في
الكتاب
الذي تناول سيرة حياة مؤسس شركة أبل
الأمريكية، ستيف جوبز، نقرأ أن المبتكر
الراحل سئل في عام ١٩٨٢ إذا ما كان يرغب
بالقيام بأبحاث تسويقية قبل طرح منتجات
شركته، فأجاب:
لا
أريد ذلك، لأن المستهلك لا يعرف ما الذي
يريده إلا عندما يراه..!
وهذا
ما حدث بالضبط مع الشعب المصري.
فقد
وجد نصف من شاركوا أنهم أمام مرشحين
(الخمسة
الأكثر شهرة وهم أبو الفتوح وصباحي وشفيق
ومرسي وموسى)
وبرامج
لا تختلف كثيراً عن بعضها البعض إلا في
التغليف.
بالطبع
برنامج خالد علي هو الأكثر ثورية في مجال
العدالة الاجتماعية، لكن المحامي الشاب
غير معروف لدى شعب يؤمن أن حاكمه يجب أن
يكون رجلاً خبيراً في الحكم، في حال أتى
هذا الحاكم عبر صندوق الانتخابات وليس
على ظهر دبابة أو اختاره رئيسٌ راحل كنائبٍ
له.
فيما
عدا برنامج خالد علي، فإن بقية البرامج قلدت بعضها في نقاطٍ كثيرة، وتبقى أمام
الناخب مرشحٌ، يعتمد على رصيده كقيادي
في جماعة تسيطر على البرلمان أو خبرته
كوزير للخارجية وأمين عام لجامعة الدول
العربية، أو إنجازاته وفتوحاته كوزير
للطيران والفضاء، أو نضاله أمام الرئيس
المؤمن، أو نضاله (مرشح
آخر!)
أمام
نفس الرئيس المؤمن!
والنتيجة
كانت اختياراً فريداً من نوعه بين يمين
ديني، ويمين عسكري!
اختيار
سيضمن أن تدخل مصر كتب العلوم السياسية
كأول تجربة ديمقراطية تقود نفسها طواعية
نحو الفاشية والاستبداد، سواء باسم الدين
أم باسم مصالح الوطن العليا!
مصر
تحت حكم الرئيس المجاهد محمد ابن مرسي
الدين!
إشكالية
انتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر، أننا نعتقد
أنه سيتمتع بصلاحيات "أقل"
من
مبارك، نظراً لأن المجلس العسكري أصبح
طرفاً رئيسياً ومباشراً في معادلة الحكم.
لكننا
نتجاهل أن الرئيس مرسي يأتي إلى قصر عابدين
وهو رأس للسلطة التنفيذية، التي تتمتع
بدعم السلطة التشريعية، نتيجة سيطرة
جماعة الإخوان على مجلسي الشعب والشورى.
هنا
نحن أمام رئيس يستطيع أن يبني ببطء شرعية،
تمكنه لاحقاً من زيادة نفوذه في الدولة،
وربما لاحقاً تأسيس دولة على مقاس جماعة
الإخوان.
بالطبع
لن يحدث هذا في ولايته الرئاسية الأولى،
لكن التمهيد لذلك يمكن أن يبدأ خلال
سنواتها.
١.
سياساته
الداخلية:
إلى
اليمين..
وكله
بالقانون!
لم
يكن الحكم بسجن الفنان عادل إمام "لازدرائه
الإسلام في أعماله الفنية"
التي
أنتجت قبل عدة سنوات ونالت موافقة الرقابة
حينها، أمراً خارج السياق العام للحياة
السياسية في مصر.
فهذا
الحكم غير المسبوق، لم يصدر خلال العهد
السابق، رغم كل ما قيل عن استقلال القضاء
وقتها.
وهو
مؤشر على أن المستقبل يحمل المزيد من الأحكام القضائية
التي ستحد من حرية التعبير داخل مصر،
طالما السلطة التشريعية والتنفيذية من
نفس اللون ولديهما نفس التوجهات حيال سقف
الحريات الإبداعية.
من
ينتخب الرئيس مرسي عليه أيضاً أن يتوقع
مزيداً من القوانين الخاصة بختان المرأة
وحقوق المرأة وكل ما له علاقة بالمرأة،
وكأن مشاكل مصر تنحصر في السن المسموح
للمرأة فيه بالزواج!
كما أن هناك مخاوف حقيقية من زيادة تطرف قواعد الإخوان، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الضغط على الرئيس مرسي من أجل تقييد حرية الصحافة والتعبير ووضع قوانين خاصة بالنشر والتأليف، من أجل الحفاظ على ولاء هذه القواعد.
كما أن هناك مخاوف حقيقية من زيادة تطرف قواعد الإخوان، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الضغط على الرئيس مرسي من أجل تقييد حرية الصحافة والتعبير ووضع قوانين خاصة بالنشر والتأليف، من أجل الحفاظ على ولاء هذه القواعد.
٢.
العلاقة
مع المجلس العسكري:
نحمل
"المقايضة"
لمصر..!
لن
يؤدي مجيء الرئيس مرسي إلى سدة الحكم،
إلى تحجيم صلاحيات المجلس الأعلى للقوات
المسلحة.
فالرئيس
مرسي يدرك أنه يمثل المرشد في معادلة
الحكم المصرية، وأن المرشد طرف مشارك
وليس طرف وحيد.
بالتالي
فإن نائباً له من المؤسسة العسكرية هو
السيناريو الأقرب للتحقق.
ولا
يمكن تصور أن يقوم الرئيس مرسي بتغيير
قيادات القوات المسلحة دون نيل موافقتها
المسبقة على هذا التغيير.
فهو
رئيس لن يكون لديه أية شعبية داخل القوات
المسلحة التي تؤمن أن الولاء ينحصر فيمن
حمل رتبة عسكرية ذات يوم أو حارب على جبهات
القتال.
كما
أن الرئيس مرسي يحكم بلداً به تقاليد
عسكرية راسخة منذ جيش إبراهيم باشا.
وهي
تقاليد لا تسمح بأن يكون الرئيس في مصر
مثل الرئيس في فرنسا، قادراً على التدخل
في شؤون الجيش.
أقرب
السيناريوهات إلى التحقق أن "مقايضةً"
سيتم
الاتفاق عليها بين المجلس العسكري وبين
رؤساء الرئيس مرسي في الجماعة، تتم
بمقتضاها التخلي عن صلاحيات الرئيس داخل
الجيش مقابل أن لا يتدخل المجلس العسكري
في السياسات الداخلية التي ستنتهجها
الحكومة التي سيشكلها الرئيس.
ومن
يخرج عن هذه الصفقة من جانب الجماعة، فإنه
سيدعى لحضور عرض عسكري مهيب أو سيكون على
متن مروحية تتفقد مشروعات تعمير الصحراء
الغربية..!
٣.
العلاقات
الخارجية:
مثل
أي نظام إسلامي في المنطقة، نحن نحافظ
على أمن إسرائيل!
هل
شن أي نظام إسلامي حرباً على إسرائيل؟ هل
رفض أي نظام إسلامي التعاون مع الولايات
المتحدة في عملياتها العسكرية حول العالم؟
لنأخذ
مثلاً إيران خلال حربها مع العراق في
الثمانينيات.
فقد
تعاون النظام الإسلامي فيها مع إسرائيل
من أجل الحصول على قطع غيار السلاح الأمريكي
وفي المقابل دفع النظام الإيراني المال
لمسلحي حركة الكونترا في نيكارغوا من أجل
إسقاط ثوار الساندينيستا المناهضين
لأمريكا في هذا البلد!
وقد
عرفت الفضيحة باسم كونترا غيت.
أي
أن إيران رفضت التعامل مع أمريكا مباشرة
لأنها "الشيطان
الأكبر"
وفق
تعبير الخوميني، لكنها لم تجد غضاضة في
التعاون مع "وكيل
الشيطان الأكبر".
أما
إيران خلال محادثاتها مع الغرب في بغداد
حول برنامجها النووي (مايو
٢٠١٢)
فقد
عرضت الاعتراف بإسرائيل ضمن المبادرة
العربية للسلام، ضمن حزمة شروط أخرى،
مقابل الاعتراف بوضعها الإقليمي وبسيطرتها
على الجزر الإماراتية وحقها في امتلاك
التكنولوجيا النووية.
المثال
الثاني هو النظام السعودي، والذي يقول
عن نفسه أنه نظام إسلامي، فيما يرتبط
الإخوان بعلاقات جيدة معه، وتدافع قيادات
الجماعة عن المملكة وقيادتها.
هل
سمعنا عن أن النظام في الرياض حاول القضاء
على إسرائيل أو خوض حربٍ معها؟ السيرة
الذاتية لسفير الرياض السابق في واشنطن
الأمير بندر بن سلطان، والتي نشرت على
نطاق ضيق في الغرب، تحمل الإجابة.
يكفي
أن الرياض هي أكثر العواصم العربية التي
طرحت مشاريع متكاملة للسلام بين العرب
وإسرائيل مثل مبادرة الأمير فهد في ١٩٨٢
ومبادرة الأمير عبد الله في ٢٠٠٢.
لم تجد إيران الخوميني غضاضة في التعامل مع أمريكا ريجان عبر إسرائيل خلال الحرب مع العراق |
باكستان، وهي البلد الإسلامي الوحيد الذي يملك سلاحاً نووياً، تعاون مع الولايات المتحدة في حرب أفغانستان كما لم يتعاون أي نظامٍ آخر. والسبب أن مساعد وزير الدفاع الأمريكي ريتشارد أرميتاج هدد الرئيس السابق برفيز مشرف بأنه إذا لم يتعاون فستعمل الولايات المتحدة على إعادة باكستان إلى "العصر الحجري"، كما ذكر مشرف في مذكراته التي حملت اسم "على خط النار".
إذن
فمن ينتخب الرئيس مرسي، عليه أن يعلم أن
الحدود مع إسرائيل ستكون آمنة للغاية وأن
مصر لن تمد حماس بالسلاح، بل ستستخدم
نفوذها الإخواني على قيادات حركة حماس
من أجل وقف الهجمات على إسرائيل، تماماً
كما تفعل حماس حالياً.
وهنا
تبدو المصلحة الأمريكية في أن يقع الإقليم
تحت حكم إسلامي يبدو متشدداً على صعيد
السياسات الداخلية، ومتعاوناً مع الغرب
على صعيد السياسات الدفاعية، خصوصاً على
جبهات القتال الطائفية.
٤.
الاقتصاد
والعدالة الاجتماعية:
نحمل
"الخصخصة
الإسلامية"
لمصر!
سيعمل
الرئيس مرسي على تطبيق البرنامج الاقتصادي
لمشروع النهضة الإخواني، والذي يأخذ كتاب
فرانسيس فوكوياما "نهاية
التاريخ"
دليلاً
نظرياً على صواب سياسات الخصخصة في عصر
مبارك، ولكن هذه المرة ستتم الخصخصة تحت
مسميات إسلامية، مثل:
شراكة..
نماء..
شجرة
طيبة للكهرباء..
ومن
يعتقد أن مشروع النهضة يحمل العدالة
الاجتماعية لمصر، فعليه أن يقرأ الجزء
الخاص بالسياسات الاقتصادية والتي تظهر
انحيازاتها الطبقية بشكل واضح.
وهذا
ليس غريباً على الإخوان الذين عارضوا في
الخمسينيات برنامج تحديد الملكية الزراعية
وسياسات الإصلاح الزراعي وإعادة توزيع
الملكية الزراعية على عدد أكبر من
المواطنين.
كما
أن سياسات مشروع النهضة الاقتصادية ليست
غريبة على مهندسه رجل الأعمال خيرت الشاطر.
مصر
تحت حكم السيد الرئيس الفريق طيار أحمد
شفيق، القائد الحقيقي للعبور!
لا
يمكن أن ننظر إلى الفريق أحمد شفيق باعتباره
رئيساً يمثل نفسه أو حتى المؤسسة العسكرية
فقط.
بل
هو رئيس يمثل كل ما تمثله "الدولة
العميقة"
في
مصر من أجهزة أمنية وجماعات مصالح مرتبطة
بالحزب الوطني المنحل، وتريد إعادة جديدة
لنظام مبارك.
١.
سياساته
الداخلية:
التعاون
مع الإخوان بما لا يخالف مصالح الفلول!
لن
يقوم الرئيس شفيق بحل البرلمان كما ينقل
عنه، ولن يقوم بالصدام مع السلطة التشريعية.
على
العكس، سيكون الرئيس متعاوناً معهم في
مقابل تعاونهم معه في القضاء على القوى
المدنية والثورية والتي تعتبر خطراً (ولو
محدوداً)
على
نفوذ الطرفين في الشارع.
ستظل
وزارة الداخلية وباقي الوزارات السيادية
تحت سلطة الرئيس، فيما الوزارات الخدمية
تحت سلطة الإخوان، كما أن رئيس الوزراء
سيكون أحد قيادات الجماعة، حسب ما ألمح
أليه شفيق!
ستكون هناك محاولات حقيقية من قبل نظام الرئيس شفيق لتحسين الأمن وترويج ذلك في الإعلام بكثافة، وذلك للتأكيد على فكرة أن
رجل النظام السابق هو الوحيد القادر
على إعادته. لكن الاضطرابات ستستمر نظراً لسخط قطاعات
شعبية واسعة على سياساته الاقتصادية
واستبداده الأمني.
٢.
العلاقة
مع المجلس العسكري:
المشير
أخ وصديق!
لا
يوجد أبلغ من عبارتين قالهما شفيق:
المشير
أخ وصديق..
وتساؤله
الميلودرامي التاريخي:
..إيه؟
٣.
العلاقات
الخارجية:
أين
أحمد أبو الغيط؟
لن
تكون مصر في سياساتها الخارجية تحت حكم
الرئيس طيار أحمد شفيق، أكثر "إبداعاً"
في
سياساتها الخارجية من عصر مبارك ونهج
الوزير السابق أحمد أبو الغيط في انتقاء
ألوان بدلاته الأنيقة.
٤.
الاقتصاد
والعدالة الاجتماعية:
لماذا
تتجه يساراً حين يطالبك الجميع بالاستمرار
يميناً..
ستستمر
سياسات مبارك الاقتصادية معنا في مصر تحت
حكم الرئيس شفيق، والذي تتفق رؤيته
الاقتصادية مع رؤية خيرت الشاطر ومحمود
محي الدين.
فلماذا
إذن يسعى الفريق شفيق لمزيد من العدالة
الاجتماعية عندما لا يكون مطلوباً منه
ذلك سواء من قواعده الانتخابية أو السلطة
التشريعية أو البنك الدولي ورجال الأعمال
المرتبطين بالمصالح التجارية للولايات
المتحدة في المنطقة.
في
الجزء الثالث:
هل
يوجد في السياسة ضمانات؟ ما العمل؟