أنشئت جماعة الاخوان المسلمين عام 1928. أي أنها تبلغ من العمر 84 عاماً. بينما أنشئ اتحاد الجمهوريات السوفيتية المعروف اختصاراً بالاتحاد السوفيتي عام 1922 ومات في 1991.
وفق المقارنة الواردة في التدوينة التالية، فإننا لو طبقنا المقاييس السوفيتية على جماعة الاخوان فنحن الآن في عام 1982. وهو العام الذي شهد وفاة الزعيم السوفيتي القوي (أو هكذا بدا للغرب) بريجنيف وتولى أندربوف السكرتارية العامة للحزب الشيوعي، ليرحل ويتولى تشيرنينكو، ليرحل هو الآخر ويتولى جورباتشوف المنصب الأول في الدولة السوفيتية عام 1985.
أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي: رؤية ذاتية
هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء انهيار الامبراطورية السوفيتية التي كانت الأكبر في العالم من حيث المساحة وربما من حيث الموارد ولكنها لم تستطع أن تقاوم السباق الذي فرض عليها من المعسكر الغربي وانهارت بعد سبعة عقود.
السبب الأول: لم تحترم التجربة السوفيتية التنوع العرقي لجمهوريات الاتحاد، وحاولت التجربة فرض نموذج موحد على جمهوريات لها خصوصيات ثقافية وعرقية. في المقابل كانت الولايات الأمريكية التي تجمعها الكثير من القواسم، تتمتع بحكم فيدرالي يسمح لشعوبها باختيار ما يلائمهم من أنظمة وقوانين بعيداً عن سيطرة العاصمة الفيدرالية، ولكن ضمن إطار المبادئ الموجودة في الدستور الأمريكي.
السبب الثاني: انفراد موسكو بالقرار جعل من الصعب أن تطور التجربة نفسها، خصوصا مع المساحة الشاسعة للاتحاد السوفيتي. كما لم تستطع التجربة أن تفرز جيلا جديدا من السياسيين الذين يتمتعون بمرونة ورؤية للمستقبل بعيدا عن الإطار الأيدولوجي الصارم. في المقابل كانت الرأسمالية في الغرب تطور من نفسها وتسمح بتبني العديد من الطروحات الاشتراكية فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية من أجل تفادي الانزلاق نحو اضطرابات واسعة في المجتمعات الغربية قد تؤدي لاحقاً الى انهيار التجربة الغربية.
السبب الثالث: أدى انهيار جدار برلين الى انهيار الستار الحديدي الذي كان يفصل بين شرق أوروبا وغربها مما ترجم فورياً لدى شعوب الاتحاد السوفيتي بأن الخوف من الغزو الغربي تلاشى، ولم يعد الخوف من الحرب مع الغرب مبرراً للبقاء تحت مظلة الاتحاد السوفيتي، الذي استنزف الكثير من موارده في فكرة تصدير الشيوعية فيما عرف بسياسات الأممية.
السبب الرابع: نتيجة تراكم أخطاء التجربة السوفيتية، ومع أول محاولة إصلاح "متأخرة" والتي جاءت مع جورباتشوف وحزمة سياسات الجلاسنوست/البيرسترويكا، بدأت تظهر كل الشروخ التي كانت غير ظاهرة خلال الحقب السابقة. كما أدركت الجمهوريات السوفيتية أن قبضة موسكو قد وهنت كثيرا وأن هذه الحزمة من الإصلاحات المتأخرة قد تسمح بالاستقلال والقضاء على التجربة السوفيتية.
كل ما سبق ينطبق بنسبة كبيرة على تجربة الإخوان وهذه هي الأطروحة التي أتخيل أنها ستتسبب في اقتراب اليوم الأخير في حياة جماعة الإخوان:
السبب الأول: في التجربة السوفيتية كان لاستبداد فئة محدودة من صناع القرار في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي تأثيرا سلبيا على التجربة بأكملها. في التجربة الاخوانية فإن استبداد فئة محدودة من الحرس القديم في مكتب الإرشاد سيؤدي الى نفس التأثير على مسار الجماعة وعلى وحدتها الداخلية.
السبب الثاني: من الواضح أن هناك انفصالا بين الحرس القديم وبين جيل الشباب في الجماعة والذي يبدو أكثر تطورا ومرونة من الحرس القديم. هذا الانفصال شهدته أيضا التجربة السوفيتية وأدى الى تسارع انهيار التجربة. يكفي أن قطاعاً مؤثراً من جيل الشباب في الإخوان تأثر بشكل كبير بروح التمرد التي ولدت في الخامس والعشرين من يناير ولم يعد يستطيع أن يقبل تحكم رجال، من نفس سن مبارك ورجاله، في مصائرهم وتوجيههم وفق قاعدتي "السمع والطاعة" و"لا تجادل، فالجدال من صفات بني إسرائيل".
السبب الثالث: وفق ما قاله لي أحد أعضاء الإخوان الذين تم تجميد عضويتهم (وهو بالمناسبة نجل أحد كبار رجال الأعمال المؤثرين في الجماعة وقد ورث عضويته عن والده والذي بدوره ورثها عن والده!) فإن الجماعة تتعرض لما يعرف بحركة "ترييف الإخوان" والمعني بها سيطرة القادمين من الريف على مفاصل الجماعة ورفضهم لسيطرة "الأفندية". وعندما نقلت هذه الشكوى من صديقي "الأفندي" لأحد القيادات الوسطى في التنظيم الدولي (وهو من الريف) كانت إجابته الاستنكارية: وما المشكلة؟ نحن الأغلبية في الجماعة ومن حقنا السيطرة عليها! هذا الصراع سيؤدي الى تسارع ظهور الشروخ في التجربة الاخوانية.
السبب الرابع: جماعة الاخوان بكل ما تدعيه من خصوصية، هي ابنة المجتمع المصري بكل عيوبه ومثالبه. وبالتالي كل مشاكل المجتمع مثل الطبقية، والتوريث وسيطرة العائلات، ورثتها الجماعة. يكفي أن نعرف أن محمود غزلان (القيادي البارز والذي أثبت فشلاً ذريعاً في المعركة التي افتعلها مع الإمارات) هو زوج شقيقة خيرت الشاطر (الحاكم الفعلي للإخوان والذي يحاول بسط قبضته الحديدية على الجماعة من خلال قدراته المالية الواسعة). بينما وفق مصادر داخل الإخوان، فإن أحد أسباب عدم تصعيد عصام العريان بشكل بارز أنه "أقل طبقياً" من باقي القيادات، التي ترتبط بعلاقات مصاهرة ونسب.
السبب الخامس: كل الشروخ الناتجة عن الأسباب الأربعة السابقة كانت غير ظاهرة لمن هم خارج الجماعة وغير مطروحة للنقاش، بسبب القمع الأمني الذي تعرضت له الجماعة على مدى عقود والذي أدى الى المحافظة على وحدة الجماعة وتماسكها، باعتبارها تواجه خطراً خارجياً يهدد جميع أعضائها. ولكن سقوط جدار برلين المصري المتمثل في خلع مبارك أدى الى زوال هذا الخطر الخارجي وبالتالي ضعفت كثيرا رابطة الخوف من الأخطار الخارجية. وما يحاول فعله خيرت الشاطر حاليا من خلال التصعيد الأخير مع المجلس العسكري هو إعادة إنتاج هذا الخطر من أجل الحفاظ على وحدة الجماعة وعدم حدوث انشقاقات كبيرة أو انقلاب داخلي يطيح به وبالحرس القديم.
السبب السادس: حاولت جماعة الاخوان على مدى عقود أن تكون الوكيل الحصري للمشروع الاسلامي في مصر والمنطقة. وعندما بدأت جماعات الجهاد الحركي مثل الجهاد والجماعة الاسلامية في تقديم مشروع إسلامي خاص بها، كانت الإخوان تقدم نفسها باعتبارها الوكيل الحصري لمشروع إسلامي معتدل، غير متطرف وقادر على الوصول لصفقات مع الغرب. لكن انشقاق أبو الفتوح وترشحه في انتخابات الرئاسة، مثل بالنسبة لبعض المتحمسين للمشروع الاسلامي فرصة كي يعاد طرحه بعيداً عن جماعة الإخوان التي أظهرت انتهازية سياسية مدهشة منذ خلع مبارك.
وقائع اليوم الأخير
بالرغم من المحاولات الدائمة من قبل أعضاء مكتب الإرشاد لإظهار أن المجلس العسكري يناصبهم العداء وأنهم يتفادون الصدام، فإن جماعة الإخوان تدرك أنها مقبلة على تحدي كبير في حال فوز أبو الفتوح بالرئاسة. فالرجل سيسحب البساط من تحت أقدامهم في جزئية احتكار المشروع الاسلامي، كما أن الصدام معه وارد بسبب الخلافات بينه وبين خيرت الشاطر، وما يقال عن الأخير من أنه يأخد مسألة إسقاط أبو الفتوح في الانتخابات على محمل شخصي!
كل هذه العوامل ستؤدي الى الإدراك المتأخر لدى المخلصين للتجربة الاخوانية بأن الجماعة تحتاج الى وجه إصلاحي شاب لتولي القيادة. يمكن أن يكون وفق مفهوم التجربة السوفيتية "جورباتشوف الإخوان". وستبدو حينها السياسات الإصلاحية فرصة لانشقاق جماعات أكبر من الإخوان والإنضواء تحت تجارب تخدم مصالحها، خصوصا بعد أن دخلت الجماعة على خط السلطة وأصبحت نسخة معدلة من الحزب الوطني!
ولمن يستبعدون انهيار الجماعة ويعتقدون أن الاتحاد السوفيتي الملحد قد ينهار بينما جماعة تعمل وفق القرآن الكريم لا يمكن أن تنهار، فإني أود أن أذكرهم بانهيار الامبراطوريات الأموية والعباسية والعثمانية وهي كلها تجارب قالت أن القرآن دستورها. أما على الصعيد السياسي المصري فأود أن أذكر بتجربة اضمحلال الوفد من حزب للأمة المصرية بمفهوما الواسع في عهد النحاس، ووصول وفد سعد زغلول الى حقبة السيد البدوي وخدمة النظام على مستوى القضاء على جريدة معارضة!
على الجانب الآخر، يبدو الصدام بين العسكر والإخوان مستبعداً لأن الطرفين غير مؤهلين لذلك من ناحية السن أو حتى من ناحية الإدراك المشترك بأن قواعد السلطة الأبوية في مصر قد انهارت في الثامن والعشرين من يناير، وبالتالي لم يعد لدى الطرفين الكثير من أوراق اللعب.
"إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" - سورة آل عمران الآية 140