Saturday, 27 October 2012

لماذا نضيع كل هذا الوقت من أجل زمبة؟

الصورة من مجموعة أحمد زكي والتقطت في غرب لندن

امبراطورية مالية عملاقة، تتخذ من سويسرا مقراً لها. وفي كل مدينة كبرى حول العالم، يوجد لهذه الامبراطورية مكتب أو اثنان وأحياناً مقر إقليمي يدير عملياتها في الدول المحيطة.

كان لهذه الامبراطورية مكتب تمثيل صغير في مصر خلال ثمانينيات القرن الماضي، ثم توسع إلى أن أصبح مركزاً إقليمياً كبيراً يدير عمليات مالية مهمة في مصر وفي الشرق الأوسط.

مؤخراً وجد المسؤولون عن إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (وهم ستة أشخاص يعملون في المقر الرئيسي في زيورخ وينتمون إلى أربعة بلدان أوروبية) أن مكتبهم في القاهرة يترنح. مؤشرات أدائه في انخفاض مستمر وأرقام عملياته تتراجع.

أرسل المسؤولون واحداً منهم في جولة في المنطقة. اكتشف أن هناك مساحات واسعة لزيادة حجم العمليات في هذه المنطقة من العالم.

بدأ المسؤولون يعتقدون أن ما يواجهه مكتبهم في القاهرة لا يتعلق بظروف الأسواق المالية في أعقاب الربيع العربي، وإنما بمشكلة ما داخل المكتب.

المشكلة التي كانت تواجههم أن كل التقارير التي تأتي من المكتب تبدو شديدة الدقة ولا تعكس أي خلل إداري أو مالي داخل المكتب. كانت تلك التقارير وفق التعبير المصري (متستفة صح، أو مطبوخة حلو!).

قرر الرجال الستة أن يرسلوا أحدهم إلى القاهرة لاستطلاع الأمر.

لا أحد يدري ما إذا كانت تلك صدفة أم أن هذا كان مخططاً له، لكن من أرسلوه رجل إنجليزي يحمل شهادة في علم الاجتماع إلى جانب دراساته الأخرى في الاستثمار والأسواق الناشئة.

وصل صاحبنا إلى القاهرة وبدأ على الفور العمل في المكتب وتقديم نفسه باعتباره موفداً من الشركة كي يشرف على دمج عملياتها في بعض الدول الإقليمية.

أمضى شهراً كاملاً في مكتب القاهرة وخرج بتقرير، أثار عنوانه صدمة في المقر الرئيسي في سويسرا.

كان عنوان التقرير: مكتب القاهرة.. إنها مشكلة ثقافية!

من الصعب أن تجد مساحةً للود بين رجال المال وبين الظواهر الاجتماعية. لذا اتهم صاحبنا بأن مساً من الجنون أصابه!

اضطر صاحبنا أن يشرح مضمون تقريره في اجتماع مع كبار أعضاء مجلس الإدارة في الشركة. وهذا نص ما قاله، كما هو مدون في محضر الاجتماع:

ما وجدته في مصر لم أجده في أي بلدٍ آخر من تلك البلدان التي نطلق عليها لقب: الاقتصادات الناشئة. ففي هذا البلد قدرٌ كبير من المتناقضات التي لم يستطع عقلي أن يستوعبها.

مثلاً، حرص موظفي مكتبنا في القاهرة على إبراز تدينهم والتزامهم بأخلاق دينهم التي تتعلق الأمانة والصدق، ثم لاحقاً سعيهم لطعن زملائهم في الخلف، عبر ما يطلقون عليه هناك "دق إسفين". 

وما أدهشني أنهم يضيعون قدراً كبيراً من الوقت والجهد الثمين في المؤامرات الصغيرة والنميمة ونقل أسرار زملائهم إلى مدرائهم. والمصيبة أن مدرائهم يشجعونهم على ذلك ويستخدمونهم في معاركهم للإيقاع بمنافسيهم داخل المكتب، بدلاً من التعاون كفريق واحد.

والمدهش أن الكل في المكتب يخوض هذه الصراعات التي تعرقل العمل، لا من أجل المال، فكلهم راضون عن مرتباتهم المالية المريحة للغاية، وإنما لأن هذا ما اعتادوا عليه في أماكن أخرى. أحد أصدقائي الذي يعمل أستاذاً في الجامعة الأمريكية هناك، أهداني كتاباً صغيراً مكتوباً بالعربية، واستطعت أن أحصل على أجزاء منه مترجمة. يتحدث الكتاب عن أن ثقافة ما يعرف هناك "بالزمبة" لها جذور تاريخية.

في الحقيقة لا يهمني ما إذا كان ذلك صحيحاً أم لا، ولكني أوصيكم بإغلاق مكتب القاهرة وإدارة عمليات الإقليم من هنا في زيورخ أو من مكتبنا في لندن، أو تنفيذ الخيار الآخر وهو أن نستبدل جميع من يعملون هناك بأشخاص ينتمون إلى ثقافات أخرى. لا أريد أن أبدو عنصرياً ولكن هذا ما وجدته.

في النهاية أود أن أقول أنني استمتعت بوقتي في القاهرة ووجدت الناس هناك رائعون للغاية، إذا ما تعاملت معهم خارج إطار العمل.”

انتهت كلمات هذا الرجل الإنجليزي أمام مجلس الإدارة، والذي طلب منه الذهاب في مهمة إلى مكتب بكين، حيث الصينيون يسببون انهياراً عصبياً لأي موظف ترسله الشركة من مكاتبها الأوروبية!

1 comment:

  1. تراث العبيد فى حكم مصر ؟! الكتاب الى حضرتك نصحت متابعينك بقراءة بيفسر الظاهر وبيدى نتيجة واحده الامل اننا ندور ع الامناطق الاقل تاثرا بتراث المماليك هى الحل ...الصعيد

    ReplyDelete