تحية الى اللاعب الفذ: محمود الخطيب.. بيبو الأصلي |
قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة قابلت في لندن شاباً ثورياً جداً، من ذلك النوع الذي يحط رجل على رجل ويبص للسما وهو يكلمك بقرف شديد، بينما هناك نصف سيجارة مشتعلة متدلدلة من فمه، وفي يده نصف كوب ممتلئ بسائل يشبه الشاي!
ولما كنا في اجتماع لمجموعة من الشباب والصبايا المغتربين والمغتربات، ونبحث في موضوع الانتخابات البرلمانية، ضربت بقين مفادهم: إن الاسلاميين هما اللي حيفوزوا وإن دة مش مهم أوي على أساس إن المجلس العسكري حيتوصل معاهم لصفقة وساعتها القوى الثورية حتبقى في أزمة حقيقية.
فجأة لقيت الشاب الثوري بص ليا بغضب وزعق وقال: استحالة.. مش ممكن! أنا خلاص رسمت خريطة التحالفات بين القوى الثورية، والاسلاميين حياخدوا تلاتين في المية بالكتير، وحانجبر المجلس على التراجع عن توجهاته غير الثورية والاستجابة لمطالبنا وتسليم السلطة فورا لرئيس البرلمان اللي حيكون مننا..
بدأت أتناقش معاه بالمنطق والعلم والحكاية والرواية وهو على نغمة واحدة: الاسلاميين والعسكر حيتاكلوا بعد البرلمان اللي أنا رسمت خطة تحالفاته البرلمانية!
ومرت أيام وراحت أيام وشوفت الشاب الثوري المتحمس اللي كان بيبص في السما، فلقيته باصص في الأرض ومش عاوز يحط عينه في عيني وبيقول: خلاص راح.. كل حاجة راحت! وفجأة يروح باصص في ركن غير مرئي ويزعق بصوت منخفض أوي: بس فيه أمل.. أيوة فيه أمل!
قدمت التحية للشاب على مجهوداته الثورية وبدأت بالقول: عزيزي.. دي مش ثورة.. إنما مسار ثوري مستمر وأكبر معاركنا هي مع عقلية الناس غير الثورية.. ولازم نحاول ننشر الرسالة الثورية لدى القواعد الأول وبعدين ننتقل نحو المواجهات الكبيرة.. دي مسيرة طويلة زي مسيرة الرفيق ماو والرفيق فيدل يا رفيق محمود!
بص الشاب في كوباية الشاي وقال بانكسار بالغ: كانت حساباتي غلط ومعركة الرئيس أنا متأكد منها وحاقنع أبوالفتوح ينزل مع حمدين ونكسب!
هنا رحت أنا مزعق: هاتلي الحساب يابني!
***
لأن الناس عمرها ماعرفت يعني ايه تنافس بين مجموعة من المرشحين لهم حظوظ متقاربة، فقد استعاروا كل أدبيات التشجيع الكروي وتحولوا الى روابط مشجعين لمرشحين، بعضهم الشارع مش عارفه!
وبالتالي بدل أن نجد ترويجا لبرامج تحاول تقديم حلول عملية للخروج من أزمات المجتمع المعيشية، أو تفكر في بناء دولة جديدة، وجدنا حالة تشحتف عاطفي حاد على رمز البطولة والفداء: "بيبو"! وطبعا تصاميم فنية غاية في الجمال وبهاء الألوان، تشجيعا لـ"بيبو"!
ونتيجة لحالة الهوس الكروي الذي انعكس على التنافس الانتخابي، فوجئنا بعبارات مثل: عمري ما حبيت الكورة، بس بعد ما شفت "بيبو" بيلعب حبيت اللعب أوي!
وفجأة انتقلنا من محاولة لفهم طبيعة الصراع الانتخابي في أول انتخابات رئاسية تعددية، الى حالة من المراهقة الكروية القائمة على التعصب الأعمى لـ"بيبو" ومؤتمرات "بيبو" وظهور "بيبو" التلفزيوني مع يسري فودة وحوار "بيبو" في الشروق!
ولم يكن غريبا أن تختفي الحسابات السياسية من حالة التنافس المحموم تلك. وبالتالي لم نجد عاقلا يقول: سأتنازل عن دعم "بيبو" لأن احتمالات فوزه ضعيفة!
ولم نجد أيضا أشخاصا يفكرون خارج مربع "مرشحي "بيبو" هو الوحيد اللي بيفهم" الى مربع "ما تيجي نحط مرشحي "بيبو" على مرشحك، فيكملوا بعض، ونشوف الناس حتتجاوب ازاي".
ببساطة انتقلنا من حالة الاستفتاء السلبي على "مرشح النظام الوحيد" الى حالة من حالات الانتخاب العبثي لمرشح لا يحظ بتفويض شعبي يمكنه من القيادة الحقيقية، وسط تحديات من السلطة العسكرية والسلطة التشريعية التي يسيطر عليها لون حزبي واحد!
وأكثر ما أخشاه أن نكتشف أن الانتخابات الرئاسية لم تكن سوى "دعابة باهظة التكاليف" من تلك الدعابات التي تخصص فيها المجلس العسكري وباعها للشعب، مثل دعابة الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
لذا علينا أن ندرك أن الأزمة ليست في المرشحين أو في الانتخابات، وإنما في العقلية السائدة لدى أنصار المرشحين الذين يعتقدون أن "بيبو" لازم ياخد الكاس لوحده!
وأخشى أننا نتجاهل مواجهة هذه الأزمة العميقة في البحث عن طريق للخروج من هذا النفق الكئيب، ونستسهل شغل أنفسنا بمعارك صغيرة لا تجد لها صدىً سوى في حلقات النميمة الصباحية في تويتر!
ولازلت أكرر ما قلته سابقا.. نحن لن نحصل سوى على ربع رئيس، أياً كان برنامجه وأياً كانت نواياه.. لذا علينا العمل على أن نحصل على دولة كاملة تعبر عن أهداف الثورة.. فالطريق الى بناء الدول غير معبد بالنوايا الطيبة أو بصور "بيبو" وظهوره المكثف مع يسري وفي الشروق!
No comments:
Post a Comment