Thursday 1 March 2012

خربشات تويترية: في معنى الثورة وفي حجم الرئيس


أخشى أن يكون الناس قد فهموا كلمة ثورة بشكل خاطئ! الثورة هي إحداث تغيير جذري في المجتمع على مدى زمني طويل وهذا لا يعني أن كل الثورات تنتهي بأنظمة ديمقراطية بالضرورة.

مثلا الثورة الكوبية كانت مجرد حرب عصابات واضطرابات مسلحة لا تكتسب أي شرعية. وإنما بعد إحداث تغيير في بنية المجتمع أصبحت ثورة رغم البناء الديكتاتوري للدولة.

الثورة البلشفية في روسيا القيصرية تحولت الى ثورة عندما غيرت الأيدلوجية الماركسية شكل الحكم وغيرت البنية الاجتماعية والسياسية للمجتمع الروسي..

ثورة الرفيق ماو تسي تونج في الصين لم تكن ثورة إلا بعد سنوات من وصول ماو الى السلطة عبر نزاع مسلح ضد الحكم القائم. لكنها أفرزت ديكتاتورية فردية رغم ثوريتها ثم تحولت الى دكتاتورية الحزب الواحد الذي يطبق الرأسمالية أفضل من الدول الغربية!

ما حدث في مصر منذ يناير 2011، أقرب شيء له حتى كتابة هذه السطور هي الثورة الإيرانية. بدأت كانتفاضة شعبية ضد ديكتاتور وتحولت لصراع على السلطة وانتهت بانتصار طرف وإقصاء بقية الأطراف!

وفق كل ما سبق، فإن ما حدث منذ يناير2011 ليس ثورة، لأنه لم يؤد بعد الى تغيير عميق في بنية المجتمع والنظام، وإنما هو مسار ثوري مستمر.

ما حدث في عام 1952 توصيفه العلمي هو انقلاب عسكري أول عامين. صراع سلطة في العام الثالث. ثورة بداية من العام الرابع لأنها أحدثت تغيير عميق في بنية المجتمع

هل ثورة 52 وفق هذا المفهوم ثورة عسكر؟ غير صحيح لأن ناصر، السادات أو مبارك استخدموا الجيش كأداة بالموازاة مع تنظيم سياسي تحت قيادتهم المباشرة.

الفرق أن ناصر والسادات بسبب نشاطهم السياسي قبل 52 استطاعوا أن يكونوا أقوى من النظام وبالتالي فقد كان النظام تابعا لتوجهاتهم بعكس تجربة مبارك..

مبارك حتى الاطاحة بأبوغزالة سنة 89 هو نصف رئيس، ومنذ 2005 وهو ربع رئيس، حيث يشاركه الحكم سوزان، جمال، عمر سليمان. وبالتالي النظام أقوى منه..

ناصر، السادات أو مبارك لا ينطبق عليهم الوصف الكلاسيكي للديكتاتور لأنهم كانوا جزءا من منظومة حاكمة تمثل قوى المجتمع والدولة كرجال القبائل والعائلات ورجال الأعمال والأجهزة السيادية.

مشكلتنا الآن مع الجيش أنه تحول من أداة في يد رئيس أقوى منه الى طرف حاكم بسبب انهيار الجناح السياسي والفراغ الذي خلفه وتحاول القوى مثل الاخوان والسلفيين أن تملأه..

وفق الإشكالية التي تركها لنا مبارك، يصبح أي حاكم قادم، مهما كان توجهه أو قوة كاريزمته أو شخصيته، مجرد ربع رئيس، والنظام سيكون أقوى منه وسيوجهه أيضا.

وبالتالي خالد علي ببرنامجه الثوري لو نجح في الانتخابات فإنه سيكون فعليا أضعف من موظف السجل المدني في البحيرة الذي يعرف مداخل ومخارج منطقته!!

حتى لو جاء أبوالفتوح الى الحكم فسيحرص الاخوان بالتنسيق مع الجيش والمخابرات أن يقضي سنوات رئاسته في اللهاث خلف محافظة دمياط من أجل تنفيذ قراراته!

لو جاء عمرو موسى الى الحكم، فإن الجيش سيعين ضابط برتبة نقيب في القصر الجمهوري لتبليغه بالمطلوب منه، والمرشد سيرسل له مستشارا للشؤون الدينية!!

لو جاء أحمد شفيق الى الحكم فإنه سيقوم يوميا بالاتصال بوزير الدفاع ورئيس المخابرات والمرشد كي يتأكد منهم أنهم راضون عن مؤتمره الصحفي الذي عقده في بنها بمناسبة افتتاح مصنع الصابون.

لو جاء عمر سليمان الى الحكم فإنه سيقوم بالاتصال يوميا بالمرشد للسؤال عن صحته وسيقوم بترك باقي أمور الدولة لرئيس الوزراء الاخواني ووزير الدفاع.

خلاصة القول، لو كان الرئيس القادم عفريتا من العفاريت أو ملاكا من الملائكة فإنه محكوم بالمعادلة السياسية الحالية للبلاد والتي عنوانها العريض: تلصيم نظام مبارك وترقيعه، لا بناء دولة ونظام جديد.

إذن فالحل ليس انتخاب رئيس تابع لقوى أقوى منه مثل الجيش / المخابرات / الاخوان / السلفيين، وإنما بناء دولة لها عقد اجتماعي يعبر عن رغبات قوى المجتمع الحقيقية وأولها وأبرزها الفقراء.



4 comments:

  1. خلاصة القول، لو كان الرئيس القادم عفريتا من العفاريت أو ملاكا من الملائكة فإنه محكوم بالمعادلة السياسية الحالية للبلاد والتي عنوانها العريض: تلصيم نظام مبارك وترقيعه، لا بناء دولة ونظام جديد.

    ___

    عليك نــــــور.

    ReplyDelete
  2. تحياتي يا صديقي :)) أشكرك على كرمك

    ReplyDelete
  3. كتبت ...
    "إذن فالحل ليس انتخاب رئيس تابع لقوى أقوى منه مثل الجيش / المخابرات / الاخوان / السلفيين، وإنما بناء دولة لها عقد اجتماعي يعبر عن رغبات قوى المجتمع الحقيقية وأولها وأبرزها الفقراء."

    وتعليقي انة عندما يحدث ذلك نكون قد بدأنا حقبة التحضر. المشكلة الاساسية في نظري هو تبني كثير من الحكام لمبادئ البرجماتية المكيافللية التي تسعي الي دراسة القوي الفاعلة علي الارض والادوات المتاحة ومحاولة تسخيرها، اما بالتوافق او بالاقصاء. وللاسف الشديد، فان الشعوب في حساباتهم لا تعد احدي هذة القوة لما لها من جهل وضعف يجعلها خارج المعادلة.

    رجوعا الي الحل الذي تقترحة …
    اري ان ذلك يتطلب تحول ايديولوجي للحاكم يدفعة الي تبني استراتجية تقوم في اساسها علي فكرة المد الشعبي. حينما يدرك الحاكم ان ضمانتة الوحيدة هو قوي المجتمع الحقيقية (استعير تعبيرك) ويستطيع ان يتوحد مع مطالبها وطموحاتها ورؤيتها فهو بذلك يكون قد خط بيدة اولي خطوات الطريق الصحيح للحياة السياسية في مصر. حياة سياسية تتولد من ارحام الشعوب وترتكز علي منظومات قيمية غائية، لا نفعية، فيصبح لها قوة وثبات الجبال وجلالة وسمو الفضائل وينحي تحتها الشعب والحاكم توقيرا لقيمة اننا "انسان"

    @MikhaMilad

    ReplyDelete
  4. يا مايكل أنا مش عارف أقولك ايه؟ كل كلمة قلتها هي حكمة في حد ذاتها.. شكرا جدا لهذا التعليق البديع

    ReplyDelete