Friday 2 November 2012

المنظومة فيها سلاح ردع.. فيها فيل


الصورة لطائرة إف 16 إسرائيلية من طراز صوفا - المجموعة الخاصة لأحمد زكي
1

ذات ليلة انفجر مصنع في وسط الخرطوم. بعد قليل علمنا أنه مصنع ينتج ذخائر وأن الانفجار على الأرجح نتيجة إهمال. لاحقاً قال السودان أن غارةً إسرائيلية استهدفت المصنع. ككرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت، خرجت علينا صحيفة إنجليزية رصينة، وهي الصاندي تايمز، بتقرير يقول إن الإسرائيليين استهدفوا المصنع ضمن غارة جوية شاركت فيها ثمانية مقاتلات إف 15 متعددة المهام وطائرة تشويش الكتروني وطائرة للتزود بالوقود في الجو ومروحتين للإنقاذ. وإن هذه المقاتلات نجحت في خداع الرادارات المصرية والسعودية والسودانية (إن وجدت) وضربت هدفها، وعادت الى قواعدها سالمة.

2

ما الهدف إذن من هذه الغارة؟ هل حقاً يمتلك السودان ما يستحق أن يقصف؟

في الحقيقة لا يبدو هذا المصنع ذا أهمية تذكر. بل أن كل ما نشر عن أنه مركز متقدم لإيران كي تخزن فيه أسلحة وتنقلها الى غزة، يبدو شبيهاً بروايات رجل المستحيل.

الأمر أبسط من ذلك. هذه الغارة لها هدفان: الأول، وهو معروف للجميع، تدريب على ضرب المنشآت النووية الإيرانية والتي يتطلب ضربها الطيران لمسافة طويلة واختراق رادارات أكثر من دولة.

والهدف الثاني: رسالة الى الجميع وتحديداً الى صانع القرار المصري الجديد. رسالة تقول للرئيس مرسي وأركان دولته: نستطيع أن نصل إلى عمق حديقتكم الخلفية قبل أن يرتد إليك طرفك!

ما فعلته إسرائيل هو تكرار لما فعلته عندما قصفت المفاعل النووي العراقي "تموز" عام 1981، وما فعلته عندما قصفت مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط بتونس عام 1985. وهو تطبيق لأحد ركائز استراتيجية الدفاع عن إسرائيل والتي تعرف باسم "اليد الطولى لإسرائيل".

اسكتش لطائرة أواكس تابعة لحلف الناتو - رسم أحمد زكي

رد الفعل المصري كان مفاجئاً! في البداية نفي أن تكون أية مقاتلات إسرائيلية قد اخترقت الأجواء المصرية. أتبع ذلك النفي اختراق مقاتلات مصرية لحاجز الصوت فوق القاهرة في منتصف الليل.

ثم بدأت لجان "المخبرين والحبايب وجنرالات تويتر وفيسبوك" في النزول بتشكيلة واسعة من الأخبار المنتقاة حول أن هذه "هي المقاتلات المصرية الجديدة المتقدمة التي تستطيع أن تقطع المسافة بين القاهرة والأقصر في 40 ثانية!".. أو ما نقله البعض عن "مصادر عسكرية مطلعة" (على الأغلب زوج خالته، العميد المتقاعد) أن "هذه المناورة المفاجئة تأتي في إطار الاستعداد الدائم والمستمر لقوات الدفاع الجوي ولرفع الاستعداد القتالي والعملياتي لنسورنا".. وسينا رجعت تاني لينا.. ومصر اليوم في عيد..

3

هل تستطيع مصر، إن أرادت، أن تقصف سدوداً في أثيوبيا تهدد أمنها المائي؟

قبل أن تتسرع وتقفز الى الإجابة الدبلوماسية المعتادة التي تقول إن مصر تريد الحفاظ على العلاقات مع الدول الأفريقية بعيداً عن السياسات العدائية، لابد أن أطرح عليك مفهوماً يتم تدريسه في كليات الحرب في الجامعات الغربية وهو مفهوم "الردع".

وفق ما يقومون بتدريسه في محاضرات العلاقات الدولية في قسم دراسات الحرب بجامعة كينجز كوليدج، فإن "الردع" يعتبر أحد الأدوات التي يحقق بها صانع القرار أهدافه، دون اللجوء إلى استخدام القوة. إنه مفهوم يتعامل مع فكرة "هيبتك" التي يشعر بها خصمك. تلك "الهيبة" التي تتكون بفعل قدرتك على ضرب الخصم وإيلامه.

صورة التقطت في إحدى ضواحي لندن - من مجموعة أحمد زكي
4

عبد الناصر (والذي تثير سيرته حساسية لدى صانع القرار المصري) أرسل عام 1968 فريقاً من رجال المخابرات المصرية لتدمير حفار بترول إسرائيلي في خليج أبيدجان بساحل العاج، على بعد آلاف الكيلومترات من القاهرة، وذلك على الرغم من أنه كان خارجاً للتو من هزيمة عسكرية ثقيلة.

هذه "اليد الطولى" للمصريين، والتي تم التخلي عنها بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، هي التي كانت تمنح صانع القرار المصري قدرة على أن يكون له كلمة في وضع قواعد اللعب في المنطقة.

ولا يبدو أن صانع القرار الجديد في قصر القبة مهتماً باستعادة هذه "اليد الطولى". فالغاز المصري يسرق من قبل الإسرائيليين في المياه الإقليمية المصرية، ولا يوجد أي تحرك علني أو سري من قبل السلطات المصرية.

الدولة المصرية مهترئة وقياداتها مهتمة "بتسيير الحال". دولة فشلت في توفير الكهرباء أو الماء لقطاعات واسعة من أبنائها، أو حماية مشجعي فريق كرة من الذبح، هي دولة عاجزة عن التحرك للحفاظ على ثروات الوطن. لكن "المنظومة فيها فعل حقيقي.. فيها دعم.." فيها فيل!

5

يوماً ما سنصحو كلنا على كارثة! هذا سيكون شيئاً جيداً. فالتجارب التاريخية أثبتت أن الشعب المصري يكون في أفضل حالاته عند التعرض لتهديد خارجي. ربما حينها سيندم صانع القرار على كل الفرص التي أتيحت له كي يصنع لمصر مهابة تستحقها.

4 comments:

  1. كالعادة بتعجبني رؤيتك
    وعموما طالما مافيش شفافية
    يبقى اى تفسير وارد

    ReplyDelete
  2. اوعى تيجي مصر من غير ماأقابلك..
    تحياتي

    ReplyDelete
    Replies
    1. يحصل ليا الشرف بمقابلتك يا أستاذ

      Delete