Monday 31 December 2012

اقتصاد مصر: إصلاح هيكلي أم انتحار سياسي؟



كتبت مجموعة من التغريدات على موقع تويتر حول الأزمة الاقتصادية في مصر الآن. في رد على هذه التغريدات، أرسل لي الأستاذ عصام الزامل، وهو رجل أعمال سعودي وباحث اقتصادي، رابطاً لتدوينة كتبها عن الحلول التي يعتقد أنها يمكن أن تخرج مصر من أزمتها. 

قرأت التدوينة بتمعن ووجدت عدة أمور:
1. أنها تتفق مع ما تفضل به صندوق النقد الدولي بخصوص الخروج من الأزمة الاقتصادية. 
2. أنها تنتمي فكرياً لمدرسة في الاقتصاد تسمى Neoliberalism والتي تنادي بتحرير الاقتصاد بشكل كلي من أعباء الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية وتدعو الى الخصخصة وتخفيف القيود على القطاع المصرفي فيما يعرف بـ Deregulation. وهي كلها أمور قد تنجح جزئياً مع اقتصاد عملاق مثل الاقتصاد الأمريكي ولكن قد تكون وصفة انتحارية لاقتصاد ضعيف مثل الاقتصاد المصري. 
3. أن نصائح الأستاذ عصام هو ما تفكر فيها الحكومة المصرية منذ فترة وبدأت في تطبيقه تدريجياً.

تعويم العملة
 يقول الأستاذ عصام:
"الإصلاحات التي تحتاجها مصر للنهوض باقتصادها كثيرة، ولكن هناك بعض الإصلاحات الهيكلية التي سيكون لها التأثير الأبرز على المدى الطويل، وهي التي ستضمن النمو المستدام وارتفاع الانتاجية للاقتصاد المصري، يأتي على رأس هذه الاصلاحات تعويم العملة المصرية وترك تحديد سعرها لقوى سوق العملات في العالم، وهو ما سيوفر على الحكومة عبء تثبيت سعرها كما هو حاصل حاليا. وسيؤدي تعويم الجنيه المصري لانخفاض في قيمته قد يصل لأكثر من 30% أو40% بالمائة، هذا الانخفاض في قيمة الجنيه سيكون له تأثير سلبي على المواطنين في المدى القصير، حيث سترتفع أسعار السلع المستوردة وسيواجه المستهلك تضخما وتآكلا في القوة الشرائية، ولكن في المقابل فإن انخفاض سعر العملة سيجعل الاقتصاد المصري أكثر تهيؤا للنمو، وخاصة نمو الصناعة المحلية، حيث سترتفع تنافسية المنتج المحلي مقارنة بالمنتجات المستوردة، كما سترتفع جاذبية الاستثمار للمستثمر الاجنبي لأن أسعار الأصول ستنخفض بالنسبة له، وأخيرا فإن تعويم العملة سيسهم في تقليل عجز الموازنة الحكومية التي تتحمل حاليا عبء تثبيت العملة بمستوياتها الحالية، والتي يمثل عجز ميزانيتها تهديدا اقتصاديا خطيرا."

هذه الوصفة لا تصلح لمصر للأسباب الآتية:
1. خفض قيمة الجنيه سيؤدي الى رفع جميع السلع الأساسية وأولها الغذاء وذلك لأن مصر تستورد غذائها. 
2. المنتج المصري منخفض الجودة ولا يستطيع منافسة المنتج المنافس من دول مثل الصين والهند، وبالتالي حتى مع خفض قيمة الجنيه سيظل غير مرغوباً في الأسواق الدولية. 
3. الخروج من الأزمة الاقتصادية عبر بيع الأصول ليس حلاً والدليل فشل سياسات الخصخصة الاقتصادية في عهد حكومات مبارك. المطلوب هو الاستثمار في الصناعة كثيفة العمل من أجل حل مشكلة البطالة. 
4. هذه الوصفة تصلح لدول صناعية كبيرة لديها صناعات ذات جودة عالية وتريد أن تزيد من تنافسيتها الاقتصادية، وهذا لا ينطبق على مصر.

رفع الدعم
يقول الأستاذ عصام:
"ثاني أهم الإصلاحات هو رفع الدعم الحكومي للسلع والوقود، والذي يستهلك أكثر من 10% من الناتج المحلي المصري، حيث أن الفقراء هم الشريحة الأقل استفادة من هذا الدعم، وتشير التقارير الاقتصادية أن 90% من الدعم الحكومي يستفيد منه أغنى 20% من المجتمع المصري، كما أن الدعم يمثل بيئة مثالية للفساد الذي يستهلك أكثر من 30% من الدعم حسب بعض التقارير، لذلك فإن على الحكومة المصرية أن ترفع الدعم وتستبدله بدعم نقدي مباشر للأسر المحتاجة، وبذلك تضمن وصول الإعانة لمن يحتاجها فقط."

الرد:
1. الدعم على بعض أنواع الوقود يخدم الأغنياء فقط. هذا صحيح. ولكن الدعم على أنواع أخرى سيؤثر على تكلفة النقل وهو ما سيصل تأثيره المباشر الى الفقراء. 2. الحديث عن الدعم بهذا الشكل يفترض أن 20% من المجتمع المصري هم من القادرين، وهذا غير صحيح. الفجوة بين الأغنياء والفقراء في مصر في ازدياد متسارع منذ نهاية التسعينيات، والطبقة الوسطى المصرية أصبحت في حاجة الى الدعم أكثر من أي وقتٍ مضى. 3. بدلاً من المطالبة برفع الدعم، ينبغي التركيز على محاربة إهدار الدعم، وعلى إيجاد بدائل لهذا الدعم من خلال رفع المستوى المعيشي للطبقات الأكثر فقراً في المجتمع، ودعم الاعتماد على الطاقة المتجددة وتكنولوجيا توفير استهلاك الوقود عبر إعفاء السيارات الكهربائية من ضرائب الاستيراد مثلما هو حادث في بعض الدول الأوروبية.

إدخال الاقتصاد غير الرسمي الى جسد الاقتصاد الرسمي
كتب الأستاذ عصام:
"ثالث أبرز الإصلاحات الهيكيلة هو التعامل مع القطاع الاقتصادي غير الرسمي. والقطاع غير الرسمي هو المنشآت التي لا تعمل بشكل رسمي ولا تدفع ضرائب، ويقدر الاقتصاديون حجم هذا القطاع بترليون جنيه، تمثل 35% من حجم الاقتصاد في مصر ويعمل فيها أكثر من 40% من القوى العاملة. تقنين هذا القطاع سيضيف لدخل الحكومة من الضرائب أكثر من 100 مليار جنيه، كما أن تحول هذه المنشآت من القطاع غير الرسمي للقطاع الرسمي سيمكنها من الاقتراض من البنوك والنمو، مما يسهم بشكل فاعل في نمو الاقتصاد بشكل عام. بالإضافة للتهرب من الضرائب فإن أحد أهم عوامل نشوء وتضخم القطاع غير الرسمي هو البيروقراطية والفساد الحكومي، والذي يعيق إنشاء المؤسسات الصغيرة ويدفع صغار المستثمرين للعمل في القطاع غير الرسمي، لذلك فإن على الحكومة أن تقوم بإصلاح القطاعات الحكومية وتقلل من البيروقراطية وتسهل الإجراءات على الراغبين في العمل الحر."

هذه النصيحة جيدة ولكن تتعامل مع الاقتصاد غير الرسمي في مصر بنفس طريقة تعامل الحكومات الأوروبية مع الاقتصاد غير الرسمي في دولها والذي تتحكم فيها الهجرة غير المشروعة.
وربما هذه هي النصيحة التي حاولت الحكومات المتعاقبة في مصر إتباعها عبر إدماج الاقتصاد غير الرسمي في جسد الاقتصاد الرسمي وفرض الضرائب عليه ولكنها فشلت نظراً لغياب قاعدة بيانات دقيقة عن النشاط التجاري في مناطق عديدة من مصر. وفي التجارب المماثلة الخاصة بإدماج الاقتصاد غير الرسمي، كان من مصلحة أصحاب الأعمال في هذا النوع من الاقتصاد الخروج الى النور بسبب المزايا التي قد يحصلون عليها من الحكومة مثل الرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي. لكن هذا الأمر غير متحقق في الحالة المصرية في الوقت الحالي. فالضرائب على هذا الاقتصاد غير الرسمي والمنتشر في المناطق العشوائية لا تعني بالضرورة الحصول على مقابل من الدولة.
مشكلة الإصلاحات التي طرحها الأستاذ عصام أنها تحمل تكلفة سياسية قد تعصف بالحكومة كما حدث في يناير 1977. فالإصلاحات الهيكلية ليست جديدة على الاقتصاد المصري، كما أن آثارها السلبية جرى اختبارها من قبل. الحل هو إيجاد مسارات جديدة للاقتصاد المصري عبر الاستثمار بكثافة في القطاع الصناعي والقطاع الزراعي والخروج بقوانين صارمة تتعلق بوقف تجريف الأراضي الزراعية.
بقيت نصيحة لم يذكرها الأستاذ عصام بينما ذكرت في جميع برامج الإصلاح التي قدمت الى مصر وهي التخلص من التضخم الهائل في عدد الوظائف الحكومية وخفض حجم الجهاز الحكومي. نظرياً هذه النصيحة مهمة للغاية لعلاج مشكلة العجز في الموازنة العامة والتحكم في الدين العام ولكن فعلياً إذا طبقت دون إيجاد فرص عمل بديلة في القطاع الخاص، فإن جيشاً مكوناً من ثلاثة ملايين موظف حكومي على الأقل سيتحول الى طوفان شعبي في الشارع.
 


1 comment: