Friday 16 September 2011

لماذا كان انهيار نظام مبارك نتيجة حتمية لمقدمات منطقية






في عاموده في الاهرام (عدد ١٥ سبتمبر ٢٠١١) انشغل الكاتب الصحفي صلاح منتصر بعرض رسالة لمهندس مشغول بمعرفة المساحة التي يستوعبها ميدان التحرير! وقد جاء في الرسالة انه بتطبيق الأساليب العلمية فإن أقصى ما يستطيع الميدان تحمله بالاضافة الى شوارعه الجانبية هو ١٦٠ ألفاً من البشر.

ومن يدخل الى موقع يوتيوب سيجد مجموعة من الفيديوهات التي تشترك في موسيقى مأخوذة من أفلام الأكشن الامريكية وموضوعها هو كشف "كذب" ما قيل أنه "إجماع شعبي" على رحيل نظام مبارك! 

بالطبع هذه الفيديوهات تشترك في عرضها لمجموعة من صور وائل غنيم وعمر عفيفي وسعد الدين ابراهيم، بالاضافة الى ذكر أسماء شركات ومنظمات مثل فريدوم هاوس وجوجل، ودول مثل صربيا وبولندا وقطر!

لن أتطرق الى تفاصيل هذه الفيديوهات ولن أحاول تفنيدها ولكني على العكس من ذلك سأفترض صحتها..!

ولأني أفترضت صحتها وصحة جميع نظريات المؤامرة التي تفترض أن "أخبث" دول العالم (وهي بولندا وصربيا وقطر وفي إضافة من المفكر الفنان عمرو مصطفى سويسرا) والماسونية العالمية والرأسمالية الصهيونية قد اجتمعوا على هدف تحطيم نظام مبارك فإنه يجب مراعاة القاعدة التالية:

الأنظمة لا تنهار من الخارج وانما الانهيار يبدأ من الداخل.

هذه قاعدة أثبتها التاريخ في أكثر من مناسبة ولنتوقف مع الحالة المصرية والسنوات التالية:

١٩٤٨ : هزم النظام الملكي المصري في حربه الخارجية مع كيان جديد عرف باسم إسرائيل ومع ذلك لم ينهار النظام برغم فداحة الهزيمة العسكرية وذلك لأن ماكينته السياسية كانت قادرة على استيعاب تلك الهزيمة والتعامل معها رغم وجود الاحتلال البريطاني.

١٩٥٢ : مجموعة من الضباط المتوسطي الرتبة استطاعوا قلب نظام الحكم بشكل أدهشهم هم شخصياً! وفي خلال أيام معدودة كانوا قد طردوا رمز النظام الملكي وهو الملك الى خارج البلاد ثم خلال عام أعلنوا تحويل النظام السياسي من الملكي الى الجمهوري وقد تم كل هذا وسط عدم ممانعة من الجماهير واحتفاء بالتخلص من النظام الذي حكمهم لأكثر من مئة وستين عاماً..! فما السبب؟
ببساطة كان السبب هو فشل النظام الملكي في استيعاب الغضب الشعبي أو منح قاعدة أوسع من الناس فرصاً متساوية في العدالة الاجتماعية أو التعليم والصحة (تفشي الأوبئة وظاهرة الحفاء وتركز الملكية الزراعية كانت مؤشرات على أن النظام قد فقد شرعيته الاجتماعية.)

١٩٥٦ : دخل نظام الحكم الجديد في معركة عسكرية غير متكافئة مع ثلاث دول وتلقى هزيمة عسكرية لكنه صمد! بل وارتفعت شعبية رأس النظام ليصبح زعيما اقليمياً له ثقل جماهيري وسياسة خارجية تليق بإمبراطورية لا دولة نامية (وربما كان هذا هو احد اسباب هزيمة ١٩٦٧).
فما السبب في عدم انهيار النظام؟
ببساطة كان السبب هو في التفويض الشعبي الممنوح من الجماهير لرأس النظام في خطوته بتأميم قناة السويس والتي اعتبروها حقاً عاد إليهم بعد أن حفروها بالدم. ومن أجل هذا الإحساس الشعبي كانت الجماهير مستعدة لتلقي هجوم بقنبلة نووية في سبيل الحفاظ على حقهم الذي انتزعوه من فك الامبراطورية البريطانية! لا يمكن إذن وسط هذا الشعور بالكبرياء الوطني أن ينهار النظام حتى وإن بدا غير مستعد عسكرياً!

١٩٦٧ : هزيمة عسكرية فادحة واحتلال لثلث الاراضي المصرية وانكشاف لوهم أن هذا البلد النامي قادر على تغيير مصائر الشعوب في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية في نفس الوقت! تورط عسكري طويل الأمد في اليمن وارتباك في القيادة العسكرية التي لم تكن مؤهلة لخوض حربين في نفس الوقت، بالاضافة الى فشل النظام السياسي في قراءة المؤشرات العديدة التي تظهر أنه لن يسمح له بالتمدد إقليمياً أكثر من هذا.
لكن النظام لم ينهار رغم اعلان رأس النظام عن استقالته وتحمله "المسؤولية كاملة" عن الهزيمة. لما إذن؟
ببساطة لأنه لم يكن هناك سخطاً شعبياً واسعاً على النظام قبل الهزيمة سوى من معارضيه. وبالتالي كانت القراءة الجمعية للهزيمة أن النظام يحتاج تغييرا في اداء ووجوه وسياسات مؤسساته الداخلية والخارجية ولكنه لا يحتاج هدماً له واستبداله بشيء آخر مثل العودة مثلاً الى النظام الملكي.

١٩٧٧ : في يومين فقط كانت المظاهرات قد عمت مصر من الاسكندرية حتى أسوان وتحديداً على بعد كيلومترات قليلة من استراحة الرئيس السادات والذي كان يجري حوارا صحفياً وتسائل عن الدخان الصاعد، فاضطر مستشاروه أن يخبروه بأن المظاهرات قد اجتاحت البلاد شرقاً وغرباً، طولاً وعرضاً، وأن المشاركين فيها ملايين المواطنين (قيل أن الرقم تجاوز ثمانية ملايين شخص) وانهم يحرقون صوره ويرفعون صور سلفه (رغم انتصار السادات وهزيمة ناصر!) ويهتفون مطالبين بعدالة اجتماعية ويركزون هجومهم على رئيس وزرائه "ممدوح بيه" الذي جعل "كيلو اللحمة بستة جنيه!"..
لكن رغم هذا لم يسقط النظام.. فما السبب؟
أن السادات بما عرف عنه من دهاء سياسي وقدرة على المناورة تراجع بسرعة عن القرارات الاقتصادية التي حملت توقيع وزير الاقتصاد الدكتور القيسوني وقتها من اجل امتصاص الغضب الشعبي (رغم انه عاد وطبق هذه السياسات لاحقاً ولكن على مراحل وليس دفعة واحدة). ثم كانت الخطوة التالية للسادات في التعامل مع الأزمة هي فرض حظر قاس للتجول في كل المدن المصرية (قيل انه قتل فيه ما يزيد عن سبعين شخصا). وبسرعة قبل ان تسترد المعارضة أنفاسها كان السادات قد أعلن عن قيام المنابر تمهيداً لحياة حزبية قائمة على أساس نظرية الحنفية! أي أن رئيس الجمهورية يملك القدرة على اغلاق الحنفية عندما يشعر ان الحرية الحزبية بدأت تخرج عن السيطرة (كما فعل السادات في سبتمبر ١٩٨١). ثم بعد أشهر قليلة من انتفاضة يناير كان السادات قد قام بمبادرته للسلام وزار القدس صادماً العالم وإسرائيل وشعبه، الذي للغرابة خرج خمسة ملايين منهم في شوارع القاهرة ليستقبلوه استقبال الأبطال الفاتحين عند عودته!
كل هذا المناخ منع من انهيار النظام رغم أن ذلك العام شهد البداية الفعلية للشقوق التي أدت الى انهيار نظام خلف السادات بعد أكثر من ثلاثة عقود!

٢٠١١ : انهار النظام خلال ١٨ يوماً فقط، بصرف النظر عن أعداد من كانوا في التحرير ومن كانوا في ميادين السويس والإسكندرية، لأن رأس نظام لم يكن يحظ بتفويض شعبي واسع مثل الذي تمتع به ناصر أو دهاء سياسي وقدرة على المناورة مثل تلك التي تمتع بها السادات. بل أنه بسياساته القائمة على رد الفعل والبعد عن المبادرات الداخلية أو الخارجية وبتركه الامور لابنه غير المحنك سياسياً والفاقد للكاريزما والذي فوض بدوره الأمور لحفنة من حاشيته المنفصلة عن الواقع الحياتي لأغلب المصريين، أدى الى أن يشكك الشعب في الشرعية التي أتت به الى الحكم وهي شرعية اشتراكه في حرب أكتوبر! (كان صاحب هذه الفكرة هو الرئيس السادات الذي أراد تبرير قراره الغريب باختيار قائد الطيران نائباً له فقال إنه يريد نقل الشرعية من جيل يوليو الى جيل أكتوبر! رغم أن الشرعيات لا تكتسب بالحروب وإنما بالحصول على الرضا الشعبي من خلال إحداث تغيير اجتماعي واسع.)
 وبالتالي كانت النكتة العميقة والكاشفة لمزاج المصريين من مبارك، هي السخرية من انجازه العسكري الذي احتفى به نظامه على مدى ثلاثين عاماً.. (ياريته كان ضربنا إحنا وراح حكم إسرائيل تلاتين سنة!).

إذن لو اجتمعت كل قوى الارض على تحطيم نظام سياسي فلن يستطيعوا طالما كان النظام قادراً على اكتشاف شروخه وعلاجها.. أما اذا صدق النظام نشرات الاخبار الرسمية وتقارير أجهزة أمنه بالسيطرة على "شوية العيال الشيوعيين والإخوان" فإنه قد استقل طريقاً سريعاً سينتهي حتماً بانهياره دون البحث عن أسماء مثل وائل غنيم وأسماء محفوظ وجوجل وصربيا وقناة الجزيرة وربما لاحقاً مدونة العبد لله! 





3 comments:

  1. مجهود رائع وصياغة رشيقة وتحليل يستحق القراءة والمناقشة ، أتفق في معظم ما كتبته وأختلف معك قليلا في بعض النقاط ، مثلا ٦٧ أعتقد أن حجم الصدمة كان أعنف من أن يفكر المصريون في البدائل فورا بل ظنوا أن التمسك بعبد الناصر (لاحظ ان نظامه السلطوي الصارم لم يسمح بوجود بدائل له ) مع دفعه لتحمل المسئولية في إعادة الأرض هو الحل ، ورأيي أن خريطة الطريق للتغيير عن طريق التظاهر السلمي والإعتصام بالإضافة طبعا لبروفة تونس العملية من عوامل الأساسية لإنهيار مبارك ، هل لو كان النت والدش موجودان في مظاهرات ٧٢ و٧٧ كان إستمر السادات ؟؟

    ReplyDelete
  2. اشكرك جداً على تعليقك..
    ١. اعتقد ان نظام ناصر كان اكثر تعقيداً في علاقته مع الشعب من نهجه السلطوي الصارم وبالتالي كان الرفض لانهيار النظام مرتبطا أكثر بالخوف على المكتسبات الاجتماعية
    ٢. أكيد وسائل الاتصال لعبت دور في انهيار نظام مبارك بس اعتقادي ان هذه الوسائل لم تكن قادرة على ذلك مع نظام السادات لأن السادات كان قادرا في ٧٢ على المناورة وفي ٧٧ على الصدمة ولم يكن قادرا على ذلك في ٨٠ و٨١ وصولا لاغتياله

    ReplyDelete
  3. تحليل موضوعي كالعاده مبني على قراءه سليمه لأحداث تاريخيه مهمه وصيغ باسلوب سهل ممتنع محبب يجذب القارئ بدون تعقيدات لغويه او مصطلحات متقعرة كالتي نسمعها من النخبه.
    بالنسبه لتماسك النظام في الحقبة الناصرية يعود بالدرجة الاولى لارتفاع شأن مصر وقامتها في العالم وشعور المواطن البسيط بقيمته وترسيخ قيمة العلم والعمل في ذلك الوقت حتى انها تتجلى في الاعمال السينمائيه التي انتجت في الفترة ...هذا الشعور الذي قد يسفه منه البعض هو الذي جعل الكثيرين يغفرون لعبد الناصر ذلات كثيرة داخليه وخارجيه ويتحملون مقابله نقص شديد في الخدمات مثلا وسائل الاتصال بل وتعيش معنا حتى الان فئه كبيرة ناصرية مازالت تدافع عنه ...هذه القيمة أيضاً هي التي تضاءلت مع الايام حتى انتهت تماماً في عهد الفاسد مبارك حتى بدأت دولا صغيره القامه وصغيرة الشأن وكنا نمدها بالمدرسين ليتمكنوا من التعليم بدأت تسحب البساط تدريجيا من تحت اقدامنا ويعايرنا ابناؤها بافضالهم المادية علينا ...هذا الانحدار المعنوي لم يعوض بنمو اقتصادي مثلا او عدالة اجتماعية او حد أدنى آدمي من خدمات الدولة بل اضف على ذلك كم من قضايا الفساد والمحسوبية وبيع كل اصول البلد وارتفاع نسبة البطالة والمرض والفقر الي آخره مما هو معروف فكان الانهيار الحتمي لان المصري قد يصبر على الفقر لكنه صعب ان يصبر على الفقر والمهانه معا

    ReplyDelete