Thursday, 16 August 2012

التيار السابع: مصر لا تعرف النكات

الصورة من تصوير أحمد زكي، وتم التقاطها في لندن
١
بعد أن عدت من القاهرة، وجدت أن الحياة السياسية فيها نكتة سمجة! مجموعة من "المثقفين" وهواة الظهور الإعلامي الذين يتصارعون على هياكل هشة، يطلق عليها ظلماً لقب "أحزاب".
بدا أن النجاح الساحق للتيار الإسلامي في انتخابات البرلمان "المحلول" ثم في الرئاسة، قد أصاب النخبة بصدمة عميقة. هذه الصدمة التي ترجمت فيما بعد في مجموعة من الهلوسات مثل الطلب من مرسي الانسحاب من أجل حمدين، أو إعادة الانتخابات، أو جعل التنافس في الجولة الثانية يضم حمدين ومرسي وشفيق.. إلى آخر هذه الترهات.
عندما عدت الى لندن، علمت بنية مجموعة من المفكرين الليبراليين الذين أدركوا أن جميع محاولاتهم لإطلاق حزب ليبرالي قد فشلت، بإطلاق تيار سياسي يواجه الإخوان والسلفيين وأنصار المجلس العسكري (المحلول أيضاً!) تحت مسمى: التيار الثالث.
بدت محاولتهم عبثية وأقرب الى محاولات طفل فشل في جذب اهتمام أسرته، التي انشغلت عنه بمشاهدة نشرة الأخبار.
وسط هذا العبث، أطلقت تغريدة على موقع تويتر تقول: لقد أعلنت إنشاء التيار السابع! تغريدة ساخرة استلهمتها من تنظيم وهمي أنشأه الساخر الكبير محمود السعدني في المعتقل وهو تنظيم "زمش" اختصاراً لـ: زي ماأنت شايف..!
بعد دقائق من إطلاقي لهذه التغريدة، استقبلت مكالمة من صديق "تويتري" (نسبة الى تويتر) يقيم بالكويت. بعد السلامات أبدى استعداده كي يكون عضواً فاعلاً في التيار السابع. أدركت حينها أن التغريدة لم تفهم كسخرية وأنها فهمت كخبر!
أوضحت له أنني كنت أسخر. تجاوز تلك النقطة سريعاً ليقول لي أن مصر تحتاج بالفعل الى التيار السابع.. حاولت أن أشرح له أن التيار الرابع والخامس والسادس لم يتم إنشاؤهم بعد. أقنعني بأن القفز للتيار السابع سيكون الخطوة العبقرية في مشهد عبثي!
٢
بدأ مجموعة من الأصدقاء "التويتريون" هاشتاغ سموه: #التيار_السابع.. كان الهاشتاغ في بدايته، كأي هاشتاغ آخر، مليئاً بالسخرية، ولكنه سرعان ما تحول الى طرح أفكار جادة تتعلق بهذا التيار.. وسريعاً اختفت السخرية تحت كمٍ هائل من هذه الأفكار.
في مساء اليوم التالي وعندما كنت أنتقل بالريموت من قناة أفلام الأكشن الى قناة أفلام الدراما، توقفت اضطرارياً عند قناة مذيع حواري يتكلم بلا توقف أو منطق أو عقل! كان سبب التوقف الاضطراري أن بطارية الريموت كانت تحتاج الى خبطة خفيفة تعيدها الى الحياة!
خلال تلك الثوان المباركة، كان المذيع قد قال الكلمات التالية: الليلة حنعرض لخبر، مفيش قناة تانية اتكلمت فيه قبل كدة.. خبر من مصادر خاصة وهو خبر غير عادي بيشرح لحضراتكم إزاي فيه عواصم دولية بتلعب دور في السياسة المصرية! أيوة.. عواااصم دولية.. اللي وصلنا من مصادرنا الخاصة إن يجري حالياً إنشاء حزب سياسي تحت اسم التيار السابع من لندن. المؤسس هو رجل أعمال مصري مقيم في لندن وفيه تمويل من صديق له، وهو رجل أعمال مصري مقيم في الكويت بالإضافة إلى سيدة مصرية مقيمة في دبي.. المعلومات اللي عندنا كمان بتقول إن فيه تنسيق عالي جداً مع أجهزة إعلام دولية للترويج لأفكار هذا الحزب!
بعد أن استمعت إلى ما قاله المذيع "اللامع" شكلاً ومضموناً، علمت أن مصر تعشق نظريات التآمر الكونية!
الصورة من تصوير أحمد زكي، وتم التقاطها في لندن
٣
في اليوم التالي صباحاً، تلقيت اتصالاً هاتفياً كان نصه هو الآتي: ممكن حضرتك تشرفنا وتشرب معانا القهوة؟ أنا: مين معايا؟ الطرف الآخر: سيادته عايز يتعرف عليك.. حضرتك عارف توكيل البي إم المطل على شارع بارك لين؟ إحنا بقى وراه.. أنا: آه.. عرفتكم.. طيب!
وصلت إلى باب المبنى العتيق. بعد التفتيش والدخول إلى بهو المبنى، قيل لي: إحنا آسفين يا أستاذ.. مش إحنا اللي طلبناك.. أنا: أومال مين؟ الملحق الأنيق: الباب اللي جنبنا يا افندم.. أنا: أيوة عرفتهم.. دول حبايبي.. طيب ربنا يستر!
خرجت من باب المبنى العتيق ودخلت إلى باب مبنى ملتصق به! مبنى عتيق أيضاً ولكن يخلو من الدبلوماسيين! فقط ذوي الرتب!
بعد التفتيش الدقيق هذه المرة، أدخلوني إلى قاعة كبيرة بها "أنتريه كلاسيك" وصورة كبيرة للرئيس السابق على سجادة عملاقة معلقة على الحائط. وعلم الجمهورية إلى جوارها منتصباً.
بعد نصف ساعة من الانتظار وحيداً في هذه القاعة، دخل شخص قصير، ممتلئ قليلاً، ومبتسم، يرتدي بدلة لونها أخضر زيتي! اللون الوحيد الذي يرتديه المصريون في البدلات، دوناً عن شعوب الأرض الأخرى!
عرفني بنفسه: أنا العـ*** خـ*** من الـ******* العـ*****..
أنا: أهلاً وسهلاً.. حلوة الصورة..
هو: صورة أيه؟
أنا: اللي هناك..
هو: أعذرنا يا أحمد بيه.. محدش بيدخل هنا خالص وعلشان كدة يبدو أنها اتنست هنا!
أنا: لا مفيش مشكلة.. الوفاء شيء جميل!
هو: شربت قهوة؟
أنا: تركي سكر زيادة.. لو فيه بن كويس..
هو: لسة واصل من مصر امبارح.. أكيد اشتقت لقهوة مصر؟
أنا: لو في القهوة مع صحابي، يبقى جداً.. لو معاكوا يبقى لا.. علشان نوعية البن بس!
هو: حضرتك أنا من المعجبين بوطنيتك وبإخلاصك لمصر وثورتها.. وعلشان كدة عايز أعرف منك بتخطط لإيه؟
أنا: كرجل وطني أم كرجل مخلص؟
هو: كتيار سابع؟
بعد ضحكة شديدة العنف، أنا: سيادتك دي نكتة على تويتر بس المذيع اللامع والصحفي الجهبذ في مصر عملولها سيناريو..
هو بدون أي ابتسامة: مفيش نار بدون رماد ومفيش نكتة بدون حقيقة!
أنا: طيب حيث كدة، يبقى أيوة أنا عايز أنزل انتخابات مجلس الشعب الجاية، والصندوق هو اللي يقول.
هو: طيب والتمويل؟
أنا: اكتتاب شعبي!
هو: مفيش جهات أجنبية؟
أنا: حضرتك فاضل تضيف للسؤال كلمة: معادية!
هو: مفيش جهات أجنبية بتمول؟
أنا: في بريطانيا مفيش مليم بيطلع لمصر بدون ما أنتم وصحابكم في فوكسهول (مكان مماثل لكوبري القبة ولانغلي) غير لما تعرفوا بيها..
هو: طيب أنا أشكرك جداً على وقتك.
أنا: طب والقهوة؟
الصورة من تصوير أحمد زكي، وتم التقاطها في لندن
٤
بعد يومين تلقيت رسالة شخصية على تويتر هذا نصها: عزيزي أحمد.. أود الالتقاء بك قريباً..
في تويتر، الرسائل الشخصية تكون أحياناً في اتجاه واحد فقط، تبعاً لشكل العلاقة (فولو من طرف واحد أم من طرفين).
لما لم يكن من الممكن التواصل معه عبر الرسائل المباشر، فقد ذكرته في تغريدة هذا نصها: @elba**** تلقيت الرسالة.. متى؟
رد الدكتور على الرسائل المباشر: سوف تتصل بك شيرين.
بعدها بدقائق، رسالة مباشرة من @egySh**** : الدكتور حيكون في لندن بعد بكرة.. حابعت لحضرتك اسم الفندق لاحقاً. شكراً جداً لحضرتك.
بعد يومين، رسالة من نفس الحساب تقول: فندق السافوي، الساعة الثامنة صباحاً.. في الريسبشن سأكون في انتظارك. من فضلك، نتمنى تكون بمفردك.
في بهو الفندق شديد الفخامة والكلاسيكية، وجدت آنسة جميلة ترتدي فستاناً أزرقاً أنيقاً ونظارة رقيقة، تقترب مني وتقول هامسة: حضرتك الأستاذ أحمد؟
أنا: أيوة.. صباح الخير.. حضرتك الآنسة شـ..
هي: أيوة أنا.. صباح النور، تفضل حضرتك لجناح الدكتور..
أنا: هو الدكتور نازل في جناح في السافوي؟
لم ترد وكأني لم أتكلم!
٥
دخلت إلى الجناح شديد الفخامة بالطابق الثالث من السافوي. موسيقى كلاسيكية هادئة منبعثة من مكان ما، أو ربما من جميع الأماكن. الدكتور يجلس على كرسي بالقرب من النافذة مرتدياً بنطالاً رمادياً وقميصاً سماوياً.
هو: أهلاً أهلاً بأستاذ أحمد.. صباح الخير وآسف على إزعاجك في الوقت البدري دة.. أنا أعرف إنك ما بتصحاش بدري.
أنا: صباح النور حضرتك.. سعيد جداً بمقابلتك أخيراً.. حضرتك من الرموز اللي أنا بافتخر بها..
هو: شكراً يا أستاذ أحمد..
أنا: أستاذ أيه حضرتك؟ أنا تلميذك.
هو: تشرب أيه؟ أنت فطرت الأول؟ شكلك ما فطرتش.. طيب أفطر معايا..
أنا: هو الأكل هنا حلو؟
هو ضاحكاً: عارف إنك بتحب السوشي بس أنا لما أكون في لندن ما باكلش سوشي غير في "إتسو" بريجنت ستريت.
أنا: مش ممكن! دة أنا كمان زبون هناك عالطول! طيب هو حضرتك عرفت إزاي إن أنا باحب سوشي وباسهر كل ليلة؟
هو: فيه أصدقاء مشتركين..
أنا: مين؟
هو: بتحب مع الفطار شاي أو قهوة؟
أنا: الاتنين!
هو ضاحكاً بشدة: ما كنتش أعرف إن دمك خفيف..
أنا: أحياناً.
هو: أيه بقى موضوع التيار السابع يا بطل؟
أنا: أهو دة مثال على دمي الخفيف! دي نكتة يا دكتور..
هو: طيب ما نوحد الجهود والنكتة بتاعتك على الحزب اللي ناوي أطلع بيه قريباً يبقوا واحد.. أيه رأيك؟
أنا: باقول لحضرتك نكتة..
هو: مفيش نكت في السياسة يا أحمد.. قهوتك لاتيه أو أمريكانو؟
الصورة من تصوير أحمد زكي، وتم التقاطها في لندن
٦
بعد أسبوع، توقفت ليومين في القاهرة خلال رحلة إلى الشرق الأقصى. كتبت فور وصولي لمطار القاهرة تغريدة تقول: وصلت إلى المحروسة.. يومين وأخلع تاني!
بعدها بدقائق تلقيت مكالمة من صديق يعمل مديراً إقليمياً للبنك الدولي ويرتبط بعلاقات وثيقة للغاية مع الجماعة.
هو: أبوحميد يا وحش.. أنت فين؟
أنا: هيما يا برنس.. أنا في المطار..
هو: ممكن أشوفك دلوقتي؟
أنا: طيب أنا حاكون في البيت بعد نص ساعة تقريبا..
هو: مساكن شيراتون؟
أنا: أيوة.
هو: طيب يا وحش.. حمدلله على السلامة.
بعد دقائق كان يقف بسيارته الفارهة من طراز بي أم دبليو الفئة الخامسة ٢٠١١ تحت المنزل.
بعد السلامات والتحيات، قال لي مبتسماً: أنا عايز أدخل التيار السابع..
أنا: أيه يا عمي؟ أنت بتشتغلني؟ أنت مش كنت في الوسط وبعدين قلبت إخوان بعد فوز مرسي.. دلوقتي عايز تبقى تيار سابع؟
هو: الجماعة في مأزق..
أنا: أيوة.. أيوة.. أصل أنا مواطن نمساوي! هيما.. أنا جعان.. أطلع على مكان ناكل فيه.
هو: بس أنا ليبرالي والله العظيم!
أنا: الحلفان كدب حرام يا هيما..
هو: ما دة بيعتمد على تعريفك لليبرالية..
أنا: الليبرالية هي إني آكل حالاً من البرنس في امبابة!

٧
في اليوم التالي تلقيت مكالمة من نفس الصديق.
هو: ممكن أشوفك؟
أنا: تاني؟
هو: المهندس عايز يشوفك.
أنا: المهندس الأعظم؟ هو أنت ماسوني يا هيما؟
هو: بلاش تهريج الله يكرمك.. المهندس خـ***.
أنا: عمي وعم العيال كلهم!
هو: بعد ربع ساعة تكون تحت.
الصورة من تصوير أحمد زكي، وتم التقاطها في لندن
٨
في المقطم، وفي الطابق الرابع من المبنى الأنيق، التقيت بالمهندس. بدا ودوداً رغم ملامحه القاسية.
رحب بي قائلاً: السلام عليكم يا أخ أحمد.. حمدلله على السلامة.. إبراهيم قال لي إنك مسافر بكرة الصبح. مش كنت تقعد معانا شوية..
أنا: شكراً حضرتك ولكن عندي مؤتمر في كوالالمبور..
هو: من أكثر البلاد التي أحبها.. بلد إسلامي صناعي يقدم لنا تجربة مهمة في كيفية التوفيق بين النهضة وبين المشروع الإسلامي.
أنا: فعلاً.. مهاتير عمل نهضة بجد..
هو: وإحنا كمان حنعمل نهضة حقيقية تحكي عنها الأجيال القادمة..
أنا: أنا من المعجبين بحضرتك علفكرة... نضالكم ملهم!
هو: واضح من تغريداتك عني في تويتر إنك فعلاً من المعجبين بي.. (ثم ابتسم بسخرية!)
أنا: واضح إن حضرتك يا باشمهندس بتقرأ ملفات كويس أوي زي أي ضابط أمن محترف.
هو: النهضة تريد جنوداً يخلصون لها ويمنعون عنها ما يمكن أن يعيق رجالها عن تحقيق ما يصبون إليه.
أنا: طيب ممكن أشرب مية؟
هو: أكيد طبعاً.. أخبار التيار السابع أيه بالمناسبة؟
أنا: لو قلت لحضرتك نكتة، مش حتصدق.. مش كدة؟
هو: يا أخ أحمد في بلدنا ثلاثة أرباع النكتة حقيقة تريد أن تستتر!
٩
جميع الشخصيات الواردة أعلاه لا تتشابه بأي شخصية عامة أو خاصة في الحقيقة، وإن حدث ذلك، فهذا من قبيل الصدفة البحتة! 

ملحوظة شخصية:
شكراً لملهمتي.. مدين لها بأكثر مما يمكن أن تعبر عنه الكلمات.

8 comments:

  1. هو دا خيال !! .. أنا كونفيوزد طيب :))

    ReplyDelete
  2. هو صحفي عقله وروحه في مصر وجسده في لندن بيعمل إيه؟!؟وعلي حساب مين؟!؟ومين إللي بيدفع فواتير السفريات دي!!!صحيح الصحفيين دول واكلينها والعة!!!

    ReplyDelete
  3. الى التعليق رقم واحد.. الرجاء قراءة 9
    الى التعليق رقم اتنين: أنت بتصدق؟ خليهم يتسلوا.. وبطل حسد!

    ReplyDelete
    Replies
    1. looooooooooooooooooooooooooooooooooool ابقى حط المعوذتين و خرزة زرقة عشان النبر و القر

      Delete
  4. !!!!!!!!!!!!!!!انت مصور جامد

    ReplyDelete
  5. اسلوبك في السرد شيق. اراني اتسائل لو كان في مشروع ادبي كبير، روائي او غيره

    ReplyDelete
    Replies
    1. تسلم يا شريف.. فيه مشروع رواية وادعيلي أبدأ فيه قريبا

      Delete
  6. بس انا متهيألي ان التيار السابع ممكن يكون فيه مشكلة ويتحط في حضانات وكلام من ده ، لو تيار تاسع حايكون طبيعي وربنا ينتعه بالسلامة
    بصراحة انا استمتعت بالقصة اسلوبها ظريف

    ReplyDelete