جيش ابنه إبراهيم باشا هو الوصي على تلك القطعة. وعندما انهارت مملكة محمد علي بعد نحو مائة وخمسين عاماً، اختار أول حاكم مصري أن يثني تلك القطعة من الكرتون إلى اليسار قليلاً وأن يصبغها بمزيجٍ من الأحمر والأخضر.

أما خلفه، فاختار أن يثني قطعة الكرتون إلى اليمين قليلاً وأن يصبغها بمزيجٍ من الأزرق والأخضر. ثم جاء مبارك ليسلم جزءاً من تلك القطعة إلى ابنه الأصغر وجزءاً آخر إلى زوجته وجزءاً ثالث إلى أصدقاء نجليه، لتتلطخ تلك القطعة بتشكيلة واسعة من الألوان المتضاربة، ويتم ثنيها كيفما تراءى لأصحاب النفوذ والمال.

ووقعت تلك القطعة المهترئة من الكرتون (التي تسمى الدولة) في يد الإخوان، ليحاولوا ثنيها كثيراً إلى اليمين، ويصبغوها باللون الأخضر، دون أن يدركوا أن تلك القطعة على وشك الانفراط!

وهنا ينبغي ملاحظة أن هذه الدولة (أو قطعة الكرتون المهترئة) لا تحمل أية ضمانات بعدم العودة إلى الوراء والارتداد عن تجربة الاحتكام إلى الصناديق في اختيار الحاكم.

كما لا تحمل هذه الدولة المهترئة أية ضمانات لعدم العودة إلى اللحظات التاريخية التي مرت بها مصر وحسمت فيها أجنحة السلطة صراعها على السيطرة على الدولة باستخدام قوة السلاح.

لكن يبدو الخطر الأكبر أمام هذه القطعة المهترئة من الكرتون (الدولة) هو أن تتحلل إذا ما انهار السد الذي يمنع طوفان الغضب الشعبي، بسبب عدم معالجة الأسباب الحقيقية التي دفعت الناس للنزول خلال ثورة يناير ٢٠١١.

بعد كل هذا، هل هناك بالفعل محاولة "لأخونة" مصر؟ نعم هناك مؤشرات على هذه المحاولة، لكن لا يبدو هذا الأمر مهماً. فالطوفان قادم، وعلى الجميع أن يستعد!

Friday, 19 October 2012

وعايزني أكسبها؟


الصورة من المجموعة الخاصة لأحمد زكي
قبل الإعلان عن اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية المصرية الأولى بعد الثورة، وخلال سهرة صيفية في حديقة فندق الماريوت بجزيرة الزمالك، حكى لي صديق عن كواليس انهيار حزب الدستور والتي لم تعلن حتى الآن.
وما قاله صديقي، العضو المؤسس في حزب الدكتور محمد البرادعي، لم يكن سوى تأكيد لمعلومات وصلتني من صديقة مقربة من الشخصيات العامة التي أسست الحزب. وما حكته لي هذه الصديقة وما حكاه لي هذا الصديق مليء بالتفاصيل العبثية لأسرار تآمر شخصية عامة على شخصية أخرى، وتآمر تلك الأخرى على شخصية عامة ثالثة معهم، فيما الدكتور البرادعي في النمسا يستمع إلى المقطوعة الرابعة والعشرين من كونشرتو البيانو للموسيقار النمساوي العظيم ولفجانج أماديوس موزارت.
وربما يأتي يوم ونحكي فيه هذه التفاصيل وربما لن يأتِ، فالبعض يقول إن الشباب انتفضوا على هذه القيادات التي انشغلت بالظهور في البرامج الحوارية أكثر من انشغالها في تأسيس الحزب، وإن هؤلاء الشباب في هذه اللحظات الحاسمة من تاريخ الحياة السياسية المصرية، يعملون بدأبٍ وجدٍ وإخلاص من أجل بناء حزبٍ ليبرالي قوي له شعبية تستطيع مواجهة حزب الحرية والعدالة.
ومما أثار الدهشة وجعل العقل يتأمل في سنن الله في كونه، أن هذه الصديقة الكريمة قالت لي لاحقاً إن الدكتور البرادعي توصل إلى قناعة مفادها أن إعادة إنشاء حزب الدستور يجب أن تكون بعيدة عن أراضي القطر المصري، حيث يمكن لأجهزة الأمن أو أعضاء جماعة الإخوان اختراقه، وأنه قرر أن تعقد اجتماعات الحزب خارج مصر عبر الاعتماد على تمويل يأتي من رجال أعمال في المهجر. وقد كانت البداية اجتماعاً تم مؤخراً في إحدى المدن الأوروبية المشمسة!
الصورة من المجموعة الخاصة لأحمد زكي
ومرت في النهر مياهٌ كثيرة حتى أتى يومٌ جمعتني فيه الأقدار مع زميل على مقاعد الدراسة، وخلال استراحة قهوة تحت سماء لندن الملبدة بالغيوم، حكى لي زميلي عن تجربته في حزبين تم إنشائهما بعد ثورتنا المباركة، وكيف ساهم نجمٌ إعلامي مرموق (كان قبلها يعمل كمحلل سياسي في الغرب، وكان أيضاً وقتها غزير الخروج على المشاهدين والمستمعين ليل نهار، وهو أول من قال: مصر مش تونس قبل ثورة يناير بأيام!) في تدمير الحزبين لأنه كان يريد دخول مجلس الشعب وكتابة الدستور والترشح لنوبل للسلام والهبوط على سطح القمر!
وكيف أن هذا النجم المعروف حاول في التجربة الحزبية الثانية له، بيع الحزب لرجل أعمال شهير (ممول لحزب ثوري شبابي تحرري وصديق لنجل الرئيس السابق، فك الله حبسه)، وكيف أن صفقة البيع هذه كان الغرض منها أن يدخل هذا النجم إلى أول مجلس شعب بعد الثورة (وهو المجلس الذي رحل غير مأسوفٍ عليه أو على نوابه).
ولن أحكي التفاصيل، فتلك ليست الغاية. لكن الغاية أنني تأملت حال جماعة الإخوان ووجدت الآتي:
١. لو رحل فجأة عن الحياة المرشد ونائبه وأعضاء مكتب الإرشاد أثناء رحلة طائرة منكوبة، لا قدر الله، فإن الجماعة ستستمر ولن تتأثر. بينما لو رحل البرادعي عن الحياة، حفظه الله، ستصدر شهادة وفاة حزبه قبل شهادة وفاته. ولو سافر حمزاوي إلى الخارج، وهو الأفضل له، فإن حزبه ربما يندمج مع الدعوة السلفية أو ينظم مهرجانات موسيقية!
الصورة من تصوير أحمد زكي - التقطت في لندن
٢. المقاييس التي تحكم علاقة أفراد الجماعة ببعضهم البعض مثيرة للاهتمام. مثلاً حكي لي صديق من الجماعة، وهو ابن قيادي راحل، كيف أن المفاضلة داخل الأسر الإخوانية في الزواج تتم على أساس كم أمضى والد العريس في المعتقل، وأنه كلما كانت المدة أطول، كلما كان أجدر بالمصاهرة!
٣. مثل الحزب الشيوعي السوفيتي حيث صورة لينين حاضرة دائماً، ومثل الحزب الشيوعي الصيني حيث صورة ماوتسي تونج تهيمن على القاعات والميادين، ومثل تركيا حيث صورة كمال أتاتورك معلقة في كل قاعة حكومية، تطل صورة حسن البنا على أعضاء الجماعة كل يوم. فهو المرشد المؤسس وهو الإمام وهو الذي يسيرون على نهجه. مثل هذه الجماعات، لديها قدرة على النجاة من الانشقاقات الحزبية أكثر من قدرة الأحزاب التي ليس لها رمز إنساني تسير على نهجه، حتى لو كان نهجه خاطئاً. هنا يصبح الصراع على قمة الهرم في الحزب أو الجماعة أمراً ليس له أهمية كبرى لأن القائد هو الشهيد البطل الإمام المؤسس.
٤. من الغريب أن الجماعة تتعامل مع أبنائها بنفس منطق الرجل الذي لا يخفي حبه ليده، ولكن إن سببت له هذه اليد ألماً، فإن هذا الرجل على استعداد لقطعها والاستمرار في طريقه. ينشق محمد حبيب، فتتجاهل الجماعة الأمر وتبدي بأساً شديداً. ينشق عبد المنعم أبو الفتوح، فتقرر الجماعة فصل من دعمه من أعضاء الجماعة وطوي صفحة الرجل، الذي جاهد معهم لسنوات طويلة، إلى الأبد وكأن أبو الفتوح لم يكن يوماً عضواً في الجماعة. وهذا تبدي الجماعة قسوة شديدة في التعامل مع المنشقين عنها، وتستمر في طريقها دون اكتراث بقيمة من خسرتهم. فهناك اتفاق داخلي على أن الفضل لله ثم للجماعة، ولا فضل لأعضاء الجماعة عليها.
الصورة من المجموعة الخاصة لأحمد زكي
٥. أن هذه الجماعة تؤمن بأنها ستنتصر ولو بعد ألف عام. ولا زلت أتذكر كيف عبر لي صديقٌ إخواني عن ضيقه واكتئابه الشديد عشية حل مجلس الشعب، وكيف أيقن هذا الصديق أن الرئاسة ستؤول لأحمد شفيق. ولكنه قال لي بعينين دامعتين: بكرة لينا.. بكرة لينا. سألته: بكرة دة امتى؟ أجاب: بكرة دة ولو بعد ألف سنة.
٦. أن هناك قطعة إلكترونية ما في مخ كل عضو بالإخوان، وتعمل على إعادة هذا العضو إلى أحضان الجماعة إذا انشق عنها. ولا تزال حاضرةً أمامي وقائع ليلة حكى لي فيها صديق من الإخوان، وهو نجل أحد القيادات الحالية، عن سخطه الشديد من الجماعة وعن غضبه عليها وعن تجميد عضويته فيها بسبب انتقاداته الشديدة لظاهرة "ترييف الإخوان" (أي اختيار قيادات من الريف في إطار صنع ولاء شخصي يربطهم بالمهندس خيرت)، وبعد عدة أشهر استيقظ صديقي المنشق ذات صباح وعاد إلى رشده وأصبح مدافعاً صنديداً عن كل قرارات الجماعة، بما فيها تلك التي كان يقول سابقاً إنها ستعجل بانهيار الجماعة!

٧. هذه الجماعة تتمتع بمرونة عالية للغاية فيما يتعلق بقدرتها على تبني البرامج الاقتصادية. فهي انتقلت من تبني برنامجاً اقتصادياً يروج للعدالة الاجتماعية وقريب من رؤية اليسار خلال ثمانينيات القرن الماضي، إلى برنامج رأسمالي يدعو إلى حرية الأسواق في بداية التسعينيات وذلك مع صعود نجمي خيرت الشاطر وحسن مالك. وعندما وصلت الجماعة إلى الحكم بدأت في تبني برنامج "نيو ليبرالي" اقتصادي، يدعو إلى رفع الدعم عن السلع الأساسية والطاقة، والإسراع في التخلص من القطاع العام، وتحرير الأسواق، وتحرير القطاع المصرفي، وهي كلها أشياء يتم صياغة شعارات إسلامية لها. 
بعد كل هذا يرن في أذناي صوت الممثل الأسطوري محمود المليجي في فيلم إسكندرية ليه، وهو يقول: وعايزني أكسبها؟!



Thursday, 18 October 2012

الحرب اقتربت.. هل نحن مستعدون؟



هناك شواهد تدل على أن ضربةً عسكرية لمواقع إيران النووية، قد اقترب ميعادها. وما نشر في الدوريات والصحف الغربية يدل على أن هناك صعوبات تقنية تقف أمام إمكانية أن تقوم إسرائيل بتلك الضربة بمفردها. والاحتمال الأكثر ترجيحاً أن تحالفاً دولياً سيتم بنائه بقيادة الولايات المتحدة، وسيضم بريطانيا والسعودية، من أجل هذه الضربة العسكرية.
لكن ماذا عن مصر؟
تبدو مصر الآن مرتبكة وضعيفة. فهي تمر بأحد أكثر حالاتها ضعفاً واضطراباً منذ عقود. فالرئيس محمد مرسي يبدو عاجزاً عن بسط سيطرته بالكامل على سلطات الدولة الثلاث. تراجع مرتان أمام السلطة القضائية، ولا يزال يتخبط في إدارته لملف الوضع الأمني في سيناء، والذي يبدو أنه خارج عن السيطرة رغم الإخفاء المتعمد للمعلومات من قبل الحكومة المصرية.
أما في مجال السياسة الخارجية فمرسي يسير على نهج الرئيس الراحل السادات في "ضرب إشارة يمين والدخول شمال".. لكن الفارق أن السادات كان يدرك ما يفعل، فيما مرسي يبدو مثل أستاذ لغة عربية يريد أن يسيطر على زملائه من المعلمين بعد أن وجد نفسه فجأة ناظراً للمدرسة.
توجه إلى طهران من أجل قمة دول عدم الانحياز وألقى كلمة هناك تميزت برائحتها الطائفية. وكان قبل ذلك في الرياض يقدم التطمينات على أن التحالف الذي أرساه مبارك وفهد سيظل قائماً في عهده، وأنه لن يتخلى عن "قائدة العالم السني".
بعث بتطمينات إلى الإدارة الأمريكية، وهي التي أهلته كي ينال إعفاءً من ديون تبلغ مليار دولار وأن ينال تعهدات بدعمه اقتصادياً، ثم لم يتحرك لوقف استهداف السفارة الأمريكية في القاهرة خلال مظاهرات الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم. كما تأخر في الاعتذار، وهو ما أدى إلى إلغاء الإعفاء والتراجع عن الدعم الاقتصادي والتهديد بخفض درجة العلاقة الاستراتيجية التي تربط بين مصر وأمريكا وفقاً لتفاهمات أعقبت اتفاقية كامب دافيد، والتي كان مرسي تعهد بالحفاظ عليها.

أما مع بقية دول الخليج، فيبدو مرسي وقد خسر الإمارات منذ التصريحات المعادية لها والتي أدلى بها المتحدث باسم جماعة الإخوان محمود غزلان، قبل أن يتولى مرسي الرئاسة. كما أن الدعم القطري له يبدو مشروطاً بطلبات ستؤدي إلى إحراجه مع الداخل المصري.
ولا تزال الإدارة المصرية تحت قيادة مرسي تتبع سياسة قديمة لجماعة الإخوان وهي تبني خطابين: خطاب موجه للداخل وخطاب موجه للخارج. فهي تقدم خطاباً ينادي بتحرير فلسطين وموجه إلى الداخل، ثم تقدم في نفس اللحظة خطاباً موجهاً الى الخارج ويدعو للسلام واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني عبر المفاوضات. هي نفس الإدارة التي يقوم حلفائها من أعضاء جماعة الإخوان بانتقاد الإمارات ثم ترسل خيرت الشاطر لإصلاح العلاقات.
وفق هذه المعطيات، هل نتوقع سياسة واضحة من مرسي عندما يبدأ تشكيل التحالف الدولي لضرب إيران؟
هناك عدة سيناريوهات..
أولاً: السير على طريق مبارك خلال حرب ١٩٩١..
وفق هذا السيناريو سينضم مرسي إلى هذا التحالف الدولي وتسويق ذلك داخلياً باعتباره جزءاً من سياسة مصر في الدفاع عن الأراضي المقدسة التي تقع في المملكة العربية السعودية أمام رغبة إيرانية "شيعية" تريد السيطرة على الأراضي المقدسة باستخدام برنامجها لإنتاج أسلحة نووية.
وسيحصل مرسي مقابل دعم مصر السياسي لهذا التحالف، وربما إرسال قوات مصرية إلى الخليج، على إعفاء من الديون وقروض ومنح مالية واستثمارات ضخمة من الرياض وواشنطن وربما أبوظبي، التي ستكون أكثر رضاءً عن خطوة مرسي بمعاداة إيران.
ثانياً: معارضة الحرب في الداخل ودعمها عبر القنوات السرية..
وهذا أيضاً ما فعله مبارك في الحرب على العراق عام ٢٠٠٣. حيث عبر عن رفضه للحرب أو الانضمام لأي تحالف دولي يرغب في ضرب العراق، ولكنه قدم معلومات استخباراتية مفبركة عن امتلاك العراق لأسلحة كيميائية، وقدم تسهيلات للقوات الأمريكية المتجهة إلى الخليج.
ثالثاً: معارضة الحرب في السر والعلن..
هنا سيتخلى البيت الأبيض إلى الأبد عن دعم مرسي وستنضم الرياض وأبوظبي وواشنطن إلى نادي سري يدعم انقلاباً يطيح بمرسي من سدة الرئاسة ويعود بالساعة إلى الوراء ستين عاماً.
لكن قبل محاولة استنباط أي السيناريوهات سيختارها مرسي، يجب أن ندرك أن خيارات مرسي تبدو محدودة..
١. فهو يمتلك اقتصاداً على حافة الانهيار، ويحتاج إلى دعم الدول النفطية والغربية المعادية لإيران.
٢. كما أن دخوله ضمن أي تحالف دولي، سيعزز من مكانته كلاعب إقليمي لديه أوراق يمكن أن يحصل مقابلها على دعم سياسي ومادي. أما عدم دخوله إلى هذا التحالف، سيؤدي إلى عزلته إقليمياً عن مراكز الثروة في المنطقة.
٣. تبقى ورقة العمالة المصرية في الإمارات والسعودية عاملاً ضاغطاً على مرسي لموائمة سياساته ضمن مفاهيم أبوظبي والرياض لأمنهما الإقليمي.

Tuesday, 9 October 2012

مملكة ابن سعود تدخل عقدها التاسع


يروى أن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود قال لأبنائه وهو على فراش الموت: لا تشاركوا الناس حلالهم، فيشاركونكم الحكم. (أي: لا تشاركوا الناس مصالحهم التجارية، كي لا يشاركوكم السلطة).

كما يروى أنه أوصى أبنائه بإبقاء العلاقات دافئة مع دولتين هما الولايات المتحدة الأمريكية ومصر.

وفي الوصيتين، عبر عبد العزيز، أو ابن سعود كما يحب المؤرخون الإنجليز أن يلقبوه، عن ذكاءٍ وبصيرة، تدعوان للتأمل.

فالمملكة التي أنشئها بالسيف، تحتفل هذا العام بعيد ميلادها الثمانين وهي أقرب ما يكون لرجلٍ في العمر نفسه، لكنه يمتلك الكثير من الأموال والأعداء الطامعين فيه، والقليل من الطاقة كي يجابه كل هذه التحديات.

لماذا المملكة العربية السعودية تمتلك هذه الأهمية؟

ينظر البعض للمملكة الصحراوية باعتبارها خزاناً كبيراً للنفط. ولكنها خلال أعوامها الثمانين استطاعت أن تجد لها أهمية أكبر من فكرة ارتباطها بالنفط. فالسعودية اليوم هي أحد المفاتيح الرئيسية لإقليم الشرق الأوسط، وهي أحد خطوط المواجهة الأمامية للغرب مع إيران.

كما أن لديها تأثيراً ضخماً في محيطها. يكفي أن السعودية التي يبلغ تعداد سكانها حوالي ٢٨ مليوناً، قادرة على التأثير في بلد بحجم مصر والتي يبلغ تعداد سكانها نحو تسعين مليوناً، بسبب العمالة المصرية. وهو ما انعكس في تغيرات اجتماعية وثقافية حدثت لقطاعات واسعة من المجتمع المصري عندما بدأت هذه العمالة في العودة إلى بلدها محملة بمفاهيم، تأثرت بثقافة أهل المملكة.

كما لابد من الالتفات إلى الثقل الديني للمملكة السعودية، والإنفاق المالي الضخم على الترويج لهذا الثقل في بلاد العالم الإسلامي من خلال المراكز الإسلامية التي تمولها السعودية والتي تتبنى تفسير الإمام محمد بن عبد الوهاب للإسلام.

لكن أهمية المملكة في هذا التوقيت بالذات تأتي من أنها على شفا مرحلة من التغيرات العميقة التي قد يكون لها تأثيرات هائلة على محيطها الإقليمي، وخصوصاً دول الخليج.


من أين يمكن أن يأتي التغيير المنتظر؟

أولاً: البعثات التعليمية..

حسب ميزانية المملكة في ٢٠١١، فإن حكومة الرياض تنفق خمسة مليارات وثلاثمئة وثلاثين مليون دولار سنوياً على ٢٥٧ ألف مبتعث للتعلم خارج المملكة. منهم ١٢٠ ألفاً من الدارسين والباقي من المرافقين لهم.

هذا العدد الكبير من المواطنين السعوديين الذين يتم إرسالهم إلى أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا سنوياً للتعلم، سيعود محملاً بأفكار عن الديمقراطية والمشاركة في الحكم وصنع القرار والشفافية والمحاسبة.

في مرحلة لاحقة قد تبدأ هذه البعثات التعليمية في التأثير على مجريات الأمور في المملكة وربما في الضغط أكثر للحصول على إصلاحات. لكن على الأرجح فإن هذه الفئة من المجتمع السعودي ستكون مكونة من أولئك الذين يؤمنون بالإصلاح من داخل النظام.

ثانياً: جيل الأحفاد..

تحتفل المملكة بعيد ميلادها الثمانين فيما ملكها يقترب من التسعين. ولي عهده يعاني من مشاكل صحية، كحال أولياء عهده السابقين اللذين رحلوا تباعاً.

ومع اقتراب خروج جيل أبناء عبد العزيز من الساحة، تبدو الفرصة مهيأة لأحفاد عبد العزيز قد يصلوا إلى سدة الحكم. وهو ما سيضع عليهم آمالاً عريضة من مواطنيهم الراغبين في تغيير حقيقي، أو من حلفائهم في الغرب الذين يخشون أن تصل ثورات الربيع العربي إلى المملكة وتهدد تدفق النفط.

ثالثاً: العدوى..

تبدو ثورات الربيع العربي كالطوفان. لا أحد يستطيع أن يتحكم بتدفقه أو الدول التي يختار اجتياحها. هذا الطوفان معدي. فالشعوب تتعلم من تجارب جيرانها بسرعة، كما أنها قادرة على استباق خطوات حكامها بذكاء لاعب شطرنج محترف.

ولا يبدو الشعب السعودي محصناً من العدوى. قد يبدو أنه اقتنع خلال المرحلة الراهنة بمساوئ الثورات، والتي تحاول وسائل الإعلام السعودية من صحف وقنوات تلفزيونية إبرازها على مدار الساعة، ولكن هذا الاقتناع قد لا يستمر طويلاً. إذ أن خطوات الإصلاح التي قام بها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز منذ أن تولى حكمه تبدو شديدة البطء ولا تواكب وتيرة التغيرات الإقليمية. كما أنها تعتمد على سياسات قد تشكل مسكنات للآلام وليست علاجاً للمشاكل التي يعاني منها الشعب السعودي، والتي يعود عمر بعضها إلى عهد والده عبد العزيز.

قد لا يؤدي أي حراك شعبي داخل المملكة إلى تغيير شامل في بنية النظام، ولكن من المؤكد أنه سيدفع باتجاه المزيد من الإصلاحات الجذرية في بنية هذا النظام، وربما يؤدي لاحقاً إلى إطلاق صيغة ما من المشاركة الشعبية في الحكم والمحاسبة.


ما هي أبرز تحديات مملكة ابن سعود؟

أولاً: الثورات العربية..

لم تطح الثورات بأنظمة الحكم في دول المنطقة فحسب، وإنما بدأت في إعادة بناء المنطقة جيوسياسياً. وهو ما سيشكل تحدياً أمام مملكة لا تزال تبدو متخبطة حيال الثورات في العالم العربي. فهي غير مرحبة بها كما حدث مع الحالة المصرية واليمنية والبحرينية، ولكنها داعمة لها كما حدث في الحالة الليبية ويحدث حالياً في الحالة السورية.

ثانياً: خلافات أحفاد عبد العزيز..

يبدو أن أحفاد ابن سعود ليسوا على قلب رجل واحد. وتشي التسريبات القادمة من المحيطين ببيت آل سعود بأن الخلافات على مراكز السلطة والنفوذ بين الأحفاد على أشدها. وقد تطفو هذه الخلافات على السطح في حال رحيل الملك وولي عهده وانتقال الدور في تولي الحكم إلى جيل الأحفاد.

ولا يبدو أن جيل الأحفاد من بيت آل سعود يمتلكون ذكاء فهد أو حنكة وخبرة فيصل. ولكن بعضهم يبدو أكثر قدرة من غيره على إدارة سياسة البلاد الخارجية والقيام بإصلاحات داخلية بالتزامن مع ذلك، مثل رئيس الاستخبارات السعودي السابق الأمير تركي الفيصل.

ثالثاً: ضعف النفوذ السعودي في الخارج..

بنجاح الثورة المصرية في خلع الرئيس السابق حسني مبارك، خسرت المملكة السعودية أهم حليفٍ إقليمي لها. وفق تعبير أحد رجال الأعمال السعوديين المقربين من بيت آل سعود فإن "مبارك كان من الخطوط الرئيسية للدفاع عن المملكة في إقليم الشرق الأوسط"، كما أنه كان شريكاً رئيسياً في الحرب الباردة مع إيران.

وعلى الرغم أن الرئيس المصري محمد مرسي قدم تطمينات عديدة للسعوديين حيال موقف مصر ما بعد الثورة من إيران، فإن أمراء آل سعود لا يثقون فيه كما كانوا يثقون في مبارك. ولا تزال تحذيرات ولي العهد الراحل الأمير نايف من جماعة الإخوان المسلمين تتردد في آذانهم كلما سمعوا اسم أول رئيس مصري منتخب بعد ثورة يناير.

أما النفوذ السعودي في واشنطن فقد ضعف كثيراً بعد رحيل الجمهوريين عن الحكم. ولا يبدو أوباما متحمساً كثيراً لخوض غمار حربٍ جديدة في الشرق الأوسط. قد يأمر بعمليات عسكرية خاطفة مثل مشاركته في قصف مقرات القذافي الأمنية، أو مشاركته المرتقبة في ضرب المشروع النووي لإيران، ولكنه ليس مستعداً لإرسال أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين إلى المنطقة كما فعل جورج دبليو بوش.

أما على الصعيد الخليجي، فأبناء زايد في الإمارات أبدوا قدراً ملحوظاً من العداء "للهيمنة السعودية على البيت الخليجي". وتمثل ذلك في خلافهم مع الرياض حول إعادة ترسيم الحدود بين البلدين وفي مساهمتهم في إفشال مشروع العملة الخليجية الموحدة بسبب الخلاف على مقر البنك المركزي الخليجي.

ولم يتبق للسعودية حلفاء تعتمد عليهم في البيت الخليجي سوى الكويت التي تبدو غارقة في مشاكلها الداخلية بسبب ديمقراطيتها المنقوصة، أو البحرين الغارقة في عدم الاستقرار بسبب الخلاف بين الأغلبية والأقلية على الحقوق والواجبات.

فيما قطر وسلطنة عمان اختارا التحليق بعيداً عن الإجماع الخليجي منذ أكثر من عقد من الزمان، وتمثل ذلك في إقامة علاقات مع إسرائيل أو في احتضان قواعد عسكرية أمريكية، تعتبر الأهم في المنطقة.



رابعاً: عودة التطرف..

منذ نهاية حرب الخليج الثانية عام 1991، ومملكة ابن سعود تدفع ثمن دعمها لجماعات المجاهدين العرب الذين نقلتهم الى افغانستان في ثمانينات القرن الماضي من أجل محاربة الاحتلال السوفيتي.

فأبرز قادة هذه الجماعات، وهو أسامة بن لادن، كان أحد الذين اصطدموا مع بيت آل سعود حول الوجود العسكري الأمريكي في المملكة. وقد أدى ذلك الى سلسلة من عمليات التفجير التي استهدفت القوات الأمريكية، والتي أدت لاحقاً الى قيام البنتاجون بنقل الجزء الأكبر والأهم من قواته ومعداته الى قطر.

خلال السنوات العشر الأولى كان وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز وابنه محمد يقودان المواجهة مع التطرف في المملكة. ورغم النجاحات الكثيرة التي حققتها أجهزة الأمن السعودية في ملاحقة المتطرفين داخل وخارج حدود السعودية، إلا أن الثمن الذي دفعته البلاد كان باهظاً.

ويتذكر سكان الرياض فترةً خلال أواسط العقد الماضي عندما كانت الحواجز الأمنية في العاصمة السعودية تماثل في عددها تلك الموجودة في الضفة الغربية.

ورغم جهود المملكة الحالية لمحاربة المتطرفين في اليمن، حيث العدد الأكبر منهم أنشأوا لهم قواعد هناك، إلا أن احتمال عودة التطرف لا تزال قائمة، خصوصاً وأن هذا التطرف قد أوجد له جذوراً في المجتمع السعودي بسبب الدعم الحكومي له خلال حرب المجاهدين في أفغانستان.

وصايا ابن سعود..

أين وصايا عبد العزيز من كل هذه التحديات؟ وما هو مستقبل مملكة ابن سعود؟ وهل يستمر بيت آل سعود في الحكم؟ وكيف سيكون شكل التغيير في مملكة بلغت من العمر عتياً؟ تبدو هذه الأسئلة معلقة بدون إجابة بسبب تركيبة المجتمع في هذه المملكة، والتي تشبه في حركتها واضطرابها تشكيلات الرمال المتحركة في الربع الخالي.