Friday, 19 October 2012

وعايزني أكسبها؟


الصورة من المجموعة الخاصة لأحمد زكي
قبل الإعلان عن اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية المصرية الأولى بعد الثورة، وخلال سهرة صيفية في حديقة فندق الماريوت بجزيرة الزمالك، حكى لي صديق عن كواليس انهيار حزب الدستور والتي لم تعلن حتى الآن.
وما قاله صديقي، العضو المؤسس في حزب الدكتور محمد البرادعي، لم يكن سوى تأكيد لمعلومات وصلتني من صديقة مقربة من الشخصيات العامة التي أسست الحزب. وما حكته لي هذه الصديقة وما حكاه لي هذا الصديق مليء بالتفاصيل العبثية لأسرار تآمر شخصية عامة على شخصية أخرى، وتآمر تلك الأخرى على شخصية عامة ثالثة معهم، فيما الدكتور البرادعي في النمسا يستمع إلى المقطوعة الرابعة والعشرين من كونشرتو البيانو للموسيقار النمساوي العظيم ولفجانج أماديوس موزارت.
وربما يأتي يوم ونحكي فيه هذه التفاصيل وربما لن يأتِ، فالبعض يقول إن الشباب انتفضوا على هذه القيادات التي انشغلت بالظهور في البرامج الحوارية أكثر من انشغالها في تأسيس الحزب، وإن هؤلاء الشباب في هذه اللحظات الحاسمة من تاريخ الحياة السياسية المصرية، يعملون بدأبٍ وجدٍ وإخلاص من أجل بناء حزبٍ ليبرالي قوي له شعبية تستطيع مواجهة حزب الحرية والعدالة.
ومما أثار الدهشة وجعل العقل يتأمل في سنن الله في كونه، أن هذه الصديقة الكريمة قالت لي لاحقاً إن الدكتور البرادعي توصل إلى قناعة مفادها أن إعادة إنشاء حزب الدستور يجب أن تكون بعيدة عن أراضي القطر المصري، حيث يمكن لأجهزة الأمن أو أعضاء جماعة الإخوان اختراقه، وأنه قرر أن تعقد اجتماعات الحزب خارج مصر عبر الاعتماد على تمويل يأتي من رجال أعمال في المهجر. وقد كانت البداية اجتماعاً تم مؤخراً في إحدى المدن الأوروبية المشمسة!
الصورة من المجموعة الخاصة لأحمد زكي
ومرت في النهر مياهٌ كثيرة حتى أتى يومٌ جمعتني فيه الأقدار مع زميل على مقاعد الدراسة، وخلال استراحة قهوة تحت سماء لندن الملبدة بالغيوم، حكى لي زميلي عن تجربته في حزبين تم إنشائهما بعد ثورتنا المباركة، وكيف ساهم نجمٌ إعلامي مرموق (كان قبلها يعمل كمحلل سياسي في الغرب، وكان أيضاً وقتها غزير الخروج على المشاهدين والمستمعين ليل نهار، وهو أول من قال: مصر مش تونس قبل ثورة يناير بأيام!) في تدمير الحزبين لأنه كان يريد دخول مجلس الشعب وكتابة الدستور والترشح لنوبل للسلام والهبوط على سطح القمر!
وكيف أن هذا النجم المعروف حاول في التجربة الحزبية الثانية له، بيع الحزب لرجل أعمال شهير (ممول لحزب ثوري شبابي تحرري وصديق لنجل الرئيس السابق، فك الله حبسه)، وكيف أن صفقة البيع هذه كان الغرض منها أن يدخل هذا النجم إلى أول مجلس شعب بعد الثورة (وهو المجلس الذي رحل غير مأسوفٍ عليه أو على نوابه).
ولن أحكي التفاصيل، فتلك ليست الغاية. لكن الغاية أنني تأملت حال جماعة الإخوان ووجدت الآتي:
١. لو رحل فجأة عن الحياة المرشد ونائبه وأعضاء مكتب الإرشاد أثناء رحلة طائرة منكوبة، لا قدر الله، فإن الجماعة ستستمر ولن تتأثر. بينما لو رحل البرادعي عن الحياة، حفظه الله، ستصدر شهادة وفاة حزبه قبل شهادة وفاته. ولو سافر حمزاوي إلى الخارج، وهو الأفضل له، فإن حزبه ربما يندمج مع الدعوة السلفية أو ينظم مهرجانات موسيقية!
الصورة من تصوير أحمد زكي - التقطت في لندن
٢. المقاييس التي تحكم علاقة أفراد الجماعة ببعضهم البعض مثيرة للاهتمام. مثلاً حكي لي صديق من الجماعة، وهو ابن قيادي راحل، كيف أن المفاضلة داخل الأسر الإخوانية في الزواج تتم على أساس كم أمضى والد العريس في المعتقل، وأنه كلما كانت المدة أطول، كلما كان أجدر بالمصاهرة!
٣. مثل الحزب الشيوعي السوفيتي حيث صورة لينين حاضرة دائماً، ومثل الحزب الشيوعي الصيني حيث صورة ماوتسي تونج تهيمن على القاعات والميادين، ومثل تركيا حيث صورة كمال أتاتورك معلقة في كل قاعة حكومية، تطل صورة حسن البنا على أعضاء الجماعة كل يوم. فهو المرشد المؤسس وهو الإمام وهو الذي يسيرون على نهجه. مثل هذه الجماعات، لديها قدرة على النجاة من الانشقاقات الحزبية أكثر من قدرة الأحزاب التي ليس لها رمز إنساني تسير على نهجه، حتى لو كان نهجه خاطئاً. هنا يصبح الصراع على قمة الهرم في الحزب أو الجماعة أمراً ليس له أهمية كبرى لأن القائد هو الشهيد البطل الإمام المؤسس.
٤. من الغريب أن الجماعة تتعامل مع أبنائها بنفس منطق الرجل الذي لا يخفي حبه ليده، ولكن إن سببت له هذه اليد ألماً، فإن هذا الرجل على استعداد لقطعها والاستمرار في طريقه. ينشق محمد حبيب، فتتجاهل الجماعة الأمر وتبدي بأساً شديداً. ينشق عبد المنعم أبو الفتوح، فتقرر الجماعة فصل من دعمه من أعضاء الجماعة وطوي صفحة الرجل، الذي جاهد معهم لسنوات طويلة، إلى الأبد وكأن أبو الفتوح لم يكن يوماً عضواً في الجماعة. وهذا تبدي الجماعة قسوة شديدة في التعامل مع المنشقين عنها، وتستمر في طريقها دون اكتراث بقيمة من خسرتهم. فهناك اتفاق داخلي على أن الفضل لله ثم للجماعة، ولا فضل لأعضاء الجماعة عليها.
الصورة من المجموعة الخاصة لأحمد زكي
٥. أن هذه الجماعة تؤمن بأنها ستنتصر ولو بعد ألف عام. ولا زلت أتذكر كيف عبر لي صديقٌ إخواني عن ضيقه واكتئابه الشديد عشية حل مجلس الشعب، وكيف أيقن هذا الصديق أن الرئاسة ستؤول لأحمد شفيق. ولكنه قال لي بعينين دامعتين: بكرة لينا.. بكرة لينا. سألته: بكرة دة امتى؟ أجاب: بكرة دة ولو بعد ألف سنة.
٦. أن هناك قطعة إلكترونية ما في مخ كل عضو بالإخوان، وتعمل على إعادة هذا العضو إلى أحضان الجماعة إذا انشق عنها. ولا تزال حاضرةً أمامي وقائع ليلة حكى لي فيها صديق من الإخوان، وهو نجل أحد القيادات الحالية، عن سخطه الشديد من الجماعة وعن غضبه عليها وعن تجميد عضويته فيها بسبب انتقاداته الشديدة لظاهرة "ترييف الإخوان" (أي اختيار قيادات من الريف في إطار صنع ولاء شخصي يربطهم بالمهندس خيرت)، وبعد عدة أشهر استيقظ صديقي المنشق ذات صباح وعاد إلى رشده وأصبح مدافعاً صنديداً عن كل قرارات الجماعة، بما فيها تلك التي كان يقول سابقاً إنها ستعجل بانهيار الجماعة!

٧. هذه الجماعة تتمتع بمرونة عالية للغاية فيما يتعلق بقدرتها على تبني البرامج الاقتصادية. فهي انتقلت من تبني برنامجاً اقتصادياً يروج للعدالة الاجتماعية وقريب من رؤية اليسار خلال ثمانينيات القرن الماضي، إلى برنامج رأسمالي يدعو إلى حرية الأسواق في بداية التسعينيات وذلك مع صعود نجمي خيرت الشاطر وحسن مالك. وعندما وصلت الجماعة إلى الحكم بدأت في تبني برنامج "نيو ليبرالي" اقتصادي، يدعو إلى رفع الدعم عن السلع الأساسية والطاقة، والإسراع في التخلص من القطاع العام، وتحرير الأسواق، وتحرير القطاع المصرفي، وهي كلها أشياء يتم صياغة شعارات إسلامية لها. 
بعد كل هذا يرن في أذناي صوت الممثل الأسطوري محمود المليجي في فيلم إسكندرية ليه، وهو يقول: وعايزني أكسبها؟!



7 comments:

  1. I stopped mid of article to write this: u r born to wtite... ok, now back to reading it.

    Salute

    ReplyDelete
  2. جبت من الاخر يا زكوفيتش باشا :D

    ReplyDelete
  3. من لا يعرف كيف يفرق بين العقيدة والايديولوجى لن يفهم الجماعة ولن ينجح فى مصر، وآفة حارتنا السمسرة

    ReplyDelete
  4. يعنى انت بتعيب على حزب الدستور ان البرادعى هو الرمز بتاعهم وبتتخيل انه لو مات الحزب هايقلب دكانة لب لكن بتثنى على الاخوان ان ليهم رمز
    انسانى هو البنا حتى لو كان مخطىء؟؟؟
    وكمان بتستشهد بالحزب الشيوعى الروسى هو ماحدش بلغك انه انتهى من زمان ؟
    وكمان شايف انه احسن حاجه فيهم ان مخهم ممسوح ؟ انت ابهرتنى ابهار عمرى مانبهرته فى حياتى

    ReplyDelete
    Replies
    1. واضح إن حضرتك فهمت المقال بالعكس.. على العموم أشكرك

      Delete
  5. ملهم يا أحمد :) بس ماتكونش قاسي جدا كده علي شباب الدستور، هما مجموعة كبيرة منهم أيقنت أن التغيير بأيديهم مش بأيدين النخبة إياها مع احتفاظهم بالبرادعي كرمز..
    وتبقي مبدع :-)

    ReplyDelete
  6. الى يكتب كلام زى دا لازم يكون متابع جيد :)

    استمعت بالقراءة والاطلاع على مدونتك شكراً لك

    ReplyDelete