Sunday 27 May 2012

الجزء الأول: كيف "ضربت" الصناديق على الأرض؟



أبلغ ما قيل عن نتيجة الانتخابات المصرية ما ذكره أحد الناشطين على شبكة تويتر عندما قال "إحنا ما انتخبناش، الصناديق انضربت على الأرض!”. وذلك في استحضار للأعمال الدرامية المصرية التي تناولت حرب ١٩٦٧ والتي كان البطل يعود فيها من جبهات القتال ليقول: إحنا ما حاربناش، الطيارات انضربت على الأرض..

١. عند الصراع على السلطة، يفضل الشعب أن ينتظر الرجل الأقوى!

هل انتخب المصريون حقاً أم أنهم فضلوا أن يجلسوا بعيداً حتى تنتهي ما اعتبره نصف الذين امتنعوا عن التصويت "صراعاً على السلطة" بين مجموعات تدعي أنها تملك الحلول الحصرية لمشاكل المجتمع الاقتصادية والاجتماعية.

الذي حدث هو تكرار حديث لما فعله الشعب المصري عندما قام محمد علي باشا بافتتاح دولته بمذبحة. فقد جمع الباشا الذي أرسله الباب العالي المماليك في قلعته وأجهز عليهم، عدا واحداً أستطاع الهرب إلى الصعيد. هل تدخل الشعب المصري في هذا الصراع على السلطة. بالطبع لا.

مثال آخر وإنما من صفحات التاريخ الحديث. في مارس ١٩٥٤، أي بعد عامين فقط من انقلاب عسكري أطاح بالملكية، تصارع الضباط فيما بينهم حول الديمقراطية. انتهى الصراع باستبعاد اللواء محمد نجيب وظهور ضابط جديد، كقائد للمجموعة التي تحكم البلاد. بالرغم من شعبية اللواء محمد نجيب الجارفة لدى المصريين، إلا أن أياً من المصريين لم يتدخل من أجل إعادته. كان الأمر بالنسبة للمصريين صراعاً بين ضباط يملكون السلطة والسلاح، وأي تدخلٍ من طرف الشعب في هذا الصراع يعني حرباً أهلية وإراقة دماء، لا يستطيع مجتمع زراعي مثل المجتمع المصري دفع تكلفتها.


الطبيعة الزراعية لهذا المجتمع، بالإضافة إلى ما اكتسبه من دهاء وخبث خلال أكثر من عشرة آلاف عام من التعامل مع الحكام والطغاة المحليين والمستوردين، أدى إلى أن يقف هذا المجتمع على الحياد عندما وقع الصدام بين جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين في ١٩٥٤ و١٩٦٥. اعتقد الإخوان أنهم قادرون على الإطاحة بالضابط، الذي اعتقدوا أنهم صنعوه. أطاح بهم واعتقلهم وأعدم قياداتهم. بالرغم من شعبية الإخوان في الأربعينيات والخمسينيات، هل تدخل الشعب؟

الإجابة لا. والسبب أن المجتمع المصري بطبيعته يضع مكتسباته الاجتماعية والاقتصادية قبل قضايا الحريات والديمقراطية.

المثال الكاشف الآخر على الإرادة الشعبية الأصيلة بعدم التدخل في أي صراع على السلطة في العاصمة المركزية، هو ما جرى في عام ١٩٧١

رئيسٌ جديد، يبدو ظلاً باهتاً لحاكم ذو كاريزما وتفويض شعبي كبير، يدخل في صراع على السلطة مع رجال الحاكم الراحل، ويعتقلهم جميعاً لعشر سنوات، دون أن يتحرك الشعب للمطالبة بالإفراج عنهم أو الضغط من أجل محاكمة عادلة.

مثال تاريخي آخر، تتذكره الأجيال التي نشأت خلال عصر مبارك. في ١٩٨٩، قام الرئيس المصري السابق بإقالة المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة من منصبه كوزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة. كان الرجل يوصف بأنه الأكثر شعبية في الجيش المصري، ولدى أوساط شعبية واسعة، منذ المشير عبد الحكيم عامر.

كيف كان رد الفعل الشعبي؟ لا شيء. صراعٌ خفي على السلطة بين حاكم يمتلك شرعية المؤسسات، ووزير دفاعه المحبوب شعبياً. لكن من سيتدخل بين الرجلين عليه أن يدرك أن رأسه هي أبسط ثمن سيدفعه.

تكرارٌ لنفس السلوك الشعبي حيال ما وقع في عام ١٩٨٦ عندما انتفض جنود الأمن المركزي وجرى قصفهم بالطائرات والدبابات، ولم يبد المجتمع امتعاضه من المذبحة، أو طالب بالتحقيق في وقائع ما جرى.

٢. هل يكترث الشعب حقاً للديمقراطية؟

بعد هذه الأمثلة التاريخية، كيف يمكن لشعب، يقول المؤرخون أنه مارس التعددية السياسية والديمقراطية في الثلاثينيات والأربعينيات، أن يرضى بأن تنزع منه هذه الديمقراطية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وصولاً إلى خلع مبارك، ولا يغضب أو يحتج أو ينتفض؟!

السبب أن دولة محمد علي منذ ولادتها وحتى سقوطها في ٢٨ يناير ٢٠١١، وهي تجدد نفسها، عبر صياغة عقد اجتماعي بين السلطة وبين طبقة الأفندية (وهم كبار الملاك والموظفين ومن عادوا من البعثات العلمية في أوروبا وانخرطوا في العمل العام والكتابة والتأليف والصحافة).

ومن يعود إلى نسب الأمية خلال حقب مختلفة في القرنين الماضيين، يجد أن طبقة الأفندية المحدودة عددياً، تأثيرها في قيادة المجتمع نحو المطالبة بحقوقه الاجتماعية والسياسية محدود. لذا فإن التجربة الديمقراطية التي عاشتها مصر قبل ١٩٥٢، كانت قاصرة على الأفندية.

هؤلاء الأفندية هم من استطاعوا أن ينخرطوا سريعاً في النظام السياسي الجديد لدولة عبد الناصر، دون أن يجدوا حرجاً مجتمعياً. والسبب بالطبع أن هؤلاء الأفندية لا توجد لديهم قواعد شعبية حقيقية، وإنما هم منذ البداية صنيعة السلطة (في العصر الملكي) والتي أرسلت أجدادهم إلى البعوث العلمية في أوروبا من أجل العودة الى مصر وخدمة الآلة الحربية لدولة محمد علي باشا خلال القرن التاسع عشر.


وإذا عدنا إلى ما جرى في عام ١٩٧١ من صراع على السلطة بين السادات ورجال عبد الناصر، نجد أن طوائف الشعب اعتبرت هؤلاء الرجال، الذين أكلهم الرئيس الجديد قبل أن يأكلوه، تمثيلاً لطبقة الأفندية الذين لا يشعر تجاههم بأي ولاء. كما أن الشعب كرر مع الرئيس الجديد مع فعله مع الرئيس الراحل في عام ١٩٥٤. وجد أن الرجل هو الأكثر دهاءً وقوة، ولا يوجد ما يجعل الخروج عليه أمراً مجدياً.

لكن الشعب، بذكائه لم يمنح الرئيس الجديد تفويضاً شعبياً إلا بعد حرب ١٩٧٣. تماماً كما فعل مع الرئيس الراحل في ١٩٥٦. وفي الحالتين لم يربط الشعب بين هذا التفويض الشعبي وبين الديمقراطية.

ومن يدعي أن الديمقراطية هي الحل، يتجاهل أنها بدون وعي تصبح أداةً للتضليل. كما أنها بفعل التطور السياسي للمجتمع المصري، لم تكن مكوناً أصيلاً ضمن ممارسات هذا المجتمع

كيف إذن أن نطبق الديمقراطية مع مجتمع عاش دون أن يمارسها عقوداً، دون أن ينتفض مطالباً بها؟!

في عام ١٩٧٧ تحركت انتفاضة الخبز من أجل رفع الدعم عن السلع الأساسية. في عام ٢٠١١ كانت الانتفاضة الثانية للشعب المصرية تضع العدالة الاجتماعية و"العيش" ضمن أهم أهدافها. وفق التطور السياسي للمجتمع المصري فإن أي تحسنٍ ملحوظ في الحالة الاقتصادية للشعب بعد ثورة يناير، كان سيؤخر "نظرياً" المطالبة بالديمقراطية وتداول السلطة.

لهذا فإن من انتخبوا مرشح جماعة الإخوان لم يسعوا لاختيار أفضل المرشحين رئيساً، وإنما مارسوا الديمقراطية وفق منطق الولاء للجماعة التي اختارت لهم أقل قيادتها قبولاً جماهيرياً

أما من اختاروا الفريق شفيق، فإنهم راهنوا على علاقاته مع المؤسسة العسكرية، وعلى قدرته "المزعومة" على إعادة الأمن، بعد أن تعمدت السلطة الحاكمة في البلاد أن تجعلها الأولوية الأولى للمجتمع منذ خلع مبارك.

لا يمكن إغفال أن جزءاً لا بأس به من بقية "الأفندية" الذين صوتوا لعبد المنعم أبو الفتوح أو حمدين صباحي أو عمرو موسى، صوتوا لهم وفق منطق "التصويت التكتيكي". أي أنهم لم يكونوا مقتنعين ببرامجهم، وإنما حاولوا اختيارهم تفادياً للوقوع في "مصيدة" مرسي أو "فخ" شفيق. وهو ما تكشف لاحقاً باعتباره مجرد وهم تفتت على صخرة النتيجة، التي وضع فيها "ربع الشعب" طبقة الأفندية أمام خيارين مريرين وشديدي التطرف!

في الجزء الثاني: كيف يمكن الوثوق بجماعة الإخوان؟ كيف يمكن الوثوق بالابن البار لمبارك؟ هل تصبح مصر أكثر ديمقراطية مع مرسي؟ هل تصبح مصر أكثر أمناً مع شفيق؟ مصر أمام مفترق طرق: إيران بنكهة سعودية أم باكستان بنكهة تركية!


4 comments:

  1. انا كنت الاسبوعين ايل فاتوا عشان الشغل بين الصعيد والدلتا. كنت اول مرة اسافر بعد الثورة. العادي بتاعي في السفر سيناء بورسعيد المنيا والفيوم سياحة. المهم كان انطباعي ايل رجعت بيه اننا موجة من موجات 52 . 52 سواء انقلاب او ثورة تم الاعتراف بيها بعد كده كان جزء منها العدالة الاجتماعية وبشكل او باخر شبه ظروفنا دلوقتي. وبرضه شفت ان سبب 52 لما ولاد الفلاحين بقوا افندية ( ضباط جيش) فقرروا ان لازم باقي الشعب تبقى عنده فرصة. وانا باتناقش في الفكرة دي مع حد تقريبا لقيت نفسي بارجع لثورة 19 و محمد علي تقريبا نفس الي نت قلته طبقة الافندية الي بتغير . بس انت قلتها اقوي وبشكل اكتر تحليلي. جيل 25 يناير هو نتاج جيل 52 الي اتربي واستفاد من المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية ل 52 . في النهاية وصلت ان الثورة الصح لما نقلل فجوة الجهل والفقر, ممكن اكون باحلم بس انا شايفة ان الموجة الالاخيرة ممكن تكون بعد 10 سنين بسبب ثورة التكنولوجيا.

    ReplyDelete
  2. كلام حضرتك صح جدا :)

    ReplyDelete
  3. بعد التفكري مليا فى امر الشعب ده وردنى سؤال بسيط ع بالى!! وهو
    ياترى لو وصل إحتلال لمصر يتعامل بشكل ديكتاتورى ويقتل من يقاومه ويغتصب العرض
    في مقابل انه يحافظ على "لقمة العيش" لعامة الناس
    الناس هترضخ وتقبل بالإحتلال دائما طالما العيش متوفر؟؟

    ReplyDelete
  4. ردي عليك يا شمس إن هو دا فعلا عموم شعب مصر يدين لمن في يده السلطة ولو كان المحتل واقرأ في الأدب القديم عن الأرنس وفلوس الأرنس والانجليز حفنة صغيرة دائما كانت تقاوم وذات عزة نفس ووطنية ..حتى أن بريطانيا وألمانيا حاربوا بعض على أرضنا واحنا بنتفرج وبناكل وبنشرب وبنتجوز ونخلف

    ReplyDelete