Monday, 6 August 2012

سيناء: المعضلة التي يعشق البعض تجاهلها


تميل بعض العقول في المجتمع المصري إلى التهويل والتفكير في المؤامرات التي تحيق بها عند وقوع حدث كبير مثل مذبحة بورسعيد أو الفتن الطائفية الكبرى. لكن بعد أن "ينفض المولد" تعود تلك العقول إلى ما كانت تفعله من الاهتمام بكرة القدم أو تبادل الاتهامات مع التيارات السياسية التي تعاديها، وتنسى الحدث الذي دعاها إلى التهويل والتفكير في المؤامرات الكونية التي تحيق بأمن الوطن.

بعض هذه العقول نجدها في شبكات التواصل الاجتماعي وبعضها الآخر يطل علينا للأسف من شاشات القنوات الفضائية من خلال "المكلمات" التي يطلق عليها "توك شوز" ظلماً وعدواناً.

ما حدث في سيناء من استهداف عدد من الجنود المصريين وقتلهم ثم الاستيلاء على مدرعتين ومحاولة اقتحام الحدود المصرية الإسرائيلية، هو من نوعية هذه الأحداث التي بدت فيها هذه العقول على وشك الانفجار من فرط الطاقة التي استهلكتها في: ١. تصفية الحسابات السياسية ٢. إلقاء اللوم على جهات معادية مثل إسرائيل وإيران وغزة وحماس والنظام السوري وحزب الله والقائمة المعروفة من الأعداء المحتملين والمفترضين! ٣. طرح إجراءات فاشية "لقطع القدم التي تفكر في دخول الأراضي المصرية" وفق التعبير الأثير لوزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط.

لكن الموضوع أبسط كثيراً من كل هذا الهراء أو ما يطلق عليه بالعامية المصرية الحديثة "الهريّ".

الموضوع يتلخص في النقاط الآتية:

١. سيناء تعاني من مشكلتين رئيسيتين: الأولى أن الأمن القومي المصري فيها مهدد باستمرار بسبب بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والتي تنص على حجم محدود للقوات المصرية داخل سيناء، المقسمة إلى ثلاث مناطق أمنية.

هذه البنود التي وافق عليها الرئيس الراحل أنور السادات، كبلت قدرة الدولة المصرية على بسط سيطرتها الأمنية على أحد أكثر المناطق المصرية حساسية.

المشكلة الثانية أن هناك تهميشاً لأبناء سيناء وتحديداً أبناء شمال سيناء. فيما يشترك أبناء الشمال والجنوب في الحرمان من تملك الأرض. ومنذ عودة سيناء إلى السيادة المصرية، وملف التعامل مع أهل سيناء قد انتقل من المخابرات العامة (حيث هناك درجة ما من الفهم والدراية بطبيعة أبناء القبائل البدوية) إلى جهاز أمن الدولة (حيث الكهرباء هي الحل).

٢. هناك جماعات جهادية في سيناء أو في غزة أو جماعات لها امتدادات في المنطقتين (بفعل الامتدادات العائلية) لديها رغبة دائمة في إثبات أن الدولة المصرية في سيناء ضعيفة، وأن هذا الضعف يمكن ترجمته في استغلال سيناء من أجل الهجوم على إسرائيل وإقامة شرع الله و... إلى آخر القائمة الأيدلوجية المحفوظة.

هذه الجماعات وفق التعريف الغربي هي "جماعات إرهابية" وأي مجهود منظم لمحاربتها يحتاج إلى مجهود فعال على الجبهة الأمنية والاستخباراتية، ومجهود آخر على جبهة إقناع الناس بلفظ هذه الجماعات عبر إقامة تنمية حقيقية في مجتمعاتهم المهمشة، والتي تعد بيئة خصبة لمثل هذه الأفكار.

بالطبع الدولة المصرية قبل الثورة أو بعد الثورة لم تقم بأي مجهود يذكر في هذا المجال!

٣. تم استغلال هجوم سيناء في الهجوم على الرئيس المنتخب محمد مرسي، باعتباره "رئيساً إخوانياً متحالفاً مع جماعات الجهاد والجماعات الإسلامية في غزة و...” إلى آخر الأسطوانة المسجلة. ولكن بعيداً عن انتماءات مرسي أو قدرته المحدودة على الحركة أو الفعل أو حتى التواصل مع الناس، فإن حدثاً مثل الهجوم على القوات المصرية في سيناء وقع قبل ذلك وخلال حكم الرئيس المخلوع مبارك أكثر من مرة، ولم يثر موجات الهجوم تلك على الرئيس وقتها!

إذن فإن هذا الهجوم تم التعامل معه من قبل "كتيبة الإعلاميين الوطنيين الأحرار" كما تعامل أجدادهم مع قميص عثمان، ولكن في نسخته المصرية!

فالخليفة مرسي، من وجهة نظرهم، لم يقم بواجبه في التصدي للإرهاب وفي تحريك القوات وفي الإدانة الكافية لهذا الاعتداء، وأن هذا نتاج طبيعي لانفتاحه على حماس وغزة.

ومثل أي "كونشرتو" عظيم في أي عمل أوبرالي "فخيم"، بدأت نبرة الهجوم على مرسي في الزحف نحو الهجوم على أبناء غزة واتهامهم بأنهم السبب في كل ما حاق بمصر من خراب وانفجارات وانقطاعات في الكهرباء.

٤. يعشق المسؤولون المصريون منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، تجاهل حقيقة أن غزة امتداد طبيعي للأراضي المصرية في سيناء وجزء مهم من فكرة الأمن القومي المصري. لكن الامتداد الطبيعي لا يعني ضم غزة إلى مصر، كما تريد إسرائيل، وإنما يعني أن تظل غزة محتفظة بكيانها كجزء من دولة فلسطينية قادرة على الحياة، وفي نفس الوقت مراعاة الحاجات المعيشية لأهل غزة، بما يقطع الطريق على تجارة الأنفاق بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية.

كما أن الحفاظ على الأمن القومي المصري لا يعني إغلاق المعابر مع قطاع غزة ومحاصرته كي يكون "السجن الأكبر في العالم" وفق التعبير الذي ورد على لسان أكثر من مسؤول غربي زار القطاع خلال حصاره، من بينهم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.

فحصار غزة لن يؤدي إلا إلى تصدير المزيد من التطرف من هناك. وهي نظرية لا تختلف كثيراً عن نظريات حصار أهل سيناء من خلال التضييق عليهم والتعامل المهين معهم من قبل الأجهزة الأمنية، التي أثبتت فشلاً ذريعاً على مدى عقود في التعامل مع ملف سيناء.

٥. مع الأخذ في الاعتبار كل العوامل الموضوعية المتعلقة بأن ما حدث في سيناء كان متوقعاً نتيجة الأسباب الأربعة السابقة، فإن الرئيس مرسي بدا أقل كثيراً من حجم الحدث. مثلاً تجنب استخدام كلمة "إرهابيين" في كلمته المقتضبة التي ألقاها على شاشة التلفزيون الرسمي من أمام سيارته التي كانت تتأهب كي تأخذه إلى بيته أو المسجد.

كان على الرئيس أن يدرك أن في هذه اللحظات "الملتهبة" حيث "كتيبة الإعلاميين الوطنيين الشرفاء الأحرار" قد بدأت في أوبرا "المناحة"، أن تكون عباراته أكثر جرأة في توصيف ما حدث. فالاعتداء بالسلاح على جنود أي دولة يعد عملاً إرهابياً، وفق المتعارف عليه في أدبيات الدول الأخرى سواء في الشرق أم في الغرب.

٦. من خصائص بعض العقول التي أشرنا إليها في البداية، أنها تسارع وتسأل: طب أيه الحل؟؟! بعد تفكير عميق يمكن أن أقول: الحل في النقاط الخمسة السابقة إذا كنتم جادين في البحث عنه، أو الاكتفاء بـ"الهريّ" على تويتر، كما حدث في كل مرة جرى فيها حادث كبير منذ ثورة يناير ٢٠١١.


5 comments:

  1. المقال اكثر من رائع

    ReplyDelete
  2. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  3. مقال ممتاز لأنك حللت المشكلة وحلولها بدون اتباع نظزية المؤامرة التي يحبها المصريين
    http://hekaty.blogspot.com/

    ReplyDelete
  4. مقال جيد .. يجدر بنا اﻹشارة إلى طبيعة السيناوية البدوية حيث السﻻح منتشر والعصبية موجودة وممكن يحدث حرب طاحنة يكون فيها الخاسر المصريين حكومة وسيناويين والرابح اسرائيل و يجب التعلم من التسعينيات فى أسيوط والصعيد

    ReplyDelete